تحقيقات وتقارير
قرارات 4 رمضان .. ذكرى عصية على النسيان
ووصف البشير وقتها ذلك الإجراء، بأنه استعادة« لهيبة السلطة»، وقال ان «سفينة البلاد لا يمكن أن يقودها قبطانان»، ردّ الدكتور حسن الترابي وأعتبر هذه القرارات، «انقلابا عسكريا»، ورأى أن البشير خان التنظيم السياسي الذي أعطاه ثقته، وانتهك بشكل فاضح الديمقراطية والحرّيات الواردة في الدستور.
جذور الخلاف بين طرفي الحركة الإسلامية يُرجِعها البعض إلى بداية التسعينات ومبعثها الاختلاف على إدارة دفة الحكم في البلاد بين الرئيس عمر البشير ورئيس البرلمان والأمين العام للمؤتمر الوطني في ذلك الوقت الدكتور حسن الترابي، وهو اختلاف عبر عنه الرئيس عمر البشير بتشبيهه السودان بسفينة تبحر وسط عاصفة هوجاء تحت قيادة قبطانين متنازعين، بيد أن الطرف الاخر لعتبرها خلافا فكريا يتعلق بالحريات والشورى وإحترام، التنظيم، والانصياع للقانون وللدستور.
وتفاقم الخلافات بين البشير والترابي ترتبت عليه قرارات البشير في الثاني عشر من ديسمبر عام 1999 ، اتبعها في وقت لاحق بقرارات أخرى جمد بموجبها نشاط الترابي كأمين عام للمؤتمر الوطني ونشاط جميع نوابه.
وحسب الدكتور الطيب زين العابدين الاسلامي الذي انزوى مبكرا عن المشاركة في الانقاذ لرفضه مبدأ الانقلاب العسكري، فإن البشير قصد من تلك القرارات قطع الطريق على الدكتور الترابي أن يمضي قدما في التعديلات الدستورية التي كان يناقشها البرلمان، والخاصة بتغيير كيفية انتخاب الوالي، وانتقالها من مجلس الولاية بترشيح من رئيس الجمهورية إلى عامة الناخبين في الولاية، وإلى إمكانية إعفاء رئيس الجمهورية بواسطة ثلثي أعضاء البرلمان، وقصد الرئيس البشير بإعلان حالة الطوارئ إعطاء نفسه صلاحيات الاعتقال التحفظي، وتقليص الحريات السياسية إذا ما أبدى أنصار الترابي أي معارضة لتلك القرارات، وبتعطيل مواد الدستور المتعلقة بانتخاب الولاة استطاع البشير أن يغير من الولاة الحاليين كل من ينحاز إلى جانب الدكتور الترابي، فالقرارات تعني في المقام الأول مواجهة الدكتور الترابي الذي يستغل موقعه كرئيس للبرلمان وكأمين عام لحزب المؤتمر الوطني في تضييق صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي بدأ يستقل شيئا فشيئاً عن أبوة الشيخ الترابي لسلطة الإنقاذ، واعتبر الدكتور الطيب في مقالة نشرت له في موقع إسلام اونلاين، ان تلك القرارات خروجا على الدستور وعودة إلى الإجراءات الاستثنائية التي اتسم بها الانقلاب العسكري قبل تاريخ إجازة الدستور الحالي في يونيو 98 م.
من ناحية اخرى، فقد أظهرت مفاصلة الاسلاميين في السودان العديد من المواقف التي كانت خابئة طيلة السنوات التي كان الترابي فيها عنصرا أساسيا لحكم الانقاذ سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وكشفت المفاصلة معادن بعض الرجال الذين ظلوا سنوات طويلة يظهرون خلاف ما يبطنون، ورفعت الحجاب عن اخرين كانوا دائما في الخفاء، وأوحت لجهات معادية بأفكار عديدة للنيل من التنظيم الاسلامي الذي جاء الى السلطة عبر انقلاب على نظام منتخب، بل أن دولا فشلت في اخفاء احتفائها بصراع الاسلاميين، وسارعت لإعلان مساندتها لواحد من الطرفين المتخاصمين.
