مبادرة اهل السودان وخارطة التحالفات القادمة ..صف وطني عريض ضد اصحاب الاحلام الخائبة
وامتصت البنوك الغربية والأمريكية أموال المضاربات في أندونيسيا وماليزيا وتايلاند وغيرها.. بضعة مئات المليارات من الدولارات.
سوق السلاح
وفي العام 1990م حينما تراكمت الأموال الخليجية في البنوك الأمريكية والغربية، تمت سرقة هذه الأموال وسحبها في مشروع حرب الخليج وتوجيه هذه الأموال في شراء السلاح «الكاسد» وقتها الذي تنتجه شركات السلاح الغربي.. الذي إن لم يتم تسويقه وتصريفه، كان سيؤدي الى كساد عالمي كبير وأزمة عطالة كبرى.. فأكبر إنتاج صناعي في الغرب هو إنتاج السلاح.. ولذلك لا عجب إن سمعنا عن الصفقات التجارية الضخمة كصفقة «اليمامة» وغيرها لتسويق السلاح.. وما ذلك إلا من أجل ضخ المال في شرايين الاقتصاد الغربي.. وقد رأينا كذلك كيف أن الحرب «العراقية- الايرانية» إنما تم النفخ فيها كحرب، لإيجاد سوق سلاح واحتواء إيران والعراق من أجل إمتصاص فوائضهما البترولية.. وكذلك جاءت حرب الخليج الثانية بدفع العراق دفعاً لغزو دولة الكويت الشقيقة.
وكذلك فإن الحكام الفاسدين والفساد كانا من أكبر المغذيات لشرايين الاقتصاد الغربي.. ويكفي أن «موبوتو سيسيكو» حينما مات خلف وراءه «5» مليارات دولار.. ذلك غير العشرات من المليارات التي أكلتها شركات النحاس والكوبالت والماس والذهب والأخشاب وغيرها.. وذات الشيء ينطبق على «سانو أوباتشا» ووزراء ماليته ووزراء الطاقة في نيجيريا.. وذات الشيء ينطبق على «عمر بونقو» في الغابون الذي يغذي الأحزاب السياسية والبنوك بأموال البترول الغابوني.. دعك عن الأموال المهربة من نيجيريا وكينيا.. وما الصراع ضد الرئيس «موغابي» إلا من هذا الباب.. وكيف سيصمد الاقتصاد الغربي إن لم يمتص دماء مزارعي «زيمبابوي» وجنوب إفريقيا.. ولذلك لا عجب إن كان صوت الأقليات البيضاء في جنوب افريقيا وزيمبابوي وكل باقي دول افريقيا الجنوبية مسموعاً ومؤثراً.. ولذلك لا يريدون «أمبيكي» ولا يريدون «موغابي» ولا يريدون «البشير» وأمثالهم من الرؤساء الذين لا يسمحون ولا يعطون الفرصة للإقتصاد الغربي بأن يمتص دماء بلادهم ويتغذى على أموال المستضعفين والكادحين من شعوبهم.
أنانية الغرب
ولكن لماذا تمتص شرايين الاقتصاد العالمي دماء المستضعفين والمحرومين والمنهكين وضحايا المجاعات والحروب المصنوعة صناعة.. وحتى الأموال التي تخصص للمجاعات والأوبئة ما هي إلا مجرد ستار لإيجاد فرص عمالة للإستخبارات وامتصاص العطالة الغربية.. حيث تذهب «90%» من التدفقات المالية للنفقات الإدارية، وتدوير المعونات لتعود وتصب في شرايين الاقتصاد الغربي.. وإلا فما جدوى نقل «القمح» و«الساردين» من أمريكا بالطائرات الى دارفور.. خصوصاً وأن هذا سيؤدي الى تغيير النمط الغذائي لدارفور.. علماً بأن أهل دارفور يعتمدون على الذرة والدخن في غذائهم.
وكان يمكن شراء ذلك من أسواق «الفاشر» و«الأبيض» بأطنان مضاعفة من الذي يأتي بالطائرات وهو الغذاء الذي يعرفه أهل غرب السودان.
ولكن ما هي بواعث الأزمة الحالية.. مبعثها الحقيقي «أنانية» الغرب ورفاهية المواطن الأمريكي.. وهذا ليس كلام صاحب القلم ولكنه كلام «بريجنسكي» المستشار السابق للرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» في حلقته الأخيرة بالتلفزيون البريطاني (B.B.C) في برنامج (Hard Talk) أو الكلام الناشف أو الصعب.. فحسب إفادات «بريجنسكي» أصبحت الحكومات والشركات الغربية ديدنها إرضاء المواطن الغربي وثقافته الاستهلاكية.. وأصبح ديدنها خلق جنة الله في الأرض.. لذا أصبح المواطن في الغرب تقدم له التسهيلات لحلحلة مشاكله كافة، بمنحه منزلاً أو شركة أو مصنعاً أو مزرعة وبدون ضمانات، لوفرة الودائع والسيولة التي تأتي من غسل الأموال والابتزاز وشركات السلاح وتجارة الحروب.. ويكفي ان ديون أمريكا بلغت ستمائة تريليون دولار.. وأن عجز ميزانياتها في السنة الحالية تجاوز «580» مليون دولار.
