حوارات ولقاءات
المجتمع متخلف وبيحب الكلام (والقيل والقال) ورمي الأتهامات
(الأهرام اليوم) الكائن مقرها على مرمى وجع من صرخاته استنطقته في حوار بدا خلاله ساخطاً على الخصوم، وقدّم لوماً بدموع غير مرئية لأخوانه. شيخ أحمد الذي يستعصم بالجوار في مجلس الصداقة الشعبية زرناه في مكتبه قبالة شارع الجامعة. وجدنا بمعيته بعض الإسلاميين القدامى، تماماً كما وجدنا دواخله تمور بذياك التاريخ العاصف. على هامش الحوار لم نغفل عن تدوين الملاحظات حول رغبة تعتوره في الصمت والحديث معاً..!! من خلال صوته بدت نبرة ضراوة صاخبة في الدفاع عن الإنقاذ كأنها لا تزال في بواكيرها.. كيف لا والرجل وسط القيادات الإسلامية معروف بالجرأة والمبادرة واشتهر بتربية القيادات.. كان ولا يزال شاهداً على العصر لذا كانت لنا معه هذه المواجهة الساخنة في أجواء نتسنم فيها رياح الشتاء وما تبقى من هبّات (الربيع):
{ حسب توقعاتك من الذي سيحوز على ثقة الجماهير في المرحلة القادمة؛ الإسلاميون أم العلمانيون؟
– النتيجة واضحة، فكل من يتابع الأحداث في المنطقة كلها يرى أن وراء كل التغيير الذي حدث أيادٍ إسلامية، وهذا يشكل تحدياً كبيراً جداً بأن المرحلة القادمة مرحلتهم بلا شك. هنا في السودان كانوا سبّاقين؛ من (5) دوائر بعد أكتوبر إلى أكثر من (50) دائرة بعد (25) عاماً، أنا متأكد من اكتساح الإسلاميين للمرحلة القادمة، والعلمانيون اعترفوا بهذا.
{ ولكن الثورات رفعت شعارت أقرب للعلمانية مثل الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان والديمقراطية؟
– أبداً.. الصحيح أنه حدث وعي كبير جداً داخل الفقه السياسي الحركي، وكثير من المفاهيم الجديدة كان من المفترض أن يأخذ بها الإسلاميون مبكراً.. حتى الغنوشي في تونس أعتقد أنه استفاد من التجارب بضرورة إيجاد نظام يراعي قضايا العصر وطبيعة المشاكل المطروحة، وهذا يشكل تحدياً فكرياً يحتاج للمزيد من الاجتهاد، ولذلك يحمد لقيادات الحركة الإسلامية الحديثة الانفتاح على قضايا العصر ومواجهتها، والناس الآن تجاوزوا مرحلة العموميات (والشريعة هي الحل) ودخلوا في (الغريق).. فلكل قضية يجب أن تكون لديك طريقة محددة وأسلوب مختلف وشكل مواجهة مغاير.
{ ألا تتفق معي بأننا فشلنا في تصدير نموذج إسلامي في الحكم يغري الآخرين بمجاراته؟
– نحن أصلاً (ما بنصدّر)، (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه)، فقضايانا تختلف كثيراً عن القضايا المطروحة على مستوى العالم العربي، لأننا بلد تركيبته الاجتماعية مختلفة، وهذا يلقي علينا أعباءً إضافية. الآن لدينا مرحلة ترسيخ مفاهيم المواطنة واحترام القانون والمؤسسات وهي مسؤولية كبيرة تتعلق بالتعايش السلمي والحفاظ على النسيج الاجتماعي، هنالك مجموعة لديها طموح في قيادة الآخرين، أعتقد أننا يمكن أن نقدم تجربتنا بتواضع لأنها لا تزال خضراء.
{ حسناً.. الناس تريد التغيير والحرس القديم يرفض المغادرة.. كيف تستطيعون الوصول بنتيجة لهذه المعادلة؟
– لم ألاحظ أن هنالك موقفاً محدّداً من أن الحرس القديم في الدولة يريد الاستمرار، بل هنالك سلاسة شديدة وقوى جديدة صاعدة من الشباب في سن العطاء، والسودان بلد شاب في تكوينه، ولذلك واضح جداً بأن هنالك جيلاً سيسلم الراية لجيل آخر.
