الصكوك المرتدة التي دخل بسببها السجون معظم شرائح المجتمع
ولكل مادة جنائية رقم في القانون.. ولكن المادة «179» اسمها الصكوك المرتدة، ومن اسمها فالصكوك «ما فيها جريمة» والمرتدة لا تشير إلى أية جريمة، ولو كانت جريمة لكان اسمها التصكيك أو التشييك، وعليه فإن هذه المادة وابتداءً من اسمها يتضح أنها تحولت من نزاع مدني بين أطراف متعاملين إلى جريمة جنائية..
وقد قال المدافعون عن هذه المادة إنها استحدثت لكي تعطي الشيك قوة تجعله واجب الوفاء، ولكن ما حدث أن هذه المادة أفرغت الشيك من مقاصده المربوطة بالدفع وحولته إلى آلية ضمان.. ونجح بعض تجار الربا و «التجويك» في استعمال قانون الصك المرتد ليكون بديلاً للضمان، واستعمله المرابون في بث الذعر والخوف في نفوس رجال الأعمال من الزج بهم في السجون وابتزازهم وبيع بيوتهم ومصانعهم ومزارعهم، وقد كتب الكثيرون في الصحف وقنوات الإعلام وطالبوا بإلغاء مادة الصكوك المرتدة التي دخل بسببها السجون معظم شرائح المجتمع من أطباء ومهندسين وزراعيين ومحامين ورجال أعمال وصيادلة وربات بيوت وحرفيين، ولم يسلم من شرور هذه المادة حتى المزارعين وشيوخ الطرق الصوفية وأئمة المساجد والمؤذنين والمأذونين والفنانين والممثلين والضباط، وهذا وحده يدل على احتمالين، هما إما أن هناك خطأً في هذه المادة القانونية، أو أن كل الشعب السوداني عبارة عن «حرامية» وقطاع طرق..
ولا أحتاج إلى أن أؤكد أن في كل بيت في السودان تقريباً هناك شخص أو شخصان قد وقعا تحت طائلة هذه المادة التي ساهمت بعض البنوك في توفير سلاح الجريمة فيها وهو الشيك، وقامت بتوزيعه دون «ضابط» ولا رابط، والأسوأ من كل ذلك أن هذه المادة اللئيمة تنتهي بمادة أخرى اسمها «يبقى حتى السداد»، وهي مادة في القانون تأمر بحبس المدين إلى أن يدفع أو يبقى إلى يوم أن يلقى الله..
والغريب في الأمر أن بعض المحبوسين قد لا تتجاوز ديونهم مليونين أو ثلاثة أو حتى خمسة ملايين بالقديم ويتم حبس المدين ربما لعشرات السنين، فإذا علمنا أن تكلفة السجين الواحد في اليوم لا تقل عن عشرين ألف جنيه، فهذا يعني أن الحكومة تصرف على المدين في حبسه ما لا يقل عن سبعة ملايين جنيه في العام وسبعين مليون جنيه في العشرة أعوام.. والأغرب من كل ذلك أن الجهات الرسمية لا تطالب الدائن بدفع هذه التكاليف أو أي جزء منها.
على كل حال رأينا أن نكتب اليوم عن هذه المادة تفاعلاً مع الخبر الصحفي الذي ورد حول التوجيهات الصادرة عن بنك السودان القاضية بعدم اعتماد الشيك ضماناً للعمليات الاستثمارية، والرجوع إلى قانون الكمبيالات لسداد الديون واعتماد الضمانات العقارية والمنقولات بدلاً من الصكوك.
ونعتقد أن في هذا الأمر معالجة لكثير من الأخطاء التي من بينها استشراء ظاهرة المراباة و «التجويك» وظاهرة الديون الوهمية والبيع الصوري الذي أدى إلى خراب البيوت وتوقف المصانع وانحسار الأموال التي صارت دولة في أيدي الأغنياء والمرابين ودهاقنة جوكية الدولار.
{ كسرة:يفاجئنا كثير من المسؤولين بتصريحات تقول إن هناك عملاء للأجانب، وإنهم يحصلون على تمويل من الأجانب، وإنهم يعملون على تقويض السلطة الشرعية في البلاد.. ونقول لماذا لا يتم توقيف هؤلاء العملاء والقبض عليهم.. يا جماعة النيّة للنار!!
صحيفة الإنتباهة
د. عبد الماجد عبد القادر