رأي ومقالات

الفوضى ليست ثورة ..

[JUSTIFY]بعد المعاناة السياسية والعسكرية والاقتصادية دأبت أمريكا وحلفائها من الغرب لتطبيق سياسة في الشرق الأوسط، تقود إلى إضعاف السيادة الوطنية لبعض دول المنطقة بخلق الانقسامات الطائفية والإقليمية والإثنية التي تفضي إلى احتمال إعادة تفصيل وترسيم الحدود!.

ـ ضعف الدول والأنظمة الحاكمة في المنطقة ونشوة الأفكار القومية، ووهن القوى السياسية وفساد مؤسسات الحكم هي العوامل التي تؤدي إلى تفشي الفوضى في المنطقة!.

ـ الانتفاضات التي قامت في بلدان شمال إفريقيا، أو ما يعرف بالربيع العربي، لا ترقى إلى مرتبة الثورات، فالثورة تنظيم وقيادة لتحقيق هدف أو أهداف مرسومة مسبقاً!.

ـ فالذي وضح من نتائج الربيع العربي خطأ أو الخلط وعدم التفريق ما بين ما هو هدف وما هو وسيلة!.

ـ ففي تونس وليبيا ومصر وحتى في سوريا تم الخلط بين الهدف والوسيلة، فقد كان إسقاط الحكم هو الهدف، ولم يكن هناك نظام بديل يحمل برنامجاً قابلاً للتنفيذ ليحل مكان البرنامج الذي تم سقوطه، ومن هنا بدأت الفوضى، فالنظام الجديد الذي حل مكان البائد لم يكن مستعداً، فرغم أن النظام المنهار ولى إلا أن مؤسساته باقية، ويثبت هذا القول نتيجة الانتخابات المصرية حيث نال الرئيس محمد مرسي اثنين وخمسين في المائة من الأصوات بينما نال محمد شفيق وهو ركن من أكبر أركان النظام السابق ثمانية وأربعون في المائة من ذات الأصوات!. وهذا يعني أن الشعب المصري ثار على نظام وأسقطه ثم عاد ليصوت له بتلك النسبة العالية ومن هذه الحقيقة نستنتج عدة استنتاجات منها أن ما جرى في مصر وسائر دول الربيع العربي إنما هو مجرد احتجاج شعبي افتقد الهدف وافتقد القيادة، فالمواطن الذي خرج إلى الشارع كان خروجه تلقائياً واحتجاجياً ولو عمل النظام الحاكم وقتها على تلبية المطالب لامتص كماً هائلاً من غضب الجماهير!.

ـ في كل بلدان الربيع العربي لم تكن القيادات مستعدة لقيادة ثورة أو حتى نقل تلك الاحتجاجات من غضب جماهيري إلى ثورة حقيقية، فالثورة ترسم لنفسها هدفاً تحققه بالوسائل المتاحة التي ترسم الطريق لتحقيق ذلك الهدف..

ـ أن تقود احتجاجاً يختلف كثيراً من أن تقود ثورة، وفي قيادة الاحتجاجات نجح الشباب ولكنهم فشلوا في نقل هذه الاحتجاجات إلى مرحلة الثورة، فالثورة قبل كل شيء تملك بعداً سياسياً ومستقبلياً ذات أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذا ما افتقرت إليه الاحتجاجات وبقيت كما هي احتجاجات فالشعارات التي رفعت ضد مبارك هي ذات الاحتجاجات التي ترفع اليوم ضد مرسي أو ضد النهضة في تونس وغيرها!. لأكثر من نصف قرن عاشت مصر تحت القهر، والسياسيون إما كانوا حبيسي السجون وإما في المهجر وكذلك الأمر في تونس وليبيا وسوريا فالبعد عن قضايا الشعب الحياتية اليومية، لم يتيح للمعارضين رسم صورة واقعية لبلدانهم وقضايا شعوبهم، هذا بالإضافة إلى الضغوط التي تفرض على اللاجئين السياسيين من الدول التي أوتهم طوال هذه السنين، فهناك فاتورة واجبة السداد!.

