الأمة.. شروح وشروخ
ومن جهته دفعت القيادة العليا بواحدة من أنشط قياداته لإمتصاص غضب الناقمين والتلويح في ذات الوقت بعصا غليظة في وجه من يفكر في إحداث انشقاق في الحزب.. القيادية التي ابتدرت حملة الشرح هي الأستاذة (الكسنجرية) سارة نقدالله.
فهي تتميز بالقدرة الفائقة كما وزير خارجية أمريكا الأسبق الداهية هنري كسنجر في النقل الأمين والدقيق والشرح المتأني للأفكار أو البرامج أو الاتفاقات التي يوقعها الحزب، ولهذا السبب ولمزايا أخرى أُستبدلت يوم الأربعاء بالدكتور عبد النبي علي أحمد الأمين العام للحزب للقاء ثلة من القيادات التي تجمعت أمام مدخل إحدى القاعات بدار الأمة، وهي تنتظر بفارغ الصبر وصول أي من قادة الحزب لإطلاعهم على تفاصيل وثيقة التراضي، وكانت أحاديث هؤلاء الأعضاء الجانبية تتباين ما بين مدح الاتفاق ومدح حكمة إمامهم الصادق، وبين إبداء السخط على هذا الاتفاق الذي لايفهمونه، ولا يستطيعون شرحه لقواعدهم التي إنهالت أسئلتها من كل حدب وصوب، عبر اللقاءات المباشرة والهواتف، تستفسر عن حقيقة ما جرى.
ويمثل هؤلاء الأعضاء مجموعة كبيرة من الأشخاص الحاصلين على قدر عالٍ من التعليم، والذين أصبحوا كوادر بالحزب في عهد الإنقاذ وعقدوا ثقتهم المطلقة في الإمام باعتباره شخصية ذات قيمة رمزية معارضة للنظام وقادرة على طرح البديل ولئن كان هؤلاء لا يعبرون فيما مضى عن آرائهم المخالفة لقرارات الإمام ومواقفه لفرط الثقة، فإن الوقت قد حان على ما يبدو لمناقشة قرارات القيادة وإثارة قدر غير قليل من الجدل الحيوي داخل أروقة الحزب، وكان أحد الشباب المتجمعين في الدار قد تساءل بحدة قبل أن يدخل الاجتماع الذي طالبوا به هم: (هل صرنا مؤتمراً وطنياً أم ماذا)؟
ولم يكن هذا السؤال سوى واحداً من أسئلة كثيرة طرحها عدد من الكوادر الوسيطة الفاعلة أمثال السيدة رباح الصادق وعمر الشهيد على سارة نقد الله مساعدة رئيس الحزب وعضو لجنة الحوار مع الحزب الحاكم، وقد تركزت استفهامات هذه المجموعة من الأعضاء حول الأسباب التي حالت دون إطلاعهم على الوثيقة قبل التوقيع عليها، مؤكدين أنهم وجدوا أنفسهم أمام مواقف صعبة أمام قواعدهم الذين أتوا اليهم حالما أعلن النبأ، واستوضح البعض حول بنود الاتفاق وآليات تنفيذه والضمانات التي اتفق عليها الطرفان لتنفيذ الاتفاق والسقف الزمني لكل ذلك.
واستمعت سارة بصبر كعادتها (إلا فيما يخص الإمام) وسجلت الأسئلة وقالت (هنالك من كانوا ينتظرون هذا الصباح بفارغ الصبر ليعرفوا ما الذي أخذه الحزب من السلطة، ولكنهم لم يجدوا شيئاً، الحزب كما تعلمون لايسعى وراء مصالحه الخاصة ولكنه يعمل من أجل إيجاد حل متفق عليه للقضايا الوطنية، ونحن الآن نقوم بحملة واسعة وسط قواعدنا وجماهير الشعب لتوضيح الاتفاق).
ونقلت سارة توقعات وقراءات القيادة العليا (أن الحزب ربما تعرض الى هجمات بعد التوقيع على الوثيقة)، ثم مضت الى عرض مراحل الحوارات التي بدأت عقب أزمة شريكي الحكم الحركة والمؤتمر الوطني (وكون حزب الأمة إثر ذلك لجنتين منفصلتين للحوار مع الشريكين كل على حده، ولم يتطور الحوار كثيراً مع الحركة الشعبية، ولكنه مضى قدماً مع الشريك الآخر، وعلى الرغم من أن المؤتمر الوطني يعاني من ضيق مساحة المناورة أمامه إلا أن اهتمام الحزب ينصب على القضية الوطنية الشاملة كأولوية، واستعداداً ليدخل (جحر الضب) في سبيل ذلك. وفجرت سارة مفاجأة أمام الغاضبين عندما كشفت النقاب عن وجود جداول زمنية لتنفيذ بنود الاتفاق.
فقالت إن اجتماعاً سيعقد الأسبوع المقبل لوضع جدول لتنفيذ بنود الوثيقة لبحث تعديل القوانين المقيدة للحريات في غضون شهرين، وعقد المؤتمر الجامع في غضون ثلاثة أشهر ولم تنس القول إن هنالك بعض النقاط الخلافية تتمحور حول قانون الإنتخابات (يجري العمل على تجاوزها)، وذكَّرت الأعضاء بالأهمية الخاصة التي يوليها الحزب لقضية دارفور، وضرورة انعقاد الملتقى الدارفوري قبل قيام المؤتمر الجامع والإنتخابات، ورجحت -وهي تكشف المزيد من المعلومات- أن ينعقد الملتقى بجنوب إفريقيا أو سويسرا بصفتهما مقبولتين من قبل جميع الأطراف.
ورغم أن التوتر قد هدأ بعض الشئ بعد إفادات سارة، إلا أن ما دار في هذا الاجتماع الداخلي للحزب يعكس الرغبة الكامنة لدى مجموعات واسعة من الأعضاء للمشاركة في صنع القرارات التي يتخذها الحزب وتؤثر على مستقبله ومستقبل البلاد، وحرصت الأستاذة الكسنجرية على تذكير المجتمعين بمن فيهم إبنة الإمام وتلميذتها رباح بأن (الاختلاف والاحتجاج هو لأجل الحزب والوطن في النهاية، دليل عل الحيوية، و أما من يخرج على الحزب فسيكون مصيره التوهان مثل من قبله من المنشقين). في إشارة يدركها المجتمعون لمجموعة السيد مبارك الفاضل.
ويقول المراقبون إن المهدي سيكون سعيداً بكل المعايير بهذا الحراك السياسي الرافض لأنه يذكره ببدايته السياسية من ناحية ولأنه يعني أن زرعه في صفوف الشرائح المختلفة آتي أكله.
ولكن برأي المراقبين أن المهدي سيضطر الى الركض في عدة مسارات، منها مسارأحزاب المعارضة التي يأمل أن يهجم عليها بالوثيقة ثم داخل الحزب وأخيراً وليس آخراً مع المؤتمر الوطني فليس كل أعضائه (البشير أو طه أو مصطفى عثمان اسماعيل).
تقرير: مجاهد بشير
صحيفة الراي العام [/ALIGN]