التكنولوجيا وكرة القدم
ولتقليل نسبة الخطأ في المباريات ، تم إستحداث خاصية المؤتمر التخاطبي بين الحكم ومساعديه ( رجال الخطوط ) ورغم كل هذا التحادث والتخاطب والحوار اللاسلكي إلا أن هناك أمور تخرج عن إطار السيطرة ، ويصبح كل هذا التجانس والحوار ، ليس حاسما وليس دقيقا .. مما حدا بالكثيرين .. ومنهم الفيفا الى تجربة إدارة المبارايات بحكمين ، لكن هذا الأمر لم يحسم أمره بعد .. خاصة وأن التجربة في مراحل الدراسة التحليلية .. وقد أشار بلاتر الى أمكانية اللجو اليها في حالة عدم السيطرة على الأخطاء بالطرق التقليدية .. علما بأن المادة المكونة لكرة القدم ذاتها قد أصبحت داخلة في هذا السجال التحكيمي .. لإعانة الحكم في حسن إدارته للقاء .
فقد أنتجت شركة ( إيجنت ستراتيجيك إنتليجنس إيمبسي ) جيلاً جديداً من الكرات الذكية المستخدمة في لعبة كرة القدم ، أطلق عليها اسم ( سيترس ) وتتميز هذه الكرة بخصائص متعددة ، إذ إنها لا تفقد الهواء من داخلها ، كما انها شفافة ، بحيث يمكن رؤية محتواها الداخلي بالعين المجردة . ويعتمد عمل تلك الكرات على أساس الخصائص الميكانيكية للمواد المكونة لها ، فهي مصنوعة من مادة الاستومر لتكتسب المرونة اللازمة ، مقارنة بكرات القدم العادية ، كما تحتوي على لواقط ومعالج بيانات داخلها ، ويتغير لونها لعرض حالات في المباراة ، مثل الهدف ، والتسلل ، والركلة القوية وسرعة الركلة ، ولمسة اليد ، وخصائص أخر كثيرة .
وبحسب الشركة المصنعة ، فإن لون الكرة الذكية يتغير إلى الفوسفور البنفسجي عند تسجيل هدف ، كما يتغير عند التسديد بقوة ويتحول لونها الى الاحمر، وهكذا يمكن تحديد هل الكرة على خط المرمى أو خارج ميدان اللعب ، وبكل دقة عن طريق نظام تحديد المواقع (جي بي إس) مما يتيح للحكام إمكانية معرفة الحالة التي تكون عليها الكرة ، لحسم اللقط الذي يدور في كثير من الحالات ، مما يجعلهم كذلك قادرين على إتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب .
وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي الذي برز أخيراً من خلال الكرة الإلكترونية الذكية مع انطلاق بطولة كأس العالم 2010 ، التي تجري فعالياتها الآن في جنوب إفريقيا ، لكن تبقى مشكلة الأخطاء التحيمية أمرا مقلقا .. خاصة حينما تكون هذه الأخطاء مؤثرة على النتيجة العامة .. علما بأن البعض يرى أن النتيجة إن لم تكن مؤثرة في المستوى العام ، فهي تكون مؤثرة في الوقت التي تحدث فيه .. وخير مثال على ذلك مبارة المانيا وإنجلترا التي إنتهت بهزيمة إنجلترا بأربعة أهداف مقابل هدف واحد ، لأن الوقت الذي لم يحتسب فيه هذا الهدف كان وقتا حرجا .. وربما تسبب هذا القرار الخاطيء في إنهيار الفريق الإنجليزي ، وربما كان يمكن أن يتماسك ويؤدي بصورة أفضل .
هذا الأمر جعل رئيس الوزراء البريطاني يستقطع بعضا من الوقت المخصص للسياسة ، للحديث عن الرياضة ، متناولا الأمر الذي بات يشغل جميع الناس في إنجلترا .. والذين يرون أن كرة القدم يجب أن تستعين بالتكنولوجيا الى أبعد قدر ممكن ، لتفادي الأخطاء التحكيمية ، حيث مازالت إنجلترا تجتر الهزيمة المذلة التي لحقت بها من المانيا .
كذلك أظهر استطلاع للرأي على شبكة الإنترنت ، نشرتة صحيفة ( ماركا ) الرياضية الصادرة في مدريد نتائجه منذ يومين ، أن المشجعين الأسبان يؤيدون بشدة استخدام التكنولوجيا في ملاعب كرة القدم ، ويشاطرهم في ذلك الجمهور الإيطالي .
وبذا يكون هذا السجال قد أعاد الجدل القديم المستمر ، حول التكنولوجيا وكرة القدم .. حيث يرى كثيرون أيضا أن دخول التكنولوجيا بثقلها على كرة القدم قد يفسدها ، ويجعلها لعبة مشابهة لكرة القدم الألكترونية ، التي يتلهى بها الأطفال .. وهذا ربما يضيّع أبرز ما يميزها .. وهو التفاعل الإنساني .
وتعالوا بنا نتخيل أن حكما ما أوقف الكرة لثوان قليلة ، لرؤية الشاشة الكبيرة داخل الإستاد ، بغرض مشاهدة الإعادة التي سيقدمها حينئذ ( قسم خاص تابع للفيفا ) .. وبعدها سيتخذ الحكم قرارا في المبارة .. لا أعتقد نظريا ، أن هذا الأمر يمكن أن يكون مفيدا لكرة القدم .. لأن مايميزها الان هو ذلكم السجال الذي فيها .. بجانب هذه النسبة التقديرية من الأخطاء التي تلازمها بحسن نية . ثم ماذا عن الدوريات المحلية ؟؟ .
لكن هذا الرأي ليس على الإطلاق ، لأن بعض الحكام يرتكبون أخطاء فادحة وجوهرية .. ناهيك عن الأخطاء التي ربما تكون مقصودة بذاتها للتأثير على النتيجة .. لذا فإن أمر إستخدام التكنولوجيا بثقلها في مباريات كرة القدم ، سيظل يدور بين مؤيد ومعارض حتى يتسنى للفيفا الخروج بقدر مناسب من الإجراءات التي تحفظ للمباريات قدرا عاليا من النزاهة والعدل ، الى جانب أن تظل كرة القدم لعبة تقديرية ، يكيف فيها الحكم أمر مسارها ، ويظل إمبراطورا يديرها .. مع وجود معينات جانبية ، يمكن أن تعينه على حسن إتخاذ القرارت بصورة دقيقة .
لكن الجانب الأهم في تقديري ، هو روعة المفاهيم الرياضية التي تسود الممارسة .. فكل من رأى مباراة المانيا وإنجلترا ، شاهد الإنضباط الذي تحلى به الإنجليز .. رغم إحساسهم بمرارة الظلم .. إذ لم يحتج أي لاعب منهم ، بعنجهية ، رغم الإمتعاض الذي كان فيهم ، وظلوا يفكرون في الكرة ، وركزوا كل همتهم في المبارة .. فلو حاولنا إسقاط ما حدث على مباريات فرقنا ، فقد كنا سنشاهد إحتجاجات تصم الآذان .. لأننا لا نتحسّب للمنطق .. ولا نفكر في مآلات الفعل .. فقد عرف الإنجليز أن عامل الزمن هو الأهم ، وأن الإحتجاج لن يحي ميتا ولن يعيد مفقودا .. لذا فقد أثروا الصمت الحكيم ، وهم يتذوقون مرارة الظلم التقديري ، وفي مباراة تعني بالنسبة لهم الكثير ، وفي محفل له طابع خاص في صفحات التاريخ .
ترى متى يمكن أن تسودنا الروح الرياضية مياديننا ؟؟
………
ملء السنابل تنحني بتواضع … والفارغات رؤوسهن شوامخ
……..
صلاح محمد عبدالدائم شكوكو
shococo@hotmail.com