ولم تتردد مصر التي حرمتها الانقاذ في بداياتها من لعب أي دور في الشأن السوداني، في دعم البشير في صراعه مع جناح د. حسن الترابي، وقد جاء رد الفعل المصري سريعا متجاوزا بذلك موقف المراقب للأحداث إلى موقف الانحياز الكامل للفريق البشير، بل يذهب البعض إلى ان مصر كانت ترغب -إذا تطلب الأمر- تقديم دعم عسكري مصري للسودان ولم يتوقف الموقف المصري عند هذا الحد، بل سعت القاهرة إلى توسيع دائرة التأمين والدعم للبشير ضد الترابي وإشراك ليبيا والسعودية في هذا الدعم حيث قام الرئيس مبارك بجولة خليجية مفاجئة شملت السعودية وقطر والبحرين وكانت من أولوياتها: تدارس الأوضاع في السودان، وحشد دعم عربي لخطوات البشير، بالإضافة إلى القمة غير المتوقعة التي دفعت الرئيس المصري حسني مبارك إلى السفر إلى طرابلس -التي تعتبر أحد اللاعبين المهمين في المعادلة والاجتماع بالرئيس معمر القذافي ليُخرجا بيانا مشتركا وقويا أكد «دعم البلدين الكامل للقيادة السودانية وتأييدها للقرارات الشرعية التي اتخذها الرئيس السوداني».
وفي رأي البعض فإن الموقف المصري ظهر وكأنه محاولة لقطع الطريق أمام أي جهد ليبي منفرد لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع، أو طرح آليات الخروج من الأزمة في السودان مع كل خطورتها وتداعياتها المحتملة، بينما اعتبر البعض أن التأييد المصري للبشير هو مخطط مصري أمريكي يفتح الباب أمام التدخل الأجنبي، وهو أمر يحتاج لكثير من المراجعة والتدقيق، حيث كان الوضع في السودان ولا زال إحدى القضايا الخلافية بين القاهرة وواشنطن لاختلاف مصالح ودور كل طرف.
كما يمكن تفسير الموقف المصري انذاك، في ضوء العداء العلني والمستحكم بين القاهرة وتوجهات الدكتور حسن الترابي الذي حملته منذ البداية مسؤولية تدهور العلاقات بين البلدين، والتي وصلت في منتصف التسعينيات إلى درجة المناوشات العسكرية والخلاف حول مثلث حلايب، بالإضافة إلى اتهام مصر مجموعات الترابي برعاية قيادات التطرف المصرية واتهام عناصر اسلامية سودانية بالتورط في محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس مبارك في أديس أبابا في عام 1995، كما تزعم القاهرة أن الترابي مسؤول عن حملة الإجراءات التصعيدية ضد المصالح المصرية في السودان، ومصادرة الممتلكات المصرية.
ووفقا لتقييمات كثير من المراقبين فإن مصر كانت ترى أن التعامل مع المؤسسة العسكرية في السودان هو الأسهل، وترى أن نهاية نفوذ الترابي يفتح الطريق واسعا أمام علاقات قوية مع الخرطوم وتسهيل مهمة تحقيق المصالحة بين الحكومة والمعارضة، كما انتهزت مصر تلك الأحداث لتعيد تأكيد دورها في السودان بعيدا عن الولايات المتحدة لعدم تمكينها من الاستفراد به من خلال وضع جميع أوراق الحل في يدها سواء بواسطة مبادرة الإيجاد ورفض المبادرة المصرية الليبية، أو باتخاذ قرارات منفردة من جانبها بالتدخل المباشر.
