تحقيقات وتقارير

الأحزاب والبحث عن تكتل جديد

[ALIGN=JUSTIFY] هل الانتخابات ضمانة للديمقراطية ؟ السؤال الذي طرحه مركز الدراسات السودانية تبارى مشاركون انتظموا في مائدة مستديرة للاجابة عليه مسلحين بتجربة ثرة في هذا المجال، فكان ان توصلوا لإجابات تجمع بين الشك واليقين بشأن العملية الإنتخابية القادمة والتي تم التشكيك في قيامها في ظل أوضاع متردية. ولكن يبدو _ كما سنرى _ أن المشاركين طرحوا سؤال المائدة جانبا.
يوسف صديق عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي كان له سبق المبادرة في الشروع في الإجابة داعيا في البدء الى تكتلات للمعارضة لتعمل من خلالها بصورة جيدة،ويبدو انه الامر الذي شرع فيه الحزب الشيوعي فعليا من خلال استضافته لعمل المعارضة من خلال _ كما رشح _ خلق استراتيجية جديدة للعمل المعارض ويبدو ان الحزب الشيوعي يسعى في هذا الاتجاه من العمل المعارض بغية تفعيله بعد سقوط الصيغ القديمة والتي كان للحزب صياغة وتنظيرا بل وتنظيما القدح المعلى في قيامها وعلى رأس تلك الصيغ التجمع الوطني الديمقراطي والذي لم تنعقد ورشة أو ورش تشبعه نقدا وتقييما . وبالعودة الى ماطرحه صديق يوسف على مائدة مركز الدراسات السودانية المستديرة فهو يرى ان التكتل يمكن المعارضة خاصة فيما يتعلق بالانتخابات تعديل مواد في قانون الإنتخابات عبر لقاءات بالبرلمانيين، مشيرا الى أن دورة البرلمان السابعة التي افتتحت أمس لم تدرج في جدول أعمالها تعديل قوانين ( الأمن الوطني، الصحافة، والنقابات) وهي التي تهيء مناخ الإنتخابات) غير ان صديق يوسف لم يفوت فرصة ان يوجه نيران حميدة صوب الاحزاب المتحالفة معه في هذا التكتل المنشود منبها الى قصور يعتري عمل هذه الاحزاب التي تعمل على صياغة برنامج للحد الأدنى للتحالف من أجل إسقاط مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة . ويرى يوسف ان اغلب هذه الاحزاب لم يعلن عن برامجه حتى الآن، ولم ينس طبعا أن يبرز جهد حزبه الشيوعي في هذا الاتجاه عندما اعلن ان حزبه قد فرغ من إعداد برنامجه. وأن الحزب يرفض تمويل حملته من الحكومة. الى ذلك قال يوسف إن الأحزاب المعارضة لا تملك صحفا باستثناء ( الميدان، رأي الشعب، وصوت الأمة)، منوها الى ضرورة أن تعتمد رقابة العملية الانتخابية على كوادر حزبية دون اشارة منه الى الجهد الذي بذل من حزبه او بقية الاحزاب المتحالفة معه جهة رفع الوعي بالعملية الانتخابية وغرسها في الكوادر الحزبية ونبه يوسف الى مشكلة ترتبط بالطعون في مراحل العملية الانتخابية، وأخرى في اعاقة قانون الأحزاب للأحزاب في ترشيح نفسها.
