تحقيقات وتقارير
جدل حول مقترح إلغاء امتحان أطباء الأمتياز!!
الطب.. مهنة الانسانية
تتميز مهنة الطب بخصوصية قلّ ما توجد في مهنة أخرى، فالطب بمختلف أقسامه هو مهمة إنسانية سامية ورفيعة تتعامل مع أرقي مخلوقات الله، وتتطلب هذه المهنة دراية تامة وإلتزاماً خاصاً، وأمانة خالصة، وعملاً دوؤباً متواصلا ليلا ونهارا، ولعل هذه المهنة هي الوحيدة التي كان لها منذ فجر التاريخ آداب وقسم يؤديه الاطباء قبل أن يؤذن لهم بعلاج المرضى، ويختلف تنظيم مهنة الطب من دولة لاخرى، ففي بعض الدول يُترك أمر تنظيم المهنة لوزارة الصحة فى الدولة المعنية، وفي بعضها تقوم نقابة أو اتحاد الاطباء بمهمة تنظيم وتسجيل العاملين بالمهنة، بينما تقوم الوزارة بالجانب التشريعي والرقابي، وفي دول أخرى يوجد مجلس أعلى مهمته تنظيم المهنة، فيما تختص النقابة بوضع اللوائح الداخلية لعمل الاطباء، وسن شرائع التنظيم الاداري والنقابي والاجتماعي.
مهام المجلس الطبي
وفي السودان فمن واجبات المجلس الطبي حسب قانونه المعمول به منذ سنة 1973 فمن واجبات المجلس واختصاصه إنشاء سجل دائم لقيد أسماء الأطباء وأطباء الأسنان والصيدلة، والمحافظة على مستوى مناسب للامتحانات التى تعقد لطالبي القيد بالسجل، والتعاون مع كليات الطب المختلفة بالسودان، والتأكد من أن المناهج التي تُدرس بتلك الكليات ومستوى التدريس، وأن الامتحانات التي تعقد للطلاب تفي بالغرض المطلوب لاعداد الأطباء.
إذاً دور المجلس الطبي يتعدي تنظيم مهنة الطب ومنح الأطباء صلاحية ممارسة المهنة.. الى الوقوف على الوضع الاكاديمي لكليات الطب بالبلاد، ومراقبة دورها التعليمي، وإعداد تقارير دورية عن ذلك، وتقديمها للجهات المختصة.
يقول الناطق باسم المجلس الطبي عصمت العوض إبراهيم إن من واجبات ومهام المجلس هي إعتماد وتقويم كليات الطب عبر لجنة الإعتماد، والتى تشرف على مجمل عملية التعليم الطبى بالبلاد، وتضم فى اللجنة ممثلين لكل الجهات ذات الصلة بالحقل الطبى والتعليم العالى ومنظمة الصحة العالمية ، ويشير عصمت العوض أن لجنة الإعتماد باشرت عملها مؤخرا بالطواف على كليات الطب بالسودان لجمع الوثائق اللازمة لعملية التقويم، ومن ثم كتابة التقارير للمجلس الطبى ليتخذ بصددها الإجراء المناسب، إما بالإعتماد أو إخضاع الكلية لعملية تقويم تهدف إلى إستيفاء ضوابط وشروط التعليم الطبي.
كما يختص المجلس الطبي بالمحافظة على مستوى يليق بآداب المهنة، والأمر بشطب اسم أي طبيب من السجل في حالات وفاة الطبيب أو التوقف عن ممارسة المهنة، أو إذا أُدين أمام أي محكمة جنائية في جريمة يري المجلس ان ارتكابها لا يليق بالمستوى الاخلاقي للمهنة، ويخضع كذلك الطبيب لشروط المجلس المتعلقة بالتأهيل والمستوى الأكاديمي، بعد أدائه للقسم أمام رئيس المجلس الطبي.
ويعد المجلس سجلا بأسماء الاطباء الممارسين للمهنة بالسودان وتسجيلهم، ويقوم المجلس بطباعته ونشره كل ثلاث سنوات، ويجوز له معاقبة اى طبيب يمارس مهنة الطب دون تسجيله بالسجل الطبي، او التزوير فى مستندات التسجيل.
وكان المجلس الطبي قد اتخذ إجراءات عقابية شهيرة خلال العام الجاري في مواجهة (24) من الأطباء بينهم أخصائيون، وشملت العقوبات لفت نظر، والشطب من السجل، والايقاف النهائي عن العمل، وجاءت تلك العقوبات بعد شكاوى تقدم بها مواطنون بحدوث أخطاء طبية لهم ولذويهم بالمستشفيات الحكومية والخاصة، وكشف تقرير صادر عن لجنة الشكاوي بالمجلس الطبي في 26 يوليو الماضي أن العقوبات تراوحت ما بين الفصل النهائي والايقاف عن ممارسة المهنة لفترات عام، وتسعة أشهر وآخرين لمدة 6 أشهر، والزام عدد من المستشفيات بدفع الغرامة المالية للمتضررين، وأشار التقرير الى أن معظم الشكاوي التى وردت للمجلس ناتجة عن الاهمال والتقصير من جانب الأطباء.
