جعفر عباس
سيرة وطن في مسيرة زول (15)
ونفس تلك الموس التي غالبا ما تكون نصيب أبيك من ورثة جدك، تكون قد استخدمت في ختان عمك وحلاقة شعر جميع أولاد الحي وفصد نفيسة وهاشم ونصف رجال ونساء الجيران،.. ألم أقل لكم ان الجراثيم والميكروبات كانت تجاملنا و”تُقدر ظروفنا”؟.. وبعد الحلاقة بالموس المحراثية والدم يتساقط من رأسك وكأنك نجوت من سيارة فخخها ابومصعب الدارفوري، يتم وضع عجين الذرة على رأسك “آفتر شيف”، فتحس ببرودة منعشة في فروة رأسك، ولكن الوحوحة والتأوهات تتجدد عند غسل العجين بعد أن يجف! حتى في الشفخانات التي صار اسمها لاحقا المراكز الطبية كانت طرق العلاج لا تقيم وزنا لانتقال العدوى من شخص الى آخر، ففي كل شفخانة (كلمة تركية تتألف من “شفاء” و”خانة” التي تعني “مكان”، وترمز شفخانة الى مراكز العلاج، وما زال السودانيون يسمون دورة المياه باللفظ التركي “أدبخانة” وترجمتها “بيت الأدب”)، كانت هناك نحو ست زجاجات مملوءة بسوائل يتم تحضيرها محليا: قلوي وبلادونا ومزيج ابيض وبزموت وشراب للكحة وملح انجليزي، ويقف المرضى في طابور، هذا يأخذ جرعة من دواء معين، وذاك يأخذ جرعة من دواء آخر وثالث يتناول جرعة من دواء ثالث،.. كل ذلك بكوب صغير من الحديد المطلي باللون الأبيض (طلس)، أي ان جميع المرضى كانوا يتناولون أدويتهم من نفس الكوب من دون غسله (وتذكرك أنه كانت هناك ستة أصناف من الأدوية لكل الأدواء والعلل.
ذات مرة وأنا طالب في مدرسة البرقيق الوسطى أصبت بدوسنتاريا فظيعة هدّت حيلي وأهلكت بعيري، وجعلتني طريح الفراش، وعانيت من آلام مبرحة في البطن والظهر،… وزاد حالتي سوءا ان مساعد الحكيم (لقب يطلق على الممرض طويل الخبرة الذي يعمل في مراكز طبية صغيرة لعلاج الحالات البسيطة) المهم كان مساعد الحكيم رجلا مستهترا يقضي يومه كله وهو تحت تأثير الكحول،… كان الواحد منا مثلا يذهب اليه شاكيا من نزلة برد، فيطلب منك ان تكح “بالعافية”، فتكح من دون ان تكون تحت تأثير نوبة كحة في تلك اللحظة، فيمسك بالورقة التي أتيت بها من المدرسة ويكتب عليها “متصنع” وتعود الى المدرسة وتخضع لخمس جلدات، بتهمة الاستهبال وتصنع المرض للزوغان من المدرسة، وهكذا كان معظمنا “يقطعون المرض في مصارينهم” كما نقول في السودان عن الأمر الذي تسكت وتصبر عليه، تفاديا لمفاقمة حالتهم الصحية بخمس جلدات، بتهمة تصنع المرض.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com
يابو الجعافر ماخلصت السيره السودانيه بالمسيره الجعفريه
استاذنا وحبيبنا وحبيب ( راغب علامه بالذات ) 😀
يا استاذي الكريم السطور وحده لا تكفي بأن اصف مدى اعجابي وانبهاري من جمال اسلوبك الخاص بك والفكاهة التي لا تصلح إلا منك …
منذو اول مقال لك في جريدة الوطن السعودية وانا من اشد المتابعين لك
جلست اسبوعين كامله عكفت على هذه الصحيفة الجميلة وقرأت جميع مقالاتك فيها
اسطورة زمانك يابو عباس …
انا مبسوط اني اكتب في صفحة من صفحاتك ولأول مره
ومبسوط اكثر انك بتقرأ ردي هذا على مقالك …
15 جزء من سيرتك فعلا انت انسان مكااافح عانيت معاناه ما اعتقد ان فيه سوداني عانا مثلك و وصل لهذه المرحله من العلم والمكانه ويكفي معانتك مع اللغه بحد ذاتها ثلاث لغات تتكلم من قدك ياعم
وسؤالي لك يالغالي كيف كتابة ( فديتك ) باللغة النوبيه اتمنى يا استاذ جعفر
تخصص مقال يوم من الايام ( للغة النوبيه ) النص الاول من المقال بالنوبيه والنص الثاني ترجمته بالعربيه
وحقيقه احي فيك حبك وحنينك لمسقط رأسك حقيقه اني استفدت معلومات عن السودان اول مره اعرفها ..
فعلا السودانيين او السودانيون هم اطيب شعب اذكرهم ايام الدراسه ابتدائي والمتوسط والثانوي كان نموذج للطالب المكافح المثابر وفي اغلب الاحوال هم الأوائل
اشكرك من صميم الاعماق يا استاذ جعفر ويبغى مقالك المشهور في راغب علامه هههههههههههههههههه الله يعطيك العافيه
انقل لك تحيات الشباب في الشقه سعد وعايض وفراج