وكانت هنالك العديد من المبادرات التي حاولت رأب الصدع بين المنشقين الاسلاميين في السودان، أبرزها التي شكلها المؤتمر الوطني نفسه برئاسة البروفسير عبد الرحيم علي، والمبادرة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ووساطات من الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عبد المجيد الزنداني من اليمن إلى الخرطوم؛ للتوسط بين طرفي النزاع، كما قاد امير قطر وساطة بين البشير والترابي، بيد ان كافة المبادرات وصلت الى طريق مسدود.
ويرى البعض أن قرارات الرابع من رمضان كانت بداية لنظام حكم جديد، إذ شهدت السنوات التسع الماضية منذ المفاصلة تحولات سياسية كبيرة وحاسمة في مجرى السياسة السودانية.
وعلي ضوء هذه التحولات شهدت البلاد بروز وضعية سياسية جديدة شملت تغييرات اساسية في النظام السياسي وتركيبة الحكم والقوى الحاكمة وعلاقة المركز بالاقاليم وعلاقات البلاد الاقليمية والدولية.
ودفع ذلك بالضرورة، البلاد الى تحديات جديدة، واعادة رسم الخارطة السياسية بصورة مختلفة عما كان عليه الحال قبل المفاصلة. فبعد مفاوضات ممتدة لاكثر من عامين اكتملت اتفاقيات السلام في ضاحية نيفاشا الكينية، وادى هذا التطور الهام في بداية عام 2004 الي حراك سياسي واسع وسط النخبة الحاكمة وحلفائها والحركة الشعبية وقوى التجمع الوطني الديمقراطي وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى الشمالية والجنوبية علي السواء.
يصف الدكتور حيدر ابراهيم علي، مدير مركز الدراسات السودانية مفاصلة الاسلاميين، بانها انقسام كبير بين المجموعة الحاكمة «المؤتمر الوطني» من جهة وقياداتها التاريخية ممثلة في د. حسن الترابي ومجموعته «المؤتمر الشعبي» من جهة اخرى. وهو انقسام واسع وعميق أدي الي اضعاف المجموعة الحاكمة وأفقدها مشروعيتها الفكرية والسياسية وحولها الي عصبة سلطوية لا هدف لها سوى البقاء في كراسي الحكم.
ويعتقد ان هذا الانقسام والصراع المتواصل المرتبط به ظل يشكل هاجساً اساسياً في تحرك الحكومة وحزبها الحاكم في المجالات الأمنية والسياسية طوال السنوات الثلاث السابقة. وموقف حزب المؤتمر الشعبي من التسوية السياسية الجارية ظلت له تأثيراته وانعكاساته داخل صفوف الحزب الحاكم وفي توجهات الحكومة ومواقفها العملية، وله بالتأكيد تأثيراته المباشرة وغير المباشرة في الخلافات والاستقطابات الجارية وسط الحزب الحاكم والحكومة حول التسوية السياسية الجارية بين المتشددين والمعتدلين، بين المدافعين عن التنازلات والتراجعات المتضمنة في اتفاقيات السلام باعتبارها استحقاقات تفرضها ضرورة البقاء في كراسي الحكم باعتبارها تنازلات تتضمن أساسيات المشروع الحضاري الاسلاموي.
