تحقيقات وتقارير

المبالغة في الأتعاب :المحامون في قفص الإتهام

[ALIGN=JUSTIFY](18) ألف محامٍ بالسودان منذ بداية المهنة العام 1938 وحتى اليوم.. فهل تسببت كثرة اعداد المحامين في ركود سوق المحاماة؟ وكيف يترافع المحامون ضد اتهام بعض المواطنين لهم بمغالاتهم في تحديد اتعابهم الخاصة وهل هناك ضوابط ومعايير لتحديد اتعاب المحامي أم ان الأمر متروك لتقديرات ومزاجية المحامي؟ وهل من حق الموكل فتح بلاغ ضد المحامي في حالة مبالغته في اتعاب قضية ما؟ ومتى يكون المحامي ملزماً بالدفاع عن المتهم (مجاناً)؟.. التحقيق التالي يجيب على هذه التساؤلات عبر هذه القراءة الصحفية لواقع مهنة المحاماة.
———

إعادة نظر
يقول مولانا خلف الله الرشيد – رئيس القضاء السابق – عندما سألته عما إذا كانت هنالك بطالة في اوساط المحامين؟ فأجاب قائلاً: نعم، هنالك اعداد كبيرة من المحامين بلا عمل ويضيف: وهذه ظاهرة «بطالة» وغير لائقة بمهنة القانون. قلت له: ما الاسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة؟.
قال من الاسباب كليات القانون وبهذه الكثافة الكبيرة وتخريجها لاعداد كبيرة من طلاب القانون دون تقنين والاهتمام بتأهيلهم بالصورة اللائقة بمهنة القانون، وقال متسائلاً: كيف يفيد محامي موكله وهو بهذا المستوى المتدني مشيراً الى انه حتى الاقتصاد لا يستطيع استيعاب هذه الكميات من المحامين ويجب على الدولة ان تسعى جاهدة الى تقنين مسألة كليات القانون وإعادة النظر في مدى جدواها والاهتمام بمسألة الكيف وليس الكم، ونبه مولانا الرشيد الى ان مهنة القانون بالسودان محتاجة لاعادة نظر.
سألته عن رأيه في مدى جدوى امتحان المعادلة؟
قال: مسألة الامتحان للمعادلة ليست كافية لعملية تقييم المحامي وانما المطلوب في عملية تأهيل المحامي هو اقامة الكورسات والدورات القانونية التي تؤهله للالمام بكل الجوانب القانونية التي لم يدرسها طالب القانون بالجامعة، ومن ثم يتم التقييم للمحامي بصورة مرحلية اثناء عملية الدراسة وذلك لان في المعادلة قد يفشل طالب في امتحان نجح فيه من قبل بداخل الكلية التي درس فيها القانون، مشيراً الى ان الدول المتقدمة لا تقبل الطالب في كلية القانون إلاَّ عندما يأتيها وقد اكمل كلية غير كلية القانون حتى يتسنى قبوله وحينما سألته: ما هي المعايير التي يستند إليها المحامي في تحديد اتعابه؟
قال: ليس هنالك قانون ينظم مسألة الاتعاب التي يتقاضاها المحامي من موكله ولكن تأتي وفقاً لتقديرات واتفاق مسبق بين المحامي وموكله على حسب ما تستحق القضية من اتعاب وعلى الجهد المبذول فيها، وعندما قلت له هنالك بعض المحامين على الرغم من انهم يعلمون ان موكلهم سوف يخسر القضية إلاّ انهم يقنعونه من اجل الحصول على الاتعاب بأنهم سوف يكسبون القضية فقال: من ناحية اخلاقية يتحتم على المحامي ان يتعامل مع موكله بشفافية وان يصدق له النصيحة بعدالة قضيته أو غير ذلك، وعندما قلت له هنالك بعض القضايا حينما يتم حسمها يلجأ بعض المحامين لفرض اتعاب كبيرة على موكليهم؟، فقال في هذه الحالة من حق الموكل اذا ما رأى ان هذه الاتعاب كبيرة ولا تتناسب مع حجم القضية ان يلجأ إلى فتح بلاغ امام وزير العدل ويقول ان الاتعاب كبيرة فاذا ثبت انها كذلك فسوف يقوم وزير العدل بتخفيض الاتعاب الى ما يتناسب مع القضية وختم الرشيد قوله قائلاً: مهنة المحاماة اصبحت بطالة مشيراً الى انه حتى لو لم يمنح معاشاً فإنه لن يمارس مهنة القانون بوضعها الحالي وهذا بحسب ما جاء في قوله عند تعليقه على اوضاع مهنة المحاماة.

