جعفر عباس

النجدة نحن رهائن

النجدة نحن رهائن

سافرت خادمتنا إلى أهلها في إجازة منذ أسبوع، وقد تعهدت بالعودة في تاريخ معلوم، ولكن كل من استعان بخادمة آسيوية يعرف أنهن يكذبن في ما يستأهل ولا يستأهل، واعتقد ان الآسيويات يهاجرن الى الدول العربية وعقولهن محشوة بمفاهيم عجيبة، مثل توقع المعاملة القاسية وضرورة استدرار العطف (بالزعم أن لديها طفلا معاقا مثلا أو أن الزوج سكير وقاس)، وبالطبع فهناك حالات كثيرة تعرضت فيها الخادمات الآسيويات لعذاب جسدي بشع في العديد من الدول العربية،.. المهم انه منذ سفر خادمتنا وعائلتي تعيش في حالة تأهب قصوى، ليس بمعنى أن أفرادها شمروا عن سواعد الجد وصاروا يخدمون أنفسهم بأنفسهم، بل بمعنى أنهم اخذوا احتياطات كي لا يتحملوا أي أعباء.. امتلأ البيت بالأكواب والصحون والأطباق الورقية والملاعق البلاستيكية، لتفادي غسل آنية الطعام،.. كنت قبل ان تستوجب أوضاعي العائلية الاستعانة بخادمة، وعندما تسافر زوجتي الى السودان وتتركني في هذه المدينة الخليجية او تلك، اطلب منها ان تملأ الثلاجة والفريزر بمختلف الطبخات، ثم أقوم بتسخين الطعام في أي وعاء صغير مسطح، وأتناوله فيه بدلا من وضعه في صحن تفاديا لغسل الصحن، بل كنت في غالب الأحوال اكتفي بالبيض المسلوق مع الجبن الأبيض والطماطم.

في كل مرة تسافر فيها خادمة، اكتشف الى أي مدى صرنا رهائن في أيدي عاملات المنازل،.. العيال لا يمانعون في اكل الجبن ليل نهار مقابل تفادي إشعال أي نار،.. و«يا بنت شغلي الغسالة» فيأتيك الرد «منين يا حسرة.. مفيش كتالوج ومش مستعدة أجازف بتشغيلها وتخرب وتبوظ وانت تمد بوزك».. وقد يستيقظ ضمير احد العيال فيقوم باستخدام المكنسة الكهربائية لتنظيف البيت، وتطالبه بعد ايام بمعاودة التنظيف فيقول: منين يا حسرة.. الكيس مليان ومش عارف أطلعه وأفرغه.. كنت في ما مضى كلما سافرت خادمة تعمل عندي وتنهار الخدمات المنزلية اقول: هذا هو اللي طلعنا به من العيش في الخليج.. عيال يعتمدون على الخادمة في كل شيء، ولكنني لاحظت في السنوات الأخيرة أنه ما من بيت في الخرطوم إلا وفيه خادمة.
ولا أتحسر على أيام صبانا وشبابنا، فما من شخص من ابناء جيلي في السودان إلا ولديه بعض مهارات الطبخ، ويجيد غسل الملابس بيديه، ويستخدم المكواة باحتراف، وكان من المألوف جدا ان تجد الواحد منا ممسكا بالإبرة وهو يخيط أو يرقع ثقبا في ملابسه، ويا ويلك لو قلت لأحد عيالك هذه الأيام إن بإمكانه أن يعطي قميصه المثقوب الذي اشتراه قبل شهر للخادمة لرتقه (لاحظ أن الخادمة هي من ستقوم بالرتق والترقيع).. سينظر إليك وكأنما بك مس من جنون وقد يسألك باستنكار: هل تريد مني «أنا» أن استخدم قميصا تعرض للثقب؟.. يا حبيبي ده خرم بسيط ويمكن يتعالج!! أنت جاد يا بابا؟ أنا استحي أتبرع بهذا القميص حتى لمشروع كافل اليتيم.

