بيانات ووثائق
نص كلمة رئيس الجمهورية أمام مجلس جامعة الدول العربية
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) صدق الله العظيم
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
صاحب الفخامة الرئيس جلال طالباني
أصحاب الفخامة
الأخ/ الكريم نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية
الإخوة والأخوات.. الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
اسمحوا لي في البدء أن أُحيي عراق الصمود والعراقة الذي يسّر لنا بعون الله عقد هذه القمة العربية في هذا الظرف الدقيق من تاريخ أمتنا العربية، وان أُحيي أخي الرئيس جلال طالباني وحكومة وشعب العراق الشقيق على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة على ما بذلوه من جهدٍ مقدرٍ من أجل إنجاح عقد هذه القمة في العاصمة العربية الأصيلة بغداد، كما أرحب بأخي نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وهو يشهد أول قمة عربية بعد توليه منصبه، أُحيي جهود الأمانة العامة لجامعة الدول العربية للإعداد الجيِّد لأعمال القمة، وأتمنى للرئاسة الجديدة لهذه القمة التوفيق في قيادة أعمالنا ودفّة العمل العربي في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الأمة العربية .
أصحاب السمو والفخامة
الإخوة رؤساء وفود الدول العربية الشقيقة
لنجعل من هذه القمة قمة للعراق نقف فيها بجانبه ليحقق انسجامه الداخلي وهو يواجه تحديات بناء الدولة العراقية ليعود مهد الحضارات لموقعه الطبيعي الرائد، ويَتمكّن من قيادة مسيرة العمل العربي الموحّد ونشد من أزره وهو يتسلم اليوم رئاسة هذه الدورة في المنعطف الخطير الذي تعيشه أمتنا وشعوبنا العربية.
إن القضية الصومالية تستحق أن نفرد لها في هذه القمة حيِّزاً مقدراً لنؤكد بالقول والفعل الدعم لرفع المعاناة التي استطالت عن شعب الصومال وإغاثته من وعثة قلة الغذاء واستمرار النزاعات والفتن، ونبذل الجهود لتمكين أسباب المصالحة وتقديم المساندة العاجلة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتقوية أجهزته العسكرية والأمنية الوطنية لاستتباب الأمن والاستقرار وتوفير الظروف المواتية لتقديم الخدمات الأساسية للشعب الصومالي ومساعدته في إنهاء الفترة الإنتقالية هذا العام بنجاح وفقاً لما جاء في اتفاق كمبالا حتى تعود الأوضاع إلى الإستقرار ويتم سَد المنافذ أمام التدخل الأجنبي.
أما بشأن تعزيز الجهود العربية لمكافحة الإرهاب فقد نبهنا دائماً الى ضرورة الوصول لتعريف متفق عليه للإرهاب يفرق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الإحتلال ورفض إرهاب الدول ذات البأس على الشعوب المستضعفة ومحاولات الخلط المقصودة بين الإرهاب وديننا الإسلامي الحنيف الذي يعلي قيم الخير والتسامح ويدعو للوسطية ونبذ العنف والتطرف. فالإرهاب ظاهرة إجرامية ليس لها دين ولا وطن، ولا بد أن تتضافر جهودنا مجتمعين لقطع دابره ومعالجة أسبابه من جذورها والقضاء على العوامل الفاعلة في إذكائه.
أصحاب السمو والفخامة
الإخوة رؤساء وفود الدول العربية الشقيقة
إنّنا نساند المساعي العربية الجارية بكل عزمٍ لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، ونتابع التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر 2012م حول إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، فإنّ إخلاء هذه المنطقة المستهدفة من السلاح النووي يرتبط ارتباطا وثيقاً بوجود آلية تحدد التزامات الأطراف كافة في المنطقة، نعتبر التبرير لامتلاك دولة كإسرائيل للسلاح النووي بأنّه يمثل ضمانة لأمنها هو في حد ذاته دعوة للدول الأخرى لتبني ذات المنطق مما يفتح الباب أمام تسابق لتسلح نووي لا نهاية له في المنطقة، ويجب علينا أن نعلن بوضوح من خلال قمتنا هذه أن إفشال هذا المؤتمر المرتقب سيدعونا لتبني خيارات أخرى لتحقيق الأمن والطمأنينة لشعوبنا .