ثقافة قانونية
في ذات الاتجاه قال نقيب المحامين السودانيين فتحي خليل – ليست هنالك بطالة في اوساط المحامين – وجاء حديثه هذا عندما سألته عما اذا ما كانت هنالك بطالة وسط المحامين أم لا مشيراً الى وجود تنسيق مع الامانة العامة لتشغيل الخريجين وذلك لتسهيل عملية استيعاب المحامين في المهن القانونية المختلفة وحول الاعداد المتزايدة للقانونين قال مبرراً ان دراسة القانون يجب ان تكون ثقافة اولاً وليس الشرط الاساسي فيها ان تمارسها كمهنة، وعن مدى جدوى امتحانات المعادلة الذي يجرى لطلاب القانون حتى يتم إلحاقهم بعد النجاح فيها بمهنة المحاماة قال خليل: المعادلة امتحان لا يختلف عن امتحانات الجامعة التي قد ينجح أو يفشل فيها الطلاب، واشار الى أن مسألة تقييم المعادلة فيما يتعلق بضرورتها أو الاستعاضة عنها ببديل آخر ان ثبت عدم جدواها قيد الدراسة مشيراً إلى انها من المسائل المعقدة جداً وهذا بحسب ما ورد في قوله وعندما وجهت له سؤالاً يقول ان هنالك اعداداً من المحامين يعزون سبب البطالة في اوساطهم الى قيام النقابة بفتح مكاتب لبعض منسوبيها دون غيرهم وقال نافياً ان النقابة تفتح مكتباً لاي من المحامين وهي غير مسؤولة عن فتح المكاتب للمحامين مشيراً الى ان مثل هذه الاحاديث تخلو من المصداقية، وعندما قلت له ان هنالك بعضاً من المحامين قالوا ان من الاسباب الرئيسية التي تدفع المحامي للقيام بعمليات تزوير هي الرسوم والدمغات التي تفرضها القضائية على المحامين في كل توثيق يقومون باجرائه فقال باندهاش حتى حيال توجيه السؤال متسائلاً ايضاً هل يوجد محامي يقول إنه يلجأ للتزوير لهذه الاسباب واسترسل قائلاً مثل هذا يجب ان يكشف عنه وتقديمه للمحاسبة وفقاً للقانون الذي يعاقبه حينما يثبت عليه ذلك واضاف قائلاً لي: لو في أي محامي زي دا مفروض تورينا ليه حتى نتمكن من اجراء اللازم تجاهه فأجبته بأن اخلاقي المهنية تحتم على ضرورة عدم الكشف عن مصادري وهو (أي مصدري) يفضل عدم كشف اسمه، ويشير خليل الى ان عدد المحامين منذ بداية المهنة الى اليوم «81» ألف محامي تقريباً وهذا عندما قلت له ان هنالك احاديث تقول ان عدد المحامين السودانيين يفوق الـ «81» ألف محامي ويضيف خليل في مصر اعداد المحامين تفوق هذا العدد باضعاف، واضاف العدد الكبير في المحامين ليس ظاهرة سيئة وانما من الظواهر الإيجابية التي تجعل معظم الناس لديهم ثقافة قانونية عالية ولذا هم بذلك يعرفون مالهم وما عليهم وبالتالي يتجنبون ما يوقعهم تحت طائلة القانون.

