التعايش السلمي مع الروائح الكريهة
قبل أسابيع تحمل صحيفة آخر لحظة خبرا يثير الهلع .. نحو ألف جالون من غاز الطائرات تسربت في باطن الأرض لتختلط بالمياه الجوفية .. سمك الزيت في بعض الآبار وصل ارتفاعه نصف متر .. جاء وفد من شركة شل العالمية لتقديم المساعدة في المصاب الجلل .. نصف ولاية الخرطوم تشرب من هذه المياه .. رغم فداحة الخبر لم يتكرم مسؤول من هيئة الطيران المدني بتوضيح الحقائق .. أما هيئة توفير المياه فقد التزمت الصمت .. مصدر يخبرنا أن وزارة البيئة في الصورة .
تبلغ المأساة أن وزير البيئة يتهم موظفا بولاية الخرطوم بأنه عطل منحة يابانية لاقامة محارق طبية..الوزير حسن هلال أكد أن الموظف المسنود رفض العرض المجاني من حكومة اليابان بحجة أن الولاية تتجه للتعاقد بالفلوس لإنشاء هذه المحارق .. الوزير أكد أن العرض الياباني انتهى بنهاية ديسمبر الماضي وأنه الأن رفع سقف المخاطبة لوالي الخرطوم مباشرة .. إلا أن السؤال المحرج لماذا صمت الوزير عن الكلام المباح لشهور عديدة والآن جاء يتحسر على العسل المسكوب في رمال البيروقراطية الضارة بالمصلحة الوطنية.
ذات الوزير يحدثنا أن الاعتداء الاسرائيلي الغاشم على مصنع اليرموك خلف تلوثا بيئيا خطيرا..وقبل الاعتداء كان مواطنو الخرطوم جنوب يشكون لطوب الارض من اسراب الحشرات الطائرة والزاحفة التي تستوطن في مياه الصرف الملوثة التي تنبع من بعض المصانع..أخيرا انتبه رئيس الجمهورية لخطورة الوضع ووجه بنقل جميع المصانع بعيدا عن مضاجع السكان ومازلنا في انتظار تنفيذ القرار.
وزير البيئة يشكو أن بعض مصانع السكر مازالت ترمي بفضلاتها الملوثة الى جوف المياه العذبة..بعض هذه المصانع لا تدفع حتى الضريبة تسقي المواطنين كدراً وتلوثاً ويقبض كبار الاداريين مرتباتهم عبر عقود خاصة جدا..صناعة الاسمنت الواعدة تثمر علوا في المباني..ولكن اهلنا في نهر النيل يتنفسون هواءً ملوثاً .. رغم هذا كله تصمت وزارة البيئة وتنشط ادارات الاستثمار في التصديق بمصانع جديدة على مرمى حجر من المساكن الشعبية.
في مدينة دنقلا هاجم مرض غامض مدرسة ثانوية..المرض يجعل غرف عمليات المشفي العجوز تعلن حالة الاستنفار لاستئصال الزائدة..في اسابيع قليلة دخل نحو تسعين مريضا الى تلك الغرفة التي تجعلك قريبا من الموت..في كارثة دنقلا المتهم حتى هذه اللحظة تلوث بيئي مجهول المصدر .. بالطبع لاعزاء للمواطنين الطيبين.
سيدي وزير البيئة ..اخي والي الخرطوم اشعر بالخجل والحزن والاسف كلما مررت ببعض شوارع العاصمة واضطر ومن معي لنضع اصابعنا على الأنوف .. عدد كبير من سكان الخرطوم اضطروا للتعايش السلمي مع تلك الروائح الكريهة المصنوعة بفعل فاعل حكومي .. يحدث هذا وذاك و في بلادنا وزارة بيئة ..!
صحيفة آخر لحظة
عبد الباقى الظافر