وأوقف المجلس الطبي في يناير 2006 إجراء عمليات ختان الإناث بالمستشفيات والمراكز، وأصدر المجلس وقتها بيانا طلب بموجبه من جميع المراكز الصحية عدم إجراء عمليات ختان الإناث سداً للذرائع وقفلاً لأبواب تؤدي إلى مضاعفات مثل التتنوس والنزيف، ولفت المجلس إلى أن معظم حالات ختان الإناث لا تتم بواسطة الأطباء، وقال الأمين العام للمجلس الدكتور إمام صديق أنه تم تعميم هذه الضوابط الجديدة على الجهات الرسمية والمستشفيات بغرض تبصير المواطنين بحقوقهم.
والمجلس الطبي تقليد مؤسسي متعارف عليه في كل دول العالم وان كان بمسميات مختلفة، ولكن تبقى المهام والوظائف واحدة وهي تنظيم وترقية مهنة الطب باقسامه المختلفة.
وفي كثير من الدول العربية يترك لنقابة الاطباء أمر تسجيل الاطباء ومنحهم تراخيص العمل والاجازة لممارسة المهنة، ولا يجوز الدخول في عالم مهنة الطب إلا بتصريح من النقابة، بعد أداء القسم شفاهةً أو كتابةً، وفي بعض الدول تقوم وزارة الصحة بتسجيل الاطباء بسجلات ممارسة المهنة بعد استيفاء الشروط القانونية لهم، كما تعتمد بعض الدول الغربية على لائحة ميثاق شرف مهنة الطب عند البدء بالعمل في الإمتياز قبل التخرج مهنياً، دون الجلوس لامتحانات تحريرية أوشفهية.
وفي السودان يقوم المجلس الطبي بتنظيم الالتحاق بمهنة الطب باقسامه المختلفة بعد جلوس طبيب الامتياز للامتحان، وهو بمثابة معادلة لدخول الحقل الطبي، مثلها مثل الامتحانات التي يجلس لها خريجو كليات القانون للالتحاق بمهنة المحاماة، أو خريجي كليات الاعلام عند العمل بمهنة الصحافة، لكن تتميز امتحانات الأطباء بأن الطالب بعد أن يتخرج من كلية الطب يخضع لفترة عمل الزامية (الامتياز) فى المستشفيات يعمل فيها تحت اشراف طبيب أخصائي ووفق شروط المستشفى ووزارة الصحة، ويخير الاطباء بين العمل في مستشفيات العاصمة أو الاقاليم.
مهام الوزارة
وحسبما جاء بالمرسوم الجمهوري رقم 34 لسنة 2005م والخاص بتحديد الأجهزة الرئاسية والتنفيذية والقومية واختصاصاتها ووحداتها ولجانها، في الفقرة رقم (21)، فإن وزارة الصحة تختص بوضع السياسات العامة في مجال الطب الوقائي والعلاجي والاجتماعي واقتراح التشريعات الصحية القومية بالتعاون مع الأجهزة المختصة، ووضع السياسات الدوائية القومية تصنيعاً واستيراداً والرقابة على تداول واستهلاك الأدوية والعقاقير والسموم والمواد المخدرة بالتعاون مع الأجهزة المختصة، والإشراف على البحوث الطبية التي تجرى على الانسان والتأكد من اتفاقها مع أخلاق المهنة وقيم وتقاليد وموروثات المجتمع السوداني بالتنسيق مع الجهات المعنية.
كما تختص الوزارة بوضع المستويات والمواصفات للخدمات الصحية بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى، ومراقبة ورصد الأمراض الوبائية والعمل على منع انتشارها ومكافحتها واستئصالها ووضع اللوائح واجراءات الحجز الصحي والقيام بإدارة المحاجر القومية بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى، وللوزارة جانب اختصاصي آخر يهتم بوضع نظام الإحصاء الصحي والحيوي القومي، الإشراف على توفير حاجة البلاد من الأدوية والمعدات والموارد الطبية.
وفيما سبق يتضح أن ليست للوزارة أي دور في تنظيم مهنة الطب، أو اخضاع الاطباء لامتحانات، فقط من صلاحيات الوزارة (اقتراح التشريعات الصحية القومية بالتعاون مع الأجهزة المختصة) مثل المجلس الطبي أو مجلس التخصصات الطبية، وغيرها من المؤسسات الأخري التى لا تتبع للوزارة.
وفي الهيكل التنظيمي والوظيفي لوزارة الصحة الاتحادية المجاز وفق قرار مجلس الوزراء بتاريخ 11 سبتمبر 2007 رقم (255)، فإن كلمة أطباء لم تذكر إلا تحت قسم ادارة التدريب والموارد البشرية، وليس هناك اشارة الى دور للوزارة في تنظيم المهنة، لكن لوزارة الصحة عضوية بالمجلس الطبي، اضافة الى خمسة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية، وممثل لنقابة الأطباء (الاتحاد)، وممثلين لكليات الطب والصيدلة والاسنان.
ويرى دكتور أحمد عبد العظيم وهو طبيب عمومي أن تنظيم مهنة الطب ووضع الشروط المناسبة لعمل الاطباء هو من أولويات المجلس الطبي ونقابة الاطباء معا، لكن غياب النقابة كجسم شرعي للأطباء أسهم في تدني الواقع الصحي والأداء المهني، وتدهور الوضع الاجتماعي والمهني للطبيب، وأشار عبدالعظيم الى الدور الكبير للنقابة في ترقية بيئة المهنة وتوفير فرص التدريب لأطباء الامتياز، والاهتمام بقضايا الطب دون الالتفات الى القضايا السياسية.
ويقترح أحمد زيادة سنين فترة الامتياز والغاء الامتحان، اخضاع الاطباء الى امتحان تقييمي خلال فترة الامتياز لكن تحت اشراف المجلس الطبي.
ويشير دكتور محمد أبوقرون الى الدور الكبير لوزارة الصحة المتمثل في تدريب الأطباء وابتعاثهم للخارج في ظل تعدد كليات الطب وانتشارها في السودان، ففي السابق كانت هناك ثلاث كليات لتدريس الطب فقط، وكانت المناهج محصورة ومحددة، اما الآن فتعدد الكليات جعل من الصعوبة الاشارة الي مستوي تعليمي واحد، لذا فمن الضرورى أن يجلس الطبيب لامتحان تقدير مستوى قومي.
الامتحان في موعده!
آخر دورة لامتحان أطباء الامتياز أقامها المجلس كانت في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي، على أن تعقد الدورة القادمة في 24 أكتوبر الحالي، وهي التى تمسك المجلس باقامتها في تاريخها المحدد.
يقول منسق الامتحانات بالمجلس الطبي البروفيسر عمر عبد القادر إن الدورة الماضية جلس لها 140 طبيبا، مشيرا الى أن الامتحانات التي أُقرت منذ 2000م هدفها هو التأكد من تأهيل الأطباء لممارسة المهنة بالكفاءة المطلوبة، وبالطريقة التي لاتشكل خطورة على حياة المريض، مؤكدا أن مهمة المجلس الطبي الأساسية حماية المرضى والمجتمع وترقية المهنة والمحافظة على المستوى والأطباء باقسامهم المختلفة (الأسنان، البشري، الصيادلة)، الأمر الذي حتم على المجلس إيجاد طريقة يضمن بها تأهيل الأطباء لممارسة المهنة بعد إنتهاء فترة الإمتياز بعد ذلك يمكن له التسجيل كطبيب عمومي يحق له ممارسة المهنة بمفرده وعلى مسؤوليته.
ووفقا لمنسق الامتحانات فإن المواد التي يجلس لها أطباء الامتياز تشتمل علي أقسام الباطنية، الجراحة، النساء والتوليد، الأطفال موكداً أن متابعة أطباء الامتياز تبدأ من ادراة متخصصة بوزارة الصحة الإتحادية وهي المناط بها التوزيع، ومن ثم يعمل الطبيب في الأقسام الرئيسية تحت اشراف طبيب اختصاصي، وفي كل فترة يتم كتابة تقرير عن أدائه مبينا أن نجاحه في فترة التدريب يؤهله للجلوس الامتحانات، مشيرا الى أن الامتحان يخلو من استخدام الورق وهي طريقة متقدمة ومتبعة في كثير البلاد المتقدمة.
ويشير بروف عمر إلى أن الامتحان يتكون من 200 سؤال، وبه خيارات، وذكر المنسق أن للممتحن أربع فرص بالتسلسل للجلوس في حالة الرسوب في تخصص معين، مؤكدا تنظيم الامتحانات كل أربعة أسابيع لذا سيكون الامتحان القادم يوم 24 أكتوبر الجاري، مشيرا لجلوس أكثر من (10) الأف طبيب منذ العام 2000م، وثلاثة آلاف طبيب بعد تطبيق النظام الجديد، وكشف عن وجود فيديو كليب لامتحان المهارات، وقال ان المجلس يقوم بعمليات تحليل وتحديد مستويات الأطباء والمشاكل التي تواجه الكليات والجامعات في التخصصات المختلفة، مبينا أن نجاح الأطباء الذين تخرجوا من جامعات سودانية أفضل من خريجي نظرائهم الذين درسوا خارج البلاد، موضحاً أن الفارق لا يعني تدني تلك الجامعات.
وتباينت معظم أراء الأطباء وأطباء الامتياز الذين استطلعناهم حول الغاء أو اقامة امتحان المهنة، بيد أن أغلبهم اتفق على أن المجلس الطبي لن يتنازل عن ضرورة إجراء الامتحان، فيما لن تتنازل الوزارة عن مقترحها بالغاء الامتحان، ما قد ينبئ بنذر أزمة في الأفق بين الوزارة والمجلس.
محمد كشان :الاحداث [/ALIGN]