ـ ربما نجح الإخوان المسلمون في مصر في البعد الاجتماعي، لكن الحكم قضية ثلاثية الأبعاد، سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد ساعدهم في النجاح في البعد الاجتماعي المنهج الإسلامي في التكافل والتراحم، ومن هنا كان من الممكن الإنطلاق في البعدين السياسي والاقتصادي ولكن غياب المشروع السياسي والاقتصادي أضعف البعد الاجتماعي لأقصى درجات الضعف!. وغياب البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي عن الثورات الربيعية جعل منها ثورات ناقصة لا تعدو أن تكون مجرد احتجاجات نتجت عن لحظة غضب لإحراق بو عزيزي لنفسه أو قتل الناشط محمود سعيد في الإسكندرية بواسطة الشرطة، وهذه لا تعدو أن تكون بداية غضبة شعبية تتطور في مراحلها إلى ثورة تغيير لكل المجتمع في أبعاده الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية!. وغياب هذه الأبعاد يثير الفوضى ويحقق الهدف المرسوم للمنطقة والمسمى بالفوضى الخلاقة!.

ـ الخطأ الشائع في بلادنا أن السياسة هي من يقود الاقتصاد، وهذا يقود النظام الحاكم إلى التحكم في الاقتصاد لا تنظيمه، فيجعله في أيدٍ أمينة (بالنسبة له) ومن هنا ينتشر الفيروس المسمى بالفساد، فحين يصبح الاقتصاد دولة بين أفراد تجوع الملايين وتسود الفوضى وأخطر الثورات هي ثورة الجياع!.

ـ العالم من غير عالمنا العربي يسير نحو الوحدة الاقتصادية وعالمنا يتمزق، أمريكا التي تعمل بجد لتمزيقنا ذات أمريكا خاضت حرباً أهلية ضروس لتتوحد وقد نجحت في ذلك وقد وحد بسمارك بروسيا، واليوم أوربا فوحدت اقتصادياً وأصدرت عملتها الموحدة اليورو، وروسيا اليوم تعمل على إنشاء الاتحاد الاوراسي الذي سيكون له شأن في السياسة والاقتصاد الدوليين، ما الذي يحدث في شرقنا العربي المسلم، خلافات مذهبية وعرقية تمول بأموال عربية والخلافات أشد ما تكون بين المسلمين الذين طغى عليهم التطرف، رغم أن المولى عز وجل خاطبنا بأن جعلناكم أمة وسطا!.

ـ عادة ما ترى المسلم يكفر مسلماً ونادراً ما ترى ذات المسلم يحاول أن يأسلم كافرا!. ومن الفوضى التي ضربت أطنابها المطالبة بتدمير الآثار التاريخية، كيف يفسر المطالبون بتدمير الآثار الآية الكريمة (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). والتابوت آثار وقد وردت في القرآن الكريم لإثبات صدق الدعوة الربانية!. أوردت هذا المثال، لأنه كان مشابهًا لما نعيشه الآن، فقد كانت هناك انتفاضة إيمانية ضد الظلم والطغيان ولكنها اختلفت عما نعيشه الآن بأن كان لتلك الانتفاضة قيادة وإعداد كانا سببا تحولها إلى ثورة حقيقية لها أهدافها ووسائل تحقيقها فأين نحن من هذا؟!.

ـ إننا نعيش فوضى مدمرة، فهل يدرك الحكام العرب هذا ويفهمونه؟!!.

صحيفة الإنتباهة
د. هاشم حسين بابكر[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. سلام عليكم
    ما ورثناه من الإسلام أن المسلمين بأسهم بينهم شديد، وقد تتكالب عليهم الأمم، ولن يسلط الله عليهم عدوا من غيرهم يستأصل شأفتهم…. وأن عمل الحاكم هو أن يحفظ للناس دينهم، ويمنعهم أن يتظالموا.