ونتعاتب أنا وزوجتي كثيرا لأننا لم نُكسب عيالنا المهارات المنزلية الأساسية ثم نتذكر أننا علمناهم تلك المهارات، ولكن لم تطرأ ظروف ليستخدموها، فهم كانوا يعودون من مدارسهم فيجدون الطعام جاهزا ويستيقظون في الصباح ويجدون ملابسهم نظيفة ومكوية، وبالتالي فقدوا تلك المهارات أو صاروا غير مستعدين نفسيا لممارستها.. المهم يا جماعة، الحال من بعضه، وعيالي ليسوا خائبين فهم يدرسون أو يعملون، ولكن الخيبة وبائية لأنها أصابت المجتمع بأكمله.. حتى نحن أبناء وبنات الجيل الذي كان يصلح السرير المكسور، ويوقد النار بورق الجرائد صرنا «بايظين»، ونحس بالضياع في غياب الخادمات.. وبالمقابل في المجتمعات الصناعية المتقدمة حيث يعمل الزوجان 12 ساعة يوميا كلمة خادمة غير موجودة في قواميسهم.. وأس مصائبنا أننا نحتقر العمل اليدوي وبالتالي بتنا عاجزين حتى عن خدمة أنفسنا.. بلاش فلسفة: حلوا لي مشكلة عدم وجود خادمة في بيتي ثم نناقش مشاكلنا الاجتماعية.

[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. [FONT=Simplified Arabic][RIGHT][SIZE=5]الاستاذ جعفر يديك العافية
    قصة الخادمة وارتهان الاسرة لديها اصبح يتفاقم ويتزايد من يوم ليوم واصبحت الخادمة شرط من شروط الزواج في اغلب الاحيان .. انا خايف تبقى مع الشيلة قريب .. لانه نحن اناس ناتي بالعجائب ورأسنا وجيبنا فارغ فنبتكر تقليعة تذهل العالم من وقت لاخر ..
    يتزوج حسن ويأخذ عروسته لمكان عمله تصل العروس وفي الايام الاولى تعتمد على حسن وهو داخل ومعاه الدليفري بيتزا وسندوتشات والمساء عشاء برا بعد فترة يجد حسن انه اصبح مدمن على المطاعم ,, بحجة ان المدام بتتوحم وماقادرة تعمل اكل .. تمر الشهور وحسن شايل كيس اكل طالع وزبالة نازل يستمر الحال حتى يكبر الولد المسكوا بيه حسن من ايده البتوجعه وواصل في احضار الاكل يكبر الولد يدخل المدرسة حسن يطلب من المدام ان تعمل ليه اكلة بلدية .. ويكة مع قراصة ولا ملاح اخضر ولا حتى الملوحة العفنة دي .. يكتشف ان المدام عمرها ما قطعت بصلة ولا دخلت (دونكة) يا للمصيبة كيف حاعلمها دي ويستحي حسن ان يعزم العزابة لانه المدام ما بتعرف تطبخ ..
    الحال هكذا من غير خدامة بنات المغتربين لايعرفن غير غسيل العدة ويتأففن من غسيل الحمام ولا يعرفن كيّ ملابسهن حتى !! بل كل العمل تقوم به الام .. وكان هذا الامر كثيرا ما يقودنا لنقاش حار مع ام العيال لاني دائما اجدها اما في المطبخ او عند الغسالة او تغسل في الحمامات الله يكرمك ..واتأسف واقول لها انتي بعدين البنت مين حيخدمها تقول لي طيب اعمل ليها شنو ؟؟
    لكن يا شيخ جعفر انهزمت تراجعت واقررت بالهزيمة وزال الخوف حين وجدت الاولاد ذاتهم ما حيعرفوا انواع من الاكل عشان يطلبوها من زوجاتهم كله ديلفري ولذلك اطمئن يا اخي ؟؟[/RIGHT][/SIZE][/FONT]