أصحاب السمو والفخامة
الإخوة رؤساء وفود الدول العربية الشقيقة
إنّ التطورات الجارية على الساحة العربية منذ عام ونيف قد أحدثت تغييرات عميقة في البنية السياسية والاجتماعية في الوطن العربي، وفي هذا السياق لابد لنا من تحية شعب مصر الشقيقة وثورته الفتية التي اختطت له طريق الحرية والتأسيس لحكمٍ رشيدٍ وفق خيارات الشعب المصري. وتابعنا مجريات ثورة الشعب التونسي الباكرة، التي أفضت بحكمة الشعب وقيادته إلى إقامة نظام يحقق الحرية ويقيم مؤسسات دستورية منتخبة، وشهدنا الأحداث الجسام بالشقيقة ليبيا وانتصار شعبها على الطغيان والجهود الجارية حاليا للتغلب على مصاعب تحديات بناء الدولة الليبية التي قضى عليها النظام البائد. وشاركنا منذ أيام قلائل في المؤتمر الإقليمي حول أمن الحدود بطرابلس الذي جاءت فكرته بمُبادرة سُودانية لمحاربة انفلات الأوضاع وتسرب السلاح والجريمة المنظمة عبر الحدود. وشهدنا تطورات الأوضاع في اليمن الشقيق والعمل الكبير الذي بُذل في إطار المبادرة الخليجية بعودة الوفاق وإجراء انتخابات الرئاسة التي جرت بسلاسة ووفاق وتوجت بتولي الأخ الكريم عبد ربه منصور هادي رئاسة الجمهورية في اليمن الذي يعود سعيداً وآمناً بإذن الله .
كما نتابع عن كثبٍ تطورات الأوضاع المأسوية في سوريا، ونعمل معكم لبذل جهد خالص في إطار المبادرة العربية يحفظ أمن واستقرار سوريا ويُجنِّبها وشعبها الأبي مخاطر التدخل الأجنبي، ونسعى لتوحيد مساعينا لإيجاد حل سلمي يحفظ وحدة سوريا ويحقن دماء أبنائها .
وبصفة عامة نحن على قناعة بأنّ أوضاع الحراك الراهنة على الساحة العربية تتطلب منا إعمال الحكمة وحُسن القيادة لترسو سفينة العرب في بر الأمان ويتحقق الاستقرار والسلام لأمتنا العربية، وأن الظرف الدقيق الذي تمر به أمتنا العربية يحتم علينا الإسراع في تنفيذ برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتلبية طموحات شعوبنا في الحرية والعدالة والتنمية الشاملة وتعود دولنا بقوة إلى العمل المشترك لتنمية ثرواتنا الهائلة لمصلحة شعوبنا وعزّتها وكرامتها.
أصحاب السمو والفخامة
الإخوة رؤساء وفود الدول العربية الشقيقية
ستظل القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، ومن هذا المنبر يجدد السودان موقفه الثابت مع حق الشعب الفلسطيني في إزالة الاحتلال وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، ومع الإجماع العربي بعروبة القدس وحرمة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ويدعو السودان للوقوف بصلابة ضد مُحاولات الصهاينة الجارية لتهويد القدس، ونلفت نظر المجتمع الدولي لرفض اسرائيل لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء بعثة تقصي حقائق حول النتائج المترتبّة للمستوطنات الاسرائيلية بالأراضي المحتلة، ويدين السودان المجزرة التي اقترفتها اسرائيل في قطاع غزة وحصارها الخطير على القطاع، ويدعو لنصرة الشعب الأعزل فيه، كما يتسق موقف السودان مع الموقف العربي الداعم للمساعي الفلسطينية المدعومة من معظم دول العالم في الحصول على عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة. ويحث السودان القيادات الفلسطينية على تغليب وحدة الصف الفلسطيني والذي بدونه لا أمل في مواجهة فاعلة مع اسرائيل أو تحقيق سلام عادل في المنطقة .
أصحاب السمو والفخامة
الحضور الكريم،،،
نحن على يقين بأنكم تتابعون تطورات الأوضاع في بلادنا السودان. فقد ظَلّت قناعتنا راسخة في أن السلام والتنمية وجهان لعملة واحدة، هذا ما كان دافعاً لجهودنا في اتمام تنفيذ اتفاقية السلام الشامل مع إخوتنا في جنوب السودان بإجراء الإستفتاء فيه، واحترمنا خيارهم في الانفصال، وكنا أول من بادر بالإعتراف بدولة جنوب السودان تحقيقاً لالتزامنا بالمواثيق وبارادة أكيدة في تحقيق السلام وعدم العودة إلى مربع الحرب. وإنّنا ننتهز هذه السانحة لنعرب لكم جميعاً عن شكرنا وتقديرنا لما قَدّمتموه من دعم عربي ومُؤازرة لإنجاح عملية السلام، ونؤكد لكم عزمنا على المضي قُدُماً نحو تسوية القضايا العالقة عبر التفاهم مع إخوتنا في حكومة جنوب السودان وفق رؤية إستراتيجية لإقامة تعاونٍ وثيقٍ وعلاقات حُسن جوار مع الدولة الوليدة، غير أنّ أعداء السلام وأصحاب الأجندة الأجنبية والمؤامرات المستمرة لتمزيق السودان ظلوا يضعون العوائق أمام مسيرة السلام ويدفعون حكومة جنوب السودان للإعتداء على حدود السودان ويعملون على تأجيج التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق على حدود الدولتين، وقد أفشلنا كل الاعتداءات على حدودنا. وتحدونا عزيمة صادقة لإعادة الأمور لنصابها ومراعاة مصلحة الشعبين في العيش بسلامٍ.
ويسعدني أن أحيطكم بمسيرة التسوية السلمية في دارفور التي تكللت بالنجاح بتوقيع وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، وذلك بفضل الله والجهود التي انطلقت بمبادرتكم العربية الأفريقية وبالرعاية الكريمة من صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة لمفاوضات السلام بالدوحة، وقد شرعنا في تطبيق بنود الاتفاقية وشهدت دارفور خطوات واسعة نحو تثبيت الإستقرار انعكست بعودة النازحين واللاجئين لمواطنهم ليسهموا في بناء السلام والتنمية .
أصحاب السمو والفخامة
الإخوة رؤساء وفود الدول العربية الشقيقة
إنّ جهودنا في التنمية الاقتصادية في بلداننا والحد من الفقر ورفع مستوى المعيشة لشعبنا العربي تُواجهه تحديات عظيمة في ظل أزمة اقتصادية عالمية، وديون مفروضة على دولنا وتهميش ممنهج جراء العولمة الاقتصادية غير العادلة. ولم ننكفئ بل ظللنا نكافح لتطوير اقتصادياتنا داخل بيئة تنافسية دولية عنيفة. كل ذلك يحتم علينا إتاحة الفرص وفتح آفاق جديدة للتبادل التجاري وأن نعمل سوياً على متابعة تنفيذ مقررات قمة الكويت الاقتصادية 2009م، ومقررات الدورة الثانية لها بشرم الشيخ. كما يَتطلّب منا الإعداد الجيد لعقد القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الثالثة بالرياض في يناير 2013م، والتحضير للمؤتمر العربي حول تنفيذ الأهداف التنموية للألفية المزمع عقده هذا العام 2012م.
إنَّ السودان إذ يُثمِّن جهودكم ويقدر دعمكم له والذي حمل عنوان دعم السلام والتنمية في السودان طيلة الفترة الماضية يتطلع لمزيدٍ من إستثماراتكم في مختلف المجالات ليفيض خير السودان الواعد على الجميع وليكون سلة غذاء العالم العربي كما ينتظر منه، كما نتطلع لبذل الجهود العربية لمعالجة ديون السودان الخارجية بشكل ثنائي أو في إطار المبادرات الدولية، وكذلك ندعوكم للتضامن معنا في جهودنا لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان ظلماً ودعمنا لمواجهة تداعيات انفصال جنوب السودان بفقدان جل مواردنا البترولية بما يسهم في الإسراع بمعدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية
أصحاب السمو والفخامة
الإخوة والأخوات الكرام
إنّ الموضوعات المطروحة على جدول أعمال قمتنا عالية الأهمية تتطلب منا تبني قرارات رشيدة وفاعلة بشأن قضايانا الملحة وإعطاء دفعة قوية لمسيرة عملنا العربي المشترك، واختتم بأن أدعو الله تعالى أن يوفقنا لما فيه خير هذه الأمة وكرامة شعوبها وعزتها، إنه سميع قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،،
الراي العام