جعفر عباس

مضحكات مبكياتئ

مضحكات مبكياتئ
قيل في أمر الحب بين الرجل والمرأة الكثير، ولكن قليلون من حاولوا تفسير: لماذا يحب الإنسان وطنه، وخاصة اذا كان حال ذلك الوطن يسبب الغم والإحباط بل القرف أحيانا، ونحن – بني السودان – شديدو التعلق بالوطن ويتحدث الواحد منا عن السودان فتحسبه يتحدث عن جنة الله على الأرض، ومع هذا فنحن ندرك ان حال بلدنا لا يسر عدوا او حبيبا، وأننا من أمم الأرض القليلة التي تتقدم الى الوراء بخطى حثيثة مدروسة، بعد ان ابتلى الله قادتنا بالجدل وقلة العمل، ولكن إنصافا للساسة السودانيين فانهم يرفعون الرأس كلما ظهروا على شاشات التلفزيون، بقدراتهم الفذة على الكلام المركّز والمكثف الحسن الحبك والسبك، حتى يقنعوا المشاهد بأن السودان مثل ليبيا قوة عظمى، ثم تتأمل حال البلاد والعباد فتكتشف ان كل ما استمعت اليه لغو والغ في التضليل والتجهيل. وفي بلد حاله كذلك لا بد من حدوث مضحكات مبكيات، من ذلك ما عثرت عليه في أرشيفي من خلال قصاصة من صحيفة سودانية تعود الى بضع سنوات عن رجل قروي توفي اثر علّة لم تمهله طويلا، وترك الجثمان في العنبر بعد غسله وتكفينه ولفه بملاءة بيضاء نسبيا، الى حين إصدار شهادة الوفاة، وبعد استيفاء الإجراءات الرسمية، سمحت سلطات المستشفى لذوي المتوفى بنقله للدفن في قريته، وهكذا وضع الجثمان في سيارة نصف نقل مكشوفة انطلقت به الى القرية للصلاة عليه ودفنه، وجلس بعض الأقارب حول الجثمان وهم في حزن عظيم، وكان الطريق الذي سارت عليه السيارة يشبه الطريق الذي أرغم الساسة البلاد على السير فيه، مليئا بالحفر والمطبات، فظلت الشاحنة الصغيرة تتقافز بينما مفاصلها تئن وتزنّ، مما ضايق المتوفى، فهب من سريره جالسا وهو يطنطن: شنو الحكاية يا جماعة؟ دي أول مرة في حياتي أشوف سرير مستشفى يتهز؟ في زلزال؟ ثم نظر إلى الجالسين حول سريره واكتشف أنه لا يعرف أيا منهم وتساءل: من أنتم، وبداهة فقد قفز جميع من كانوا في الشاحنة المندفعة (لأن سائقها كان يركز على تفادي المطبات) وسقطوا أرضا، وأصيب معظمهم بكسور مركبة وتمت إعادتهم الى المستشفى مع الميت الذي نهض من مواته بعد أن «غيّر رأيه» لسبب بديهي وهو أنه لم يكن ميتا أصلا وكل ما في الأمر هو انه كان في السرير الملاصق للمتوفى وكان يغط في نوم عميق تحت تأثير مخدر متلفحا بملاءة بيضاء نسبيا، وحدث التباس جعله يخضع لغسل الجنازة وهو مبنج، وتم تسليمه للجماعة باعتباره الميت الذي يخصهم، فساروا به، وأيقظته المطبات، فنجا من الدفن! يعني لو كان الطريق ممهدا ومسفلتا لكانوا دفنوه حيا (وبسبب حرصها على حياة المواطنين البسطاء في الأرياف فإن الحكومة لا تسفلت الطرق في المناطق الريفية). وفي بلدة صغيرة تقع جنوب الخرطوم سقط عامل بناء من على سقالة، وأصيب بكسور، فوضعه زملاؤه على سرير وساروا به صوب المستشفى حاملين السرير على أكتافهم، فرآهم بعض المارة وكعادة أهل السودان تطوعوا لحمل السرير لبعض الوقت – في السودان يتسابق الناس على حمل جثمان المتوفى كلما مرت بهم جنازة -..طبعا اعتقدوا ان المحمول على الآلة الحدباء ميت، ويبدو ان العامل المصاب أحس بالألم وأراد ان يشير الى من يحملونه بالتوقف قليلا أو السير بخطى بطيئة، فأنزل يده وربت على كتف أحد المتطوعين، وبداهة فقد أصيب الرجل بلوثة لانه حسب ان المتوفى نهض من مواته فافلت السرير من يده وسقط العامل أرضا فدقت عنقه فمات!

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة اله وبركاته
    العم ابو الجعافر حقا ما سا قوله لك
    في الاونه الاخير اصبحت اقرأ كإعادات لما تكتب مما يشعرني بالملل
    او ببعض الملل وال ( الاشياء التي ليس لها اي معنى) بمعنى انك اصبحت تكتب بالكبع الذي يصيبني بالغثيان
    كنت اضحك لما اقرأه منك
    ومؤخرا لست ابو الجعافر الذي احببت قراة كل ما يكتب

  2. لك التحيه استاذنا العزيز
    تعجبنى كثيرآ مقالاتك وأستمتع جدآ بقراتها فشكرى لك
    وربنا يديك العافيه .. لكن مرات كده بتخرمج