جعفر عباس

الاستثمار في الجنائز

الاستثمار في الجنائز
كان الرجل الياباني قد استثمر كل مدخراته في محل لدفن الموتى، فاشترى سيارة فارهة لحمل التوابيت، وعددا من التوابيت مختلفة الأحجام، بعضها عادي لعامة الناس والبعض الآخر مزين بالزخارف، للأثرياء من الموتى، وسارت الأمور على ما يرام لبعض الوقت، ولكن وبمرور الزمن صار عدد الموتى يتناقص، وأحيانا كان يمر عليه شهر او اثنين من دون ان يلمس جثة، وصار صاحبنا الحانوتي كلما اقترب شخص من دكانه يتوجه نحوه هاتفا: عظم الله أجركم وأحسن عزاءكم.. تفضل اختر التابوت الذي يناسبك، وإذا سلمتني جثتين سأدفن لك قريبا ثالثا مجانا.. ثم يفاجأ بأن ذلك الشخص يريد فقط ان يستفسر منه عن موقع محل بيع البرجر! المهم ان صاحبنا هذا أصيب بالهلع لأن مصروفاته فاقت ايراداته، وأحس أن الناس ربما نسوا وجود محل لدفن الموتى في المنطقة، فقرر ان يضع حدا للتبطل، وأن ينظم جنازة محترمة تلفت الانتباه الى دكانه، وهكذا توجه الى بيت خالته وصافحها وشكا لها من ان «السوق واقف» والحال واقف.. ثم قال: اسمحي لي ان استعين بك لتنشيط مهنتي، فقالت له انها على استعداد لتقديم كل مساعدة يحتاج اليها لإنعاش نشاطه «التجاري»، فشكرها ابن اختها الحانوتي وقام وخنقها حتى ماتت، وتحولت الى سلعة تخصه، وغادر بيتها وهو يعلم ان الواجب يحتم عليه ان يتولى إعداد ودفن جثمان خالته بلا مقابل، وكان سعيدا بكل ذلك لأنه كان يريد استغلال الجنازة كحملة دعائية للفت الانتباه الى دكانه.. وجلس يتنظر أن يتسلم مكالمة هاتفية من ابناء خالته يبلغونه فيها بموتها المفاجئ فإذا بالشرطة تقتحم محله وتعتقله وتواجهه بأدلة دامغة بأنه قتل خالته! صاحبنا هذا، ولنفترض ان اسمه ياما موتو مافي، أقدم على عمل بشع بكل المقاييس، ومن حق الشرطة ان تتباهى بأنها كشفت جريمته، ولكننا جميعا نرتكب جرائم تشبه الى حد بعيد الجريمة التي ارتكبها هو، ولو كان ذلك بترك عمل اليوم الى الغد حتى لا يكتشف رؤساؤنا اننا متبطلون.. وفي البرازيل مثلا تتفشى الجريمة كما السارس في جنوب شرق آسيا، بمعنى انها من النوع المفضي الى الموت، وبدلا من بذل الجهد لمطاردة المجرمين الحقيقيين والعصابات المنظمة، فإن الشرطة البرازيلية تقتل اطفال الشوارع من باب إثبات الوجود، وفي امريكا وبريطانيا حدث اكثر من مرة ان اشتعلت حرائق هائلة وتمت السيطرة عليها بصعوبة وبفضل بطولة ويقظة رجل اطفاء معين، ثم تثبت التحقيقات ان ذلك البطل هو الذي اشعل الحريق ليجد فرصة لإثبات جدارته، ويقال ان امرأة عربية تعيش في أطراف إحدى المدن اشعلت النار في بيتها وبررت ذلك بقولها إنها لم تر شقيقها منذ ان التحق بقوات الدفاع المدني وانها رأت ان الوسيلة الوحيدة لإرغامه على التوجه الى بيتها هي افتعال حريق!
ولماذا نذهب الى البرازيل وامريكا ونحن نعرف ان الشرطة في العديد من الدول العربية تحرص على إثبات كفاءتها – ليس بالتحري وتقصي الحقائق – بل بإرغام اول مشتبه فيه يقع بين ايديهم على «الاعتراف» بجريمته النكراء، وفي العراق مات عشرات الأبرياء في مخافر الشرطة العسكرية البريطانية والامريكية المتلهفة للحصول على معلومات حول المقاومة واسلحة الدمار، وأسهل الطرق الى ذلك هي ركل وضرب المعتقلين العراقيين.. وعندما يتساقط القتلى العراقيون في المعتقلات تقول سلطات الاحتلال ان امراض القلب معدية، وانها متفشية وبائيا وسط الشباب العراقي!! وفي ظل الحكم «الوطني» في بغداد صارت هناك سجون خاصة، الداخل فيها مفقود والخارج منها موؤود.. أي إلى المقبرة مباشرة.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]