ولكنهم ما كانوا يدرون ان لكل سياسة حداً.. حتى عندما استدانوا المليارات من أموال المودعين في الرهن العقاري وخصوصاً بعد الحادي عشر من سبتمبر.. حيث ازدهرت الجاسوسية وتم ضخ مئات المليارات في شرايين الاقتصاد الأمريكي ولكن عجزت هذه المليارات عن تسديد ديونها بفعل «الربا» والأرباح المركبة.. «يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم» «البقرة: 276»، ولذلك لجأ الملايين من أصحاب هذه العقارات الى إعادة بيعها أو تركها، وأصبحت مجرد «أصول» للبنوك.. وعجزت البنوك عن بيعها أو التصرف فيها.. مما أدى الى انهيار هذه البنوك لأنها اعتمدت على الودائع وأموال الغير.. ثم جاء أصحاب الصناعات الذين أيضاً غشاهم الركود الاقتصادي نتيجة للمنافسة القوية من دول العالم الثالث الناهضة، خصوصاً صناعة النسيج الذي غزت بها الصين والنمور الآسيوية، العالم.. وكذلك لارتفاع أموال البترول.. لذلك أيضاً لجأت البنوك الغربية لاستغلال مدخرات الخليجيين وغيرهم، ثم أموال الشركات وودائعها.. ثم وجدت البنوك أخيراً نفسها عاجزة عن التغطية بعد ان تم أكل كل شيء.. وكما قلنا «يمحق الله الربا».. ولذلك بدأ الكلام عن نظام المشاركة.. والنظام الإسلامي لتدوير المال.. وزادت مبيعات كتاب كارل ماركس عن رأس المال في أوروبا.. ولم يبق في البنوك إلا أموال الحكومات المتراكمة.. وغداً ستأكلها البنوك أيضاً.. ولن يبقى مجال إلا إختلاق الحروب، أو دفعة استعمارية اخرى للسيطرة على موارد العالم.
فالأزمة الآن باتت «أزمة» بنيوية وهيكلية تتعذر معالجتها.
ونحن نحمد الله سبحانه وتعالى ان كانت آثار هذه الأزمة غير شديدة الوطأة على السودان إذ تنحصر في تدني أسعار البترول.. ولكننا نعتقد أيضاً بأنها يمكن ان تكون حميدة على الاقتصاد السوداني.. إذ نتوقع إنخفاضاً في أسعار الواردات من الحديد والأسمنت والمدخلات الزراعية وغيرها من الواردات.
عبقرية الرئيس
والسودان مقبل على مبادرات ومرحلة انتقالية.. ولذلك يجب أن ننتبه جيداً الى مغزى مبادرة أهل السودان، فبفضل عبقرية الرئيس البشير الذي نجح في ضم أهم صوت سياسي في إطار سوق المحاصصات والمزايدات والتحالفات السياسية بكسبه للسيد الإمام الصادق المهدي.. في وقت سعى الدكتور حسن الترابي حثيثاً لكسبه للإطاحة أو إعاقة حركة الحكومة.. والدكتور الترابي أصبح يصارع في عدة جبهات حتى ضد خليفة «ود الترابي».. وإلا فما جدوى صلاة الترابي التي أدت الى إنقسام أهالي قرية «ود الترابي» في الأعياد.. حيث يذهب الدكتور الى هناك لإقامة صلاة لا يحضرها أهل «ود الترابي»، وإنما يحضرها أهل الخرطوم من منسوبي المؤتمر الشعبي.. وصلاة العيد التي يتسابق اليها «الترابيون» محزنة ومضحكة في آن واحد.. لأنها عادت بأفكارهم التي كانت تريد «الترابي» مجدداً على مستوى العالم.. وتريد الترابي كقائد لحركة إسلامية.. وتريد الترابي ترابي السبعينات والثمانينات.. ولكنهم يختزلون الآن كل ذلك التاريخ ليصبح «الترابي» فقط «خميرة عكننة» في «قريته».. وأصبحوا يختزلون كل خبراته ليضعوها فقط لتدمير حكومة الإنقاذ.. وشق الصف الاسلامي.. ليبرز علينا الدكتور حسن الترابي مرة ليقول لنا إن الخطر آت هذه المرة من الغرب.. وبعد فترة يبرز ليقول إن الخطر آت هذه المرة من الشرق.
الترابي وجحر الضب
ويأسف المرء أن رجلاً في حجم الدكتور حسن الترابي بخبراته وقدراته ينقلب الآن على تاريخه وفتوحاته.. ولقد صدق السيد الصادق المهدي في كلمته حيث وصف الدكتور الترابي بأنه هو الذي أدخل هذه «المجموعات» في «جحر الضب».. والرئيس البشير يعمل الآن على توسيع هذا «الجحر» ليكون بحجم السودان.