{ ولكن صناعة القرار الحقيقي محتكرة للحرس القديم؟
– لا لا.. الناس غير ملمين بالأوضاع و(ليهم حق يقولوا كده)، لأنهم في السودان تقليديين، وهنالك دوائر موجودة تصنّف التيارات بمزاجها وتساعد في صناعة الرأي العام وفقاً لذلك. أفتكر هنالك مؤسسات تحاول بقدر الإمكان أن تكون ملتزمة وموضوعية، لكن لسّه المشوار طويل، وظاهر جداً في أجيال (بتستلم في القيادة)، (مش) بطريقة عفوية وإنما بطريقة قاصدة، والقيادة أصلاً طبيعتها إذا ربنا أراد خيراً للسودان، وفي إطار مؤسسي هنالك الذين يقررون وفقاً للشورى ووفقاً للمؤهل، مع مراعاة أن يكون عندك قدر من القبول الشعبي.
{ لماذا لا تحاسب الإنقاذ الوزراء أو المسؤولين الذين دارت حولهم الشبهات؟
– الإنقاذ تحاسب المسؤولين وفقاً لمعايير وقيم، فإذا كانت توفرت في تلك الاتهامات بيّنات، فلن نتوانى عن تقديمهم للمؤسسات العدلية.
{ ليس هنالك مسؤول واحد من قبل اتهم بالفساد أو التلاعب بقوت المواطنين وقدم للعدالة؟
– (إنت مفترض تقول حالة قدمت للمحكمة ولم تفصل فيها)، المجتمع الآن لديه الحق في كل المؤسسات العدلية بأن يقدم التهم التي يراها في الوزير أو المسؤول المحدد.. الأبواب مفتوحة، وفي حالة أنها قدمت وعجزت مؤسسات الدولة العدلية يمكن أن ترفع هذا التساؤل، فالمجتمع متخلف وبيحب الكلام (والقيل والقال) ورمي الاتهامات جزافاً.
{ الحزب والدولة من وجهة نظر البعض يتّبعان طريقة غامضة في هذا الأمر وسياسة ما يسمّى بفقه السترة؟
– هذه من تقاليد المجتمع السوداني، وحتى الذين يقدمونك للمحاسبة (بيجوا) يكونوا من ضمن وفد الوساطة لإغلاق الملف..!!
{ لكن ما غريبة (21) سنة مافي شخص يقدّم للمحاسبة أمام الرأي العام.. كأننا في عهد الصحابة؟
– مشكلة الصحفيين بيثيروا الموضوع (ويُلاك) في الألسن، لكن (ما عندهم دراسة موضوعية)، كم قضية رفعت في هذا المجال، و(القبلتها المحكمة كم عددها)؟ وما هي النتيجة؟ عندما تتكلمون عن الفساد تتكلّمون بصورة عامة جداً..!!
{ هنالك (كوارث) بالفعل شكلت لها لجان تحقيق لم تُعلن للرأي العام، وهنالك تقرير المراجع العام؟
– تقرير المراجع العام أصلاً طبيعي منذ الاستقلال بيكون فيه مخالفات، واعتداء على المال العام، وهذه المخالفات في مجالات متعلقة بالبنوك ومعظمها تحدث بمساعدات من داخل البنوك، لكن (برضو إذا إنت نشرت مزيداً من الوعي ممكن تخفّضها لأدنى مستوى) لأن الخلل داخل المؤسسات البنكية نفسها. نحن لم نصل إلى مرحلة الفساد المؤسسي، فالموجود في السودان ليس موضوع اختلاسات وفساد وإنما موضوع محسوبية ومحاباة.
{ تكوين مفوضية للفساد بقرار من الرئيس ألا يعني إقراراً باستشرائه وبلوغ رائحته الأنوف؟
– أفتكر تكوين مفوضية للفساد فيه تجاوب مع الرأي العام، لكن لو فعّلت المؤسسات الموجودة تكفي.
{ طيب عم أحمد.. هل تنزل الأسواق والشوارع تتلمس مواجع الناس وفقرهم ومعاناتهم مع (قفة الخضار)؟
– نادراً ما أنزل الأسواق، ولكن لدي كل المعلومات ومعرفة بمجريات الأمور، فالعاصمة تشكل استثناء لأنها أصبحت موطناً لغالب أهل السودان المستهلكين، الطلب كبير والإنتاجية ضعيفة، ولكن في الولايات الأوضاع أفضل، والحل هو إقامة مشروعات إنتاجية في الولايات حتى تضطر هذه المجموعات للعودة للأقاليم الواعدة، الحكومة مفترض تقيم مشروعات زراعية سريعة العائدة تستقطب هؤلاء للعودة الطوعية، ما مكن نجبرهم على العودة وهذا ليس من المنطق ولكن يمكن أن نغريهم بمشروعات حقيقية.
{ (طيب) بالنسبة لظاهرة رجال الأعمال في المؤتمر الوطني ومع الظروف المستعصية.. ألا تعتبرها ظاهرة مستفزة؟
– بالعكس.. (نحن عايزين المزيد منهم) وهى ظاهرة صحية جداً، ومن الظواهر الموجودة في السودان ضعف القطاع الخاص، والآن كونهم يكونوا حزبيين فهذا أوفق وأفضل، لأن أي بلد في البلاد المتقدمة حتى في أمريكا الحزب لا ممول له غير رجال الأعمال، كذلك في فرنسا وإنجلترا، رجال الأعمال وجودهم في الحزب مهم جداً لأنهم بشتغلوا في مجال متصل اتصالاً مباشراً بعيشة الناس، في مجال متصل بتنفيذ سياسة الدولة (الطعام، والأمن). أي حزب ينبغي أن يهتم برجال الأعمال، وأي زول بيجي للحزب الحاكم بيلقى امتيازات خاصة.
{ لكن الحزب بيحتكر السوق والامتيازات الأخرى لصالح رجال أعماله دون الآخرين وفي هذا ظلم باين؟
– إذا احتكر المؤتمر الوطني السوق (دا غلط)، لأنه ضد مرجعيته، (ولكن أكيد في مصالح مشتركة) ورجال الأعمال إذا ساعدتهم ومهّدت لهم بيساعدوا كثيراً جداً في تيسير الحياة الرغدة في السودان، و(إذا إنت عايز تخلي الحكومة تتاجر حتفشل)، لأن الحكومة أصلاً تاجر فاشل، والتجارب ماثلة في النظم الاشتراكية وغيرها، المهم ظاهرة رجال الأعمال في المؤتمر الوطني من الظواهر الإيجابية، ولكن من المهم مراعاة الضوابط، ألا تحتكر السلع وأن لا تختصر التسهيلات فقط لرجال الأعمال في الحزب، وهذا شيء طبيعي، ما أصلاً رجال الأعمال (بيمشوا) للحزب الفيه مصلحتهم ومصلحة البلد.
{ ألا تنتابك مخاوف بانفجار الثورة في السودان وانتقال رياح الربيع العربي من دول الجوار؟
– الثورة في السودان بعيدة.. بعيدة جداً، ولكن نحن بنحاول نقول في تطلعات مشروعة لأهل السودان بحيث إن الحزب الذي يتطلع للحكم والاستمرار ينبغي أن يوفر لهم الحياة الكريمة، هذه تطلعات مشروعة لأهل السودان، ولا يأمن الحزب الحاكم مكر الله، خاصة في السودان وحدثت أكثر من سابقة، (ربنا لمن يريد حاجة لا يفتش للأسباب)، وبالتالي أهل السودان ما بيفيدهم الكلام، بتفيدهم القدوة الحسنة، والقيادة الصالحة وأن يتبع الكلام الفعل وأكثر، في عشرين سنة الإرادة التي انبثقت في عهد الإنقاذ لم تكن موجودة، الإرادة الجديدة صنعت طفرة كبيرة جداً في مجال الاقتصاد والتنمية.
{ تجربة الشباب الأخيرة في الوزارة، خصوصاً سناء وابنتك عفاف وغيرهما كيف تقيمها بمنظور النتائج؟
– أنا مع الدفع بعدد من الشباب والوجوه الجديدة وهي ظاهرة إيجابية ومبشرة، لكنها ليست هي القاعدة، القاعدة الرجل الموهل والقوي الأمين، سواء أكان كبيراً أو صغيراً، شاباً أو شابة ينبغي أن يقدم للمنصب بمعايير الكفاءة.
{ ما هي النصيحة التي تقولها للرئيس البشير بين يدي تشكيل الحكومة الجديدة؟
– أتمنى ربنا يوفقه في أن يراعي في التمثيل بأن يحصل الشخص المختار للمنصب على رضا وقبول، وفي نفس الوقت يتمتع بمؤهلات تمكنه من النجاح، والحكومة الجديدة يجب تكون مثل الفريق القومي المعيار فيه للشخص الموهوب والفنان، لا يهم لونه وقبيلته وما يمثله، وهى من ضمن المعوقات لأن مسؤولية تكوين الحكومة مسؤولية الحزب الحاكم الذي ينبغي أن يختار لأهل السودان من يخاطب تطلعاتهم ويخدم قضاياهم حتى لو كلهم من أبو حمد، أو أي منطقة أخرى، وأكثر ما يزعجني هو مراعاة الجهوية والقبلية في التكوين، والحزب سيكون ضعيفاً جداً إذا نهج هذا النهج، فإذا نهجه في الماضي نتيجة لاعتبارات ترضيات ومشاركة، فعليه اليوم مسؤولية البحث عن المعادلة المثلى.[/JUSTIFY]
صحيفة الأهرام اليوم