محاولة ذكية قامت بها هالة عبد الحليم زعيمة حركة حق للفت انظار المعارضة الى معركتها الرئيسية عندما اشارت الى ان الحكومة ساقت المعارضة الى ميدان قانون الاحزاب بينما المفترض ان المعركة الرئيسية للمعارضة تجرى في ميدان مقارعة ما أسمته بصلف السلطة منوها الى ان هذه هي رغبة الحكومة. وأضافت أن القانون بمفرده لن يقود لنتيجة، وأن المعركة الأساسية تتمثل في تكاتف الأحزاب للوقوف ضد « صلف السلطة». مشيرة الى وجود صعوبة في مخاطبة الناخبين، وعدم وجود ضمانات لحركتها خارج الخرطوم، ونبهت هالة الى نقطة في غاية الاهمية وهي ضرورة واهمية العمل وسط الجماهير وذلك عندما قالت إن الجماهير لن تشارك مالم تلمس وجود الأحزاب في الواقع المعاش مضيفة أن الأحزاب لديها برامج ولكنها في حاجة الى برامج تعبر عن الجماهير.ويبدو ان هالة قد وضعت يدها على الفريضة الغائبة في عمل الاحزاب ( المعارضة ) كذلك نبهت هالة الى مسألة اخرى لا تقل اهمية عن الاولى وهي مسألة التمويل والتي يراق على جوانبها هذه الايام مداد كثير وذلك عندما قالت ان التمويل يجب يعتمد فيه على موارد الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
الصحفي محمد لطيف قال ان البداية الحقيقية للإنتخابات كانت في العام 1998م وذلك بقبول المعارضة التفاوض مع الحزب الحاكم، مؤكدا عدم جاهزية الأحزاب للإنتخابات، وتساءل عن حركة الأحزاب هل هي في الاتجاه الصحيح أم الخاطئ؟ واعتبر أن الأحزاب مسؤولة عن تغييبها لنفسها، مشيرا الى أن مساحة الحريات المتوفرة حاليا ماهي الا منحة تتحكم فيها السلطة ومقيدة بسقف زمني محدد، مشيرا الى أن حراك السياسيين مرتبط -فقط- بالأحداث، وقال إن تصريحات الناطقين باسمها في الصحف ينظر لها أصحابها بأنها كل المطلوب دون أن يكون هناك فعل، وقال ان الجماهير تحتاج الى بديل مقنع، وأن اسقاط النظام الحاكم واحدة من عيوب تفكير الأحزاب المعارضة، واضاف أن المهمة الرئيسية لها هي تثقيف الناخب بتعقيدات النظام الإنتخابي الحالي، واعتبر التصويت للقائمة الحزبية شبه مستحيل لأن الشخصيات « الكاريزمية» لازالت موجودة في أذهان الناس.
وقال لطيف إن أخذ الأحزاب تمويلا من الحكومة لا يعد جريمة، وشبّه الصحافة الحزبية بالنشرات الداخلية للأحزاب، وأعتبر أن أي قانون جيد السبك قد لا يضمن سلامة الممارسة، وأن سقف طموحات الأحزاب متدني في اشارة الى قصره على اسقاط النظام. وعبر عن أمله بان تكون طموحات الاحزاب كبيرة، وخلص لطيف الى رأي شخصي مفاده «أن الإنتخابات لن تقوم … على الأقل في موعدها».
خالد عمر الامين العام للمؤتمر السوداني ركز في مشاركته على مسألة التقييم المتعلقة بالتجارب الديمقراطية السابقة وحسابات الفشل والنجاح عندما ذكر أن سؤال الندوة يصلح تعميمه وتخصيصه لاختبار التجارب الديمقراطية السابقة. وتفادي نفس الفشل ونفس الاجابات.ونبه عمر الى الوضع المعقد الذي على الاحزاب فهمه واستيعابه في اعقاب نيفاشا بقوله ان نيفاشا طرحت تحديات لم تمر من قبل بالاحزاب وتابع «لاهي في حالة نضال ضد ديكتاتورية، ولا هي في وضع ديمقراطية كاملة، لا هو حكم مكتمل الشرعية ولا ناقصها مما أخل بتوازن القوى»، ملفتا الانتباه الى أن شعار اسقاط النظام غير كاف لتوحيد القوى السياسية في الانتخابات وللخروج منها بمشروع دولة سودانية معافاة، مؤكدا أن التجربة القادمة تجيب عليه.
لافتا الانتباه مرة اخرى الى مسألة مهمة عندما قال إن المؤتمر الوطني من خلال قانون الأحزاب فرض عدم الاستثمار في شركات. الشيء الذي يجعل التمويل عائقا، بينما ستخلق ثروة المؤتمر الوطني غير المسبوقة فارقا مهولا.
