تحقيقات وتقارير

سيناريو الانفصال يهدد القرن الأفريقي

توقع مشاركون في مؤتمر “العرب والقرن الأفريقي.. جدلية الجوار والانتماء” – الذي اختتمت أعماله اليوم بالدوحة- أن يتكرر سيناريو انشطار السودان إلى دولتين في بلدان أخرى من الإقليم، نظرا لتضافر العوامل الثقافية والعرقية التي تغذي نزعات الانفصال.

وطبقا للعديد من الباحثين والأكاديميين، فإن منطقة القرن الأفريقي تربة خصبة للتمزق بحكم احتضانها للعديد من بؤر التوتر الطائفي والعرقي، وتحولها إلى ساحة تتصارع فيها مراكز النفوذ.

ويقول الباحث والأكاديمي سيار الجميل إن الأسباب التي أدت إلى انفصال جنوب السودان متوفرة في بقية بلدان القرن الأفريقي، لأنها تختزن تفتتا اجتماعيا وصراعات قوية قبلية وفئوية تغذي التمزق وانشطار الدول إلى عدة كيانات.

سيار الجميل: تجربة انفصال السودان ستغري العديد من التيارات السياسية في دول الجوار بتكرارها (الجزيرة)
ويضيف الجميل أن السودان يمثل قلب القرن الأفريقي، وستغري تجربة انشطاره إلى جزئين العديد من التيارات المتناحرة في المنطقة، وخصوصا في الصومال الأكثر هشاشة وعرضة للتمزق.

غياب الانسجام
من جانبه، يرى المدير الإقليمي لمركز الشاهد للبحوث والدراسات الإقليمية الدكتور محمد أحمد شيخ علي أن نزعة الانفصال قائمة وتهدد وجود معظم دول الإقليم، لأنها تحتضن بؤر توتر نشطة، وتشهد صراعات محلية تبرر للخارج التدخل.

ولفت علي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الصومال وحده يضم أكثر من أربعين إدارة إقليمية، وهو ما يعكس حجم التشتت وغياب أي أفق للانسجام بين التيارات المتصارعة على النفوذ.

وحذر علي من خطر تمزق دول القرن الأفريقي إلى كيانات إثنية ومذهبية هشة تهدد الأمن العربي وسلامة الملاحة في البحر الأحمر.
1 1099272 1 34 أما الدكتور مضوي الترابي فيرى أن السودان مقبل على مزيد من الانقسام لأنه “رُكّب في عام 1821” لتمكين العنصر الإسلامي والعربي من التفوق، وليس دولة مواطنة حقيقية.

ويشدد الترابي على أن انفصال الجنوب -على عكس ما تصورت حكومة الشمال- ليس حلال للأزمة السودانية، وإنما يدشن سلسلة من الانقسامات بدت معالمها تتضح في النيل الأزرق وكردفان.

الترابي: الطموح المهووس بالسلطة وحب المال وراء صراعات الصومال (الجزيرة)
لكن الترابي الذي يحمّل العرْق العربي جموح بعض الأقاليم السودانية نحو الاستقلال ويتفهم نزعات الانفصال في كينيا، لا يرى مبررا لصراع الصوماليين سوى “الطموح المهووس بالسلطة وحب المال”، لأن عرقهم واحد ودينهم واحد.

بيد أن الأكاديمي السوداني عبد الله إبراهيم يرى أن ما حصل في السودان ليس كارثة وإنما هو “عمل سياسي باطني اتفق عليه الإسلاميون والقوميون والرجعيون”، وليس واردا -في نظره- الانزعاج على هذا الصعيد.

مطالب وأوراق
من جهة ثانية طالب مشاركون في المؤتمر العربَ بالعمل على تفادي تمزق دول القرن الأفريقي، وتفعيل دور ممثليات الجامعة العربية في هذه الدول، وتنشيط العمل الخيري لمواجهة المنظمات الغربية غير الرسمية التي “تنشط في التبشير وتعمل على مسخ هوية السكان”.

ودعا بعض المؤتمرين إلى رصد ما يعتمل في منطقة القرن الأفريقي من مشاكل وقلاقل لوضعه في متناول المواطن العربي، وانفتاح الإعلام العربي على شعوب هذه الدول من خلال بث تلفزيوني موجه مشابه لتجربة جزيرة البلقان.

واعتبرت النخب المشاركة أن تجاهل قضايا القرن الأفريقي وتركه ساحة للنفوذ الأجنبي يمثل خطورة بالغة على الأمن القومي العربي، إلى جانب كونه تنكرا للتاريخ والإرث اللذين أحدثهما الإسلام في هذه المنطقة.

وتناولت أوراق المؤتمر -الذي شارك فيه باحثون غربيون وعرب وأفارقة- الأبعاد التاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة الإستراتيجيّة والثقافيّة الاجتماعيّة والإعلاميّة للعلاقة بين القرن الأفريقيّ والعرب.

وحاول المشاركون الإجابة على أسئلة الرّاهن والمستقبل في علاقة العرب بالقرن الأفريقيّ، وأسباب حالة التفتّت التي تعيشها هذه الدول، وغياب الدور العربي في ظلّ التدخّل الغربي وتّغلغل إسرائيل هناك.
الجزيرة نت