جعفر عباس
النطنطة بحثا عن الانتشار
وعدت الى قطر لأعمل مجددا في شركة الاتصالات (كيوتل) وواصلت الكتابة في مجلة المجلة، وكانت فيها مناكفات شائقة بيني وبين الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي والكاتبة السعودية المبدعة لطيفة الشعلان، وفور عودتي الى قطر اتصل بي الصديق احمد علي رئيس تحرير جريدة الوطن، وفاجأني بطلب غريب: تكتب عندنا مقالا يوميا!! شنو؟ مقال يومي؟ هل تحسبني ماكينة فشار تضغط عليها فتعطيك الناتج المطلوب.. لا يا عمي.. بالكتير مقالين في الأسبوع.. ولكن احمد علي “رأسه ناشف” وعنيد، وقال: بل تستطيع كتابة مقال يومي واللي يكتبوا مقالات يومية مو أحسن ولا أفضل منك، وتوصلنا الى حل وسط: أخوض تجربة الكتابة اليومية شهرا واحدا ولو سلكت الأمور، أواصل، وكنت متأكدا من أنني لن “أواصل” فقد كانت ثقتي بقدراتي ضعيفة ومهزوزة، وأخذت إجازة من العمل شهرا كي يتسنى لي كتابة مقال يومي لمدة شهر، وبعد انتهاء الشهر عدت الى أحمد علي وقلت له: إنني لا استطيع الاستمرار في كتابة المقال اليومي، فأقنعني بالاستمرار في الكتابة اليومية شهرا آخر “وبعدها لو “عجزت” نخليها نصف أسبوعية”.. ومضى الشهر الثاني والعاشر ثم مر العام العاشر وما زلت أمارس الكتابة اليومية.
وجاء على رأس مجلة المجلة رئيس تحرير موسوس، ولم استطع الاستمرار في الكتابة فيها، ثم تلقيت اتصالا من شخص قال إن اسمه “قينان” من أبها في السعودية، وتوجست من اسمه لأنني لم اسمع عن شخص اسمه “قين” فما بالك بـ”قينان”!! المهم كان الرجل قد كلف بإصدار صحيفة سعودية جديدة اسمها الوطن وطلب مني كتابة مقال يومي فيها، وتحت إلحاحه قبلت، وخاصة أنني اكتشفت من محادثاتي معه أنه عدة قينات وليس مجرد قينان، وثبت لاحقا وبالتجربة انه صحفي متمرس وشاطر وذكي و”إنسان”.. وعلى مدى أكثر من 2000 يوم متتالية لم يختف اسمي وعمودي “زاوية منفرجة” عن صحيفة الوطن ولو ليوم واحد، وكانت هي المطبوعة التي أوصلتني الى مئات الآلاف من القراء في السعودية وربطتني بصداقات قوية مع العديد من السعوديين.
وانتقال الكاتب من صحيفة إلى أخرى لا يعني أنه يفتقر الى الولاء، بل هناك اعتبارات نفسية، أو حساسيات مهنية (متفشية وبائيا في الوسط الإعلامي عموما) تجعل الكاتب مثل لاعب الكرة يفضل الانتقال الى الجهة التي قد يجد فيها مناخا نفسيا، وعائدا ماليا أفضل.. ولا استطيع حصر كم من المال كسبت من وراء كتابة المقال الصحفي، ولكنني استطيع ان امضي شهورا وأنا أحصي المكاسب المعنوية التي خرجت بها من هذه التجربة وعلى رأسها “حب الناس”.. طبعا هناك من لا يطيقون رؤية اسمي، ولكنني لست معنيا بهم، بل معني وسعيد بأن هناك من يجدون في ما أكتب تنفيسا لما يغلي ويعتمل في صدورهم.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com