وليكون بحجم خيارات السودان.. وبحجم تطلعات القوى الوطنية في السودان.. وليكون بحجم التنوع السكاني في السودان.. والدكتور حسن الترابي الذي يتحدث الآن بابتساماته وبحركاته الإيحائية بأن كل هذه الجهود وهذا الحشد السياسي من أجل رجل واحد.. يتناسى بأن مشاريع الحركة الاسلامية في العشرين سنة الأخيرة كانت كلها من أجله هو، وبأمره ومباركته.. فهو الذي اختار لوحده وبأمره ان يدخل «السجن حبيساً» حتى لا يُتهم بالمغامرة، ودفع آخرين على حمل رؤوسهم على أكفهم ليقود الرئيس البشير المغامرة.. وهو الذي أراد ان يكون المؤتمر الوطني له خالصاً ومخلصاً. كما يريد أن يكون له الآن المؤتمر الشعبي خالصاً ومخلصاً.. ولكن أن يتناسى الترابي ويقفز على الحقائق، فإن التاريخ لا ينسى.. ومهما يكن، فمن كان يحلم يوماً أن يجيء وقت يصبح فيه الدكتور حسن الترابي في صف محمد إبراهيم نقد.. وان يتحالف الشعبي مع الشيوعي؟؟
عبقرية علي عثمان
ولذلك نقول أيضاً ان مبادرة أهل السودان أبرزت عبقرية الاستاذ علي عثمان محمد طه وبعد نظره الذي ذهب ليؤمن مجيء وعودة كبير مساعدي رئيس الجمهورية «مني أركو مناوي» وأبعده عن معسكر التحالفات الدولية والإقليمية والمحلية ضد الإنقاذ.. وأبرز عبقرية الرئيس البشير ونائبه في تأمين مجيء النائب الأول سلفا كير كصمام أمان لمبادرة أهل السودان.. إذ اجتمع بعض رجاله من اليساريين والعابثين ضد المبادرة في دار الحركة الشعبية لتقرع «الأجراس» إعلانها أن ثلاثة وعشرين حزباً تقف ضد المبادرة، فأين هذه الأحزاب الآن؟
ميزانية دارفور
إذاً، المغزى السياسي أصبح واضحاً في هذه المبادرة، فهي مبادرة كبرى لحل مشكلة دارفور.. ولكن تهيئة ذلك يكون بإعادة تشكيل التحالفات استعداداً للمرحلة المقبلة.. صف وطني عريض بقيادة «البشير» و«سلفا كير» و«الصادق المهدي» و«الميرغني» و«مناوي» و«بونا ملوال» بحجم تمثيلهم الحزبي والجماهيري.. وكل ذلك مقابل صف آخر مناوىء بقيادة «الترابي» و«نقد» وبعض قادة الحركات المتمردة.. والمفاجآت قادمة.
وعلى الصف الوطني ان يقدم التنازلات المطلوبة لحل إشكال دارفور.. خصوصاً بعد أن أبرز الرئيس البشير في خطابه كل مقومات الحل.. فقد أمن تماماً بأنه ليس هناك حل عسكري لقضية دارفور.. وأن الحل سيتم بالحوار.. وأمن على أنه ليس هناك خط أحمر -بمعنى- انه ليس هناك سقف للحوار.. وأورد كذلك حديثه عن «كسر الجبر» وإعادة توطين النازحين وبسط الأمن ونزع السلاح وإقامة العدالة.
إذاً، ألقى الرئيس البشير بكل مقومات الحل الناجع أمام المؤتمرين.. وعلى أهل السودان الذين تحتضنهم «كنانة» الخير، ان يبادروا بتنزيل هذه المسألة في هيئة برنامج وطني ينعكس حتى على الميزانية القادمة التي ستعرض على البرلمان.. ولعل نجاح منتوج المؤتمرين يتلخص في الخروج بمحاور وتوصيات تمكن في أن تكون الميزانية القادمة ميزانية «دارفور».. ميزانية لتنمية دارفور.. وميزانية تغذية دارفور.. تكون فيها الأولوية لدارفور بعد أن يكون قد تم إكمال خزان مروي.. وتم إكمال الطرق العابرة في الشمالية وشرق السودان.. وتم إكمال الجسور في الخرطوم وعلى امتداد نهر النيل.. إذاً، المعركة القادمة هي معركة تنمية دارفور.. لذلك لابد ان يقود هذا التحالف.. -تحالف «أهل السودان» -معركة دارفور.. وبحل مشكلة دارفور تنفتح الطرق والمسارات أمام الانتخابات، وأمام المشروعية السياسية الجديدة، بعد ان رسم ملتقى أهل السودان خارطة مبكرة لصورة التحالفات القادمة.
على أسماعيل العتبانى :smc[/ALIGN]