العون القانوني
أما وجدي صالح – المحامي – يقول عندما سألته عن المبدأ الذي يترافع من أجله المحامي فقال الواجب القانوني وميثاق شرف المهنة يلزمان المحامي بالترافع عن موكله امام المحاكم الجنائية والمدنية والشرعية حتى لو كان ذلك المحامي يعلم ان موكله مذنب مثلاً «في الجانب الجنائى» لجريمة قتل الا انه يسعى في هذه الحالة لتخفيف العقوبة وخاصة اذا كان هنالك ملابسات من الممكن ان تقود الي ارتكاب الجريمة وفيها جوانب تؤدي الى تخفيف العقوبة عن الجاني مثلاً اذا كانت عقوبته الاعدام بسبب ارتكابه لجريمة قتل من الممكن ان تتحول العقوبة الى السجن وذلك في حالة الاستفزاز الشديد المفاجئ كالشرف والعرض.
ولكن المحامي يأخذ اتعابه حتى ولو خسر القضية؟
– مهمة المحامي ووجوده لا يرتبط بنجاح الدعوة أو خسارتها وانما اتعابه تؤخذ بحسب المجهود الذي يبذله المحامي في القضية وذلك يتأتي بمعيار خبرته وأوجه الصرف على القضية التي يترافع فيها ومن هنا يقوم المحامي بتحديد اتعابه ويشير الى ان المحامي من الممكن ان يقوم بالترافع مجاناً أو تقديم العون القانوني لاشخاص لا يملكون قيمة الاتعاب أو المحتاجين وذلك يتم عبر «العون القانوني بوزارة العدل» فهي حينما تحدد محامي للترافع عن اي شخص لا يملك ما يقدمه من اتعاب للمحامي ففي هذه الحالة القانون يلزم المحامي بالترافع، وكما ان واجبه المهني والاخلاقي يحتم عليه ذلك.

ظلم كبير
ويذهب الفاضل الدقناوي المحامي وموثق العقود عندما وجهت له سؤالي المتعلق باوضاع المحامين تحت التمرين فأجاب قائلاً: ان المحامين تحت التمرين يقع عليهم ظلم كبير في بعض المكاتب التي يتلقون فيها التدريب واضاف: ولكن ميثاق واخلاقيات المهنة حددت بشكل دقيق كيفية التعامل مع المحامين تحت التمرين واحترامهم واعطائهم الأجر العادل الذي يليق بوضعهم حتى يتمكنوا من إكتساب الخبرة القانونية بعيداً عن التأثيرات التي قد تقلل من عملية تركيزهم اثناء فترة التدريب اما المحامي عندما يتم له الترخيض فله مطلق الحرية، وعندما قلت له هل هنالك محامون يقومون بالتزوير والاحتيال اجاب قائلاً: هنالك ضعاف نفوس يقومون بالتزوير وذلك من اجل الحصول على المال والثراء باسرع الطرق دون مراعاة لاخلاقيات المهنة القانونية التي اساسها الشرف والامانة الاخلاقية، ويضيف الدقناوي ان هنالك من المحامين من يلجأ الى التزوير متعللاً بالرسوم السنوية والتعقيدات التي تفرضها القضائية على اى توثيق كالدمغات ومن ثم يكون المحامي نهاية العام لا يملك المال الكافي لتغطية رسوم كل التوثيقات لذا يلجأ الى حجب بعضها وتقديم البعض الآخر فمثلاً اذا كانت جملة التوثيقات التي يقوم المحامي بتوثيقها في السنة «001» توثيق من الممكن ان يقوم هذا المحامي بتقديم «02» توثيقاً فقط للجنة التوثيقات.. وفي ما يتعلق بعملية الاتعاب يقول الدقناوي من واجبات المحامي ان لا يغالي في اتعابه وكما عليه الا يستقطب موكليه بتقليل اتعابه كالذين يلجأون لهذا الاسلوب إي اسلوب تقليل الاتعاب «من اجل كسب السوق» ويشير الى ان المعيار في تحديد الاتعاب التي يتقاضاها المحامي يجب ان تكون على حسب طبيعة الدعوة والعائد الذي ينتظره الموكل من دعوته ومدى خطورتها واستمراريتها لزمن قصير أو طويل ويشترط ان لا تكون هذه الاتعاب كنسبة شائعة من الدعوة اي كشريك كأن يقول المحامي لموكله اذ كانت الدعوة بمبلغ «001%» مثلاً يقول له اتعابي «02%»، وأما عن البطالة في اوساط المحامين فيقول الدقناوي ان هذه مسألة ارزاق، ولكن مسألة انشاء مكتب اصبحت مكلفة وخاصة للمحامين المبتدئين الذين يحتاجون لنقابتهم في عملية فتح مكاتب لهم دونما الخضوع لتوازنات لا تليق واخلاقيات المهنة القانونية.. وحينما قلت له هنالك بعض المحامين يترافعون من اجل المال فقال: ابداً ليس المال هو العنصر الاساسي وانما الهدف ايصال واثبات الوقائع بصورة تمكن القاضي من تكييفها وتمكنه من وزن الوقائع والبينات ويضيف وهذا ما يمكن ان يعجز عنه الموكلون وذلك لعدم المامهم بالقانون لذا هم يلجأون الى المحامين الذين يستطيعون توضيح الدعوة وايصالها للمحاكم ببراعة وبلاغة يتمتع بها المحامون لتساعدهم في مسألة الاقناع، ويختم الدقناوي حديثه قائلاً: ان مسألة الاتعاب ليست مطلقة وان المحامي يعمل وفقاً لنصوص وميثاق واخلاقيات المهنة.

محامي متهم بتزوير
وبينما كنت اتجول في بعض محاكم ولاية الخرطوم بغرض التقصي عن ظاهرة ارتباط بعض المحامين بجرائم تزوير وجدت باحدى تلك المحاكم قضية تتعلق بهذا الامر وذلك عند توضيح مهمتي لمحامي في فناء المحكمة ومهمتي تتعلق بظاهرة تفشي التزوير في اوساط بعض المحامين فأفادني بأن القضية التي امام القاضي الآن قضية جنائية تتعلق بهذا الشأن، وقال الدعوى جنائية وموجهة لمحامي تحت المادة «221» تزوير مستندات والمادة «871» احتيال من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م حينها ولجت الى داخل قاعة المحكمة التي تجري فيها محاكمة المحامي اي توجيه التهم إليه وجدته يجلس على الارض على الرغم من دعوات شرطي المحاكم الذي بجانب القاضي بغرض الجلوس على المقعد الموجود بقفص الاتهام، ولكن المحامي اصر على جلوسه على الارض ورفض الجلوس على المقعد المخصص لذلك وعندما سألت محاميه عند نهاية الجلسة عن اصرار موكله على الجلوس في الارض قال مجيباً ان اي متهم سواءً كان محامٍ أو غيره من المتهمين في حالة المحاكمة يجلس على الارض، وعندما قلت له ما هي المواد والتهم الموجهه لموكلك قال ومؤكداً ما ذهب إليه المحامي الذي وجدته بفناء المحكمة ان المواد الموجهة إليه هي تحت المادة «221» تزوير مستندات و«871» احتيال من القانون الجنائي السوداني لسنة «1991م».
بفناء المحكمة وعند فراغي من اسئلتي لمحامي الدفاع توجهت نحو محامي الاتهام لافادتي حول حيثيات القضية فقال مجيباً وبتهذيب وأدب لا يشبهان سوى مهنة المحاماة عندما سألته عما هي التهم التي قام بتوجيهها ضد المتهم فقال ان التهم قدمت تحت المادة «221» تزوير مستندات والمادة «871» احتيال من القانون الجنائى السوداني لسنة 1991م وعندما طلبت منه ان يدلني الى موكله فقادني إليه عندما قلت إليه انني اريد ان اعرف منه ملابسات ما حدث وعندما وقفت امامه وحييته رد التحية بأحسن منها فعرفته بنفسي ومهمتي فكان على درجة عالية من الالمام بتفاصيل قضيته فبدأ يحكي قائلاً: ضيعت كل عمري في الاغتراب وكل الحصيلة هي منزل باحد احياء الخرطوم الذي تركت اوراقه مع اخي بصفته اقرب الاقربين الذين لا يطالهم اي شك ولكن من المؤسف فقد سولت له نفسه بالغدر بي فقلت كيف غدر بك أخوك؟ فقال استعان باحد المحامين ضعاف النفوس بعد ان أغراه بالمال وقال له لك من المبلغ الذي يباع به المنزل الربع وكان قد طلب من المحامي القيام بتزوير توكيل له ليبيع بيتي في غيابي فما كان من المحامي الا أن فعل ذلك وقاما ببيع منزلي.
يوسف محمد زين :الراي العام [/ALIGN]