الى ذلك شدد كمال عمر أمين الشؤون القانونية بالمؤتمر الشعبي على ضرورة قيام الإنتخابات، منبها على أن التحول القادم لايقبل بنزول الاحزاب بصورة تقليدية بل باحتشاد كل الاحزاب ضد المؤتمر الوطني متوقعا ممارسات فاسدة مثل شراء الذمم لصعوبة اثباته باثبات الاموال المدفوعة في الجانب الآخر مستبعدا التزوير.الى جانب ظهور برامج جهوية وقبلية، وخلص الى أن تجمع كل الاحزاب يسقط الوطني لينشئ حكومة قومية.
عدة وصفات يضعها مبارك الفاضل رئيس حزب الأمة – الإصلاح والتجديد ـ للقوى السياسية جهة المعارضة للاستعداد لمقبل الانتخابات عندما يدفع بحقيقة ان الانتخابات آلية لممارسة الديمقراطية، ويلاحظ ان الانظمة الشمولية درجت على اقامة انتخابات صورية. موضحا ان المعركة مع الانقاذ افضت الى ان تصفي الانقاذ نفسها من خلال توقيع نيفاشا والانتخابات. مما يتطلب انتهاز الفرصة لتنفيذ التعاقد لتصفية النظام. واعتبر أن هنالك خيارين للوضع بأن تسبق الإنتخابات اعادة هيكلة الدولة، والغاء القوانين المقيدة للحريات، وأن الخيار البديل لإلغاء القوانين المقيدة منها ان يتحول جهاز الامن الى مهمة جمع المعلومات.
داعيا الى رقابة دولية باعتبار أن اجهزة الدولة حزبية ولا تصلح. مناديا بأن تكون هذه الإنتخابات لاستعادة دولة الوطن وتنافس بين الشمولية وبين مستقبل جديد. وفي هذا الصدد يضع الفاضل يده على المسألة الاهم في داخل الحياة الحزبية وهي غياب الديمقراطية في مماسات الاحزاب الداخلية وذلك عندما طالب الفاضل بالديمقراطية داخل الاحزاب، ومؤكدا في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون التنافس الداخلي على اساس برامجي وعلى اساس الوعي بتركيبة المواطن السوداني.
وتناول الفاضل الازمات التي تواجه البلاد مثل أزمة دارفور والجنائية، وتعثر نيفاشا مؤكدا ان المخرج هو ان تجرى انتخابات حرة ونزيهة.
د. عطا البطحاني أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم اكد على اهمية التحالف الا انه تساءل عن رؤية المشاركين لشكل التحالف والجبهة الكبيرة لاسقاط الوطني، وعن مدى تأثير سقف الحريات في تشكيل التحالف ضد المؤتمر الوطني مع وضع اعتبار التجارب السابقة محذرا من أن الجبهة الإسلامية في انقلاب 89 قالت ان القوى السياسية تآلبت عليها، متسائلا : ما الذي يمنع الوطني ان يحس بمؤامرة للعزل، وبالتالي يستبق ذلك الاحساس بالمؤامرة باجراء مثلما حدث في التجربة الجزائرية ؟ وبحسب البطحاني فان الانتخابات القادمة تؤسس لحالة جديدة مشبها إياها بتجربة عام 1953م
سؤال المائدة المستديرة لمركز الدراسات السودانية ( هل الانتخابات ضمانة للديمقراطية ) يبدو انه لم يكن الشاغل لاذهان المشاركين ربما لأن هنالك شاغل اكثر الحاحا وهو بحسب مشاركة الحضور والذي يقف اغلبه جهة المعارضة البحث عن تحالف او تكتل للقوى السياسية المعارضة ليشكل مخرجا من الأزمة ونفضا لغبار الوهن والضعف الملازم لعمل المعارضة واحزابها ليكون عنوان المرحلة القادمة للمعارضة البحث عن استراتيجية جديدة للعمل المعارض عبر تكتل يتوافق على برنامج للحد الأدنى.
علاء الدين محمود :الصحافة [/ALIGN]