أي محاولة لتجفيف منابع السلاح لن تؤتي أكلها ..!
وحديث السيد “قيدوم” في محله، ولكنه في تقديري ليس حصرياً على جنوب كردفان فحسب وإنما في معظم مناطق النزاعات في السودان حيث من السهل أن يجد السلاح طريقه للأسواق بشكل تلقائي وعادي نتيجة تسربه بواسطة المتفلتين الذين تسببوا في أصل هذه النزاعات.
في مخيلتي صورة من الصعب محوها فقد شهدت في مناطق بعينها في ولاية جنوب دارفور السلاح يباع ويشترى وعلى عينك يا تاجر والتاجر هنا لا يفوت على فطنة القارئ في الأسواق المعروفة بـ”أم دور ور”.
ففي منطقة “كاليلك” وهي من أكبر أسواق “أم دور ور” وهي تتبع لمحلية شطايا بولاية جنوب دارفور يباع السلاح كما تباع السلع والمحاصيل وهو معروض حسب طلب المشترين وتجري حوله المزايدات بين البائعين والمشترين بطريقة “يفتح الله يستر الله”… “تستاهل بعنا ليك”.
بتقديري أن ما قاله السيد سليمان بدر قيدوم هو مجرد قيدومة والقيدومة في بيوت الأفراح السودانية تعني حفل افتتاحي أولي يسبق مناسبة الزواج بأيام وقد يأتي آت من الجهات المختصة ليقول عن أمر السلاح ما لم يقله “مالك في الخمر”.
إن انتشار السلاح في مناطق النزاع لا سيما في الفترات التي ينتهي فيها النزاع يشكل خطراً ربما تسبب في إعادة إنتاج النزاع مجدداً، كما أن مجرد عرضه يعطي إشارة محفزة لاقتنائه للكثيرين لاسيما لارتباط بعض مناطق النزاع ببعض المناطق والمهن اليدوية التي يمثل السلاح مظهراً مهماً من مظاهر الحياة فيها.
إن محاولات جمع السلاح التي بادرت بها السلطات الرسمية كثيرة ومتعددة لكنها لا تستمر حتى نهاية الشوط أو تتوقف لأسباب غير معلومة قبل أن تكمل مشوار أهدافها المرسومة والتي تمثل غايتها جمع السلاح وتقنين استخدامه.
إن كل محاولات جمع السلاح في كردفان ودارفور فشلت أو لم تحقق كل النجاح المطلوب لأنها لم توجه نحو تجفيف منابع السلاح والذي يتسرب من بعض دول الجوار نتيجة نزاعات داخلية أو يتسرب من مناطق أخرى كانت ذات صلة بنزاعات داخلية ثم تسويتها أو إيقافها لفترة من الزمن لتجدد بصورة تلقائية.
إن أية محاولة لتجفيف منابع السلاح وجمعه لن تؤتى أكلها ما لم يتم تحصين المجتمعات السودانية التقليدية بمفاهيم وثقافات تحض على نبذ العنف وتعزيز الوفاق المجتمعي وتقوية النسيج الاجتماعي، وإنهاء كل “مظاهر العسكرة” في غير الجهات النظامية المرخص لها دستوراً وقانوناً بمباشرة التدريب والتسليح “القوات المسلحة قوات الشرطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني الدفاع الشعبي الخدمة الوطنية الشرطة الشعبية” وإلا فإن السلاح يصعب حرزه مما يجعله عرضة للبيع والشراء في “سوق الله أكبر”.
المشهد الآن
معاوية ابو قرون