ويقول الدكتور حيدر أنه أثناء المفاوضات في نيفاشا واقترابها من الوصول الي اتفاق نهائي وشامل، زادت حاجة الحزب الحاكم والحكومة لاعادة ترتيب أوضاعها وتمتين وحدتها الداخلية. ففي ابريل2004 الماضي عقدت النخبة الحاكمة المؤتمر السادس لما يسمى الحركة الإسلامية. وهي تنظيم أنشأته بعد انقسام د. الترابي تحت اسم «الكيان الخاص» بهدف تجميع الاسلاميين وتوحيد صفوفهم ورؤيتهم في إطار المؤتمر الوطني الذي يضم مجموعات اخرى من الشماليين والجنوبيين، المسلمين وغير المسلمين. وانعقاد المؤتمر بشكل علني لأول مرة كان يستهدف توحيد موقف النخبة الحاكمة حول اتفاقيات السلام بشكل رئيسي، حيث خاطبه رئيس الجمهورية كأنه يرد علي حيثيات المعترضين حول التنازلات المتضمنة في بروتكولات نيفاشا. وتحدث عن ضرورة تحول الحركة الاسلامية الي حركة اجتماعية عريضة تستهدف نشر قيم الدين ودعم البناء الاخلاقي للمجتمع ونشر ثقافة الاسلام وتوحيد الصف الاسلامي والوطني وعكست مداولات المؤتمر اختلافات واستقطابات حادة تجسدت في التنافس حول منصب الأمين العام للحركة بين علي عثمان محمد طه وغازي صلاح الدين، وفوز الاول بنسبة محدودة من مجموع اعضاء المؤتمر. واشارت بعض الصحف المحلية الي تغيب عدد كبير من الاعضاء في جلسة التصويت، والي ان فوز طه يعني ربط الحركة بالمجموعة المسيطرة فعلياً علي السلطة تحت قيادة النائب الأول. هذه الخطوة ارتبطت بحملة سياسية وأمنية عنيفة علي حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور الترابي وذلك باتهامه بالتدبير لمحاولة تخريبية لزرع الفتنة وتمزيق وحدة البلاد وادخالها في فوضى عارمة. وفي وقت لاحق اتهم الحزب بمحاولة انقلابية. وشملت الحملة اعتقال اعداد كبيرة من قياداته وتقديمهم للمحاكمة وذلك كخطوة لتصفيته سياسياً وتنظيمياً وفرض المؤتمر الوطني «والحركة الاسلامية في داخله» باعتباره الحزب الغالب والمعبر عن الشعارات الاسلامية دون منافس.
وفي جانب العلاقات الخارجية شهدت الاعوام القليلة التي تلت المفاصلة تطوراً واسعاً في علاقات الحكومة الخارجية، وتمكنت الحكومة بعد احداث سبتمبر 2001 وابعاد الترابي من السلطة، من تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية. وتوطدت هذه العلاقات في السنوات اللاحقة من خلال الدور الهام الذي لعبته هذه الدول، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا, في عملية السلام. وهذه الدول ظلت تمارس الضغوط المباشرة وغير المباشرة علي الحكومة والحركة من أجل الوصول الي اتفاقيات السلام. وذلك من خلال منبر شركاء مبادرة الإيقاد. وقد أدت هذه التطورات الي تدويل الأزمات السودانية، ومع ذلك ظلت العلاقات بين السودان وهذه الدول تشهد توترات من وقت لآخر، وذلك بسبب عدم الثقة في الحكومة السودانية. ولهذا السبب اصدرت الحكومة الامريكية «قانون سلام السودان» في عام 2002 لمعاقبة اي طرف يعمل علي عرقلة مفاوضات السلام.ومع اقتراب نهاية المفاوضات اصدرت قانوناً آخر اسمته «قانون سلام السودان الشامل» في نوفمبر الماضي ووقعه الرئيس الامريكي في 27 ديسمبر 2004م، في الوقت نفسه طلبت الحكومة الامريكية من طرفي التفاوض الغاء بند العفو في نصوص اتفاقيات السلام وضمنت موافقة الحركة علي ذلك. وتقول الاوساط الصحفية ان الطلب يستهدف امكانية محاكمة بعض المسؤولين في نظام الانقاذ بجرائم متعددة. ويهدف القانون الي محاكمة مسؤولين كبار بتهم المشاركة في التخطيط والتنفيذ لانتهاكات ضد الإنسانية ومذابح جماعية في دارفور بالاضافة الي تجميد ارصدتهم وممتلكاتهم وابعادهم والمسؤولين المتورطين في سياسة الابادة الجماعية في مواقعهم الحكومية الخ… ويشير القانون الي الضغط علي مجلس الأمن الدولي لاتخاذ اجراءات مماثلة ضد الحكومة في دارفور، والواضح ان القانون يستهدف الحكومة وحزبها وقيادات ارتكبت تلك الجرائم. والملفت انه صدر مع توقيع الحكومة والحركة علي اتفاقيات السلام الشامل، بما يعني امكانية تطبيقه في بداية الفترة الانتقالية لضمان تنفيذ اتفاقيات السلام وربما لابعاد عناصر وقيادات حكومية معينة من المشاركة في تركيبة السلطة الانتقالية القادمة.
ومن جهة اخرى ،سارت أزمة دارفور في نفس طريق التدويل بصورة اسرع واوسع من خلال قرارات ومتابعات الاتحاد الافريقي ومجلس الامن الدولي. وذلك بسبب مناورات الحكومة وتعنتها ورفضها للحلول الوطنية الداخلية واصرارها علي استبعاد واقصاء القوى الوطنية الأخرى.
و يتفق معظم المحللين على أن ظهور قضية دارفور الى واجهة الاحداث كانت النتيجة الابرز من تداعيات مفاصلة الاسلاميين، حيث ادى انفجار أزمة دارفور بشكل واسع الي حدوث كارثة انسانية وانفلاب أمني في المنطقة، وتبع ذلك اهتمام دولي كبير بالمشكلة وصل ذروته بتدخل الاتحاد الافريقي ومجلس الأمن الدولي الذي اصدر قرارات تدعو الحكومة الي ايقاف نشاط المليشيات التابعة لها وخاصة مليشيات الجنجويد، وتسهيل عمليات الإغاثة للمتضررين والنازحين من سكان الإقليم. وبذلك تحولت أزمة دارفور من مشكلة محلية الي مشكلة اقليمية «افريقية» ودولية تشكل بنداً ثابتا في جدول اعمال الاتحاد الافريقي ومجلس الأمن الدولي منذ يوليو2004 الماضي حتي الان، وفي الداخل اثارت الأزمة اهتمام كافة القوى السياسية والاجتماعية بحكم تأثيرها الحاسم في مجرى الصراع السياسي الجاري في البلاد وفي اوضاعها السياسية وعلاقاتها الخارجية. وانعكس ذلك في تراجع الاهتمام المحلي والخارجي بعملية السلام الجارية، بل أدى الي تعسر عملية تطبيق الاتفاقية.
وانفجار أزمة دارفور نفسها كان في بعض جوانبها ردّ فعل عنيف علي اختلالات اتفاقيات نيفاشا وتجاهلها للاقاليم الشمالية والمهمشة والمستبعدة.
وظل المؤتمر الوطني، منذ المفاصلة، يواجه مشكلة ترتيب أوضاعه وعلاقاتهما لمواجهة المتغيرات الاساسية التي فرضتها عملية السلام الجارية وتداعياتها في المسرح السياسي العام، ويشمل ذلك استمرار سيطرتها علي مقدرات البلاد، وخاصة سيطرتها الأمنية والاقتصادية.
ومع ذلك يبدو ان التحول الذي افرزته اتفاقية نيفاشا، يعبر عن تململ وخلافات واسعة في اوساط الحكومة وحزبها الحاكم ترتبط باساسيات مشروعها الحضاري واحتمالات خلخلة واضعاف سيطرتها السياسية والاقتصادية علي البلاد. وفي هذا الإطار هنالك ايضاً انتقادات ومواقف د. غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية، والذي ظل يقود الوفد الحكومي للمفاوضات حتى نهاية العام 2003م. وحلّ محله علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية الذي يمثل مركزاً رئيسياً وسط النخبة الحاكمة. وهي انتقادات تركز علي التسرع في تحويل قيادة المفاوضات للنائب الأول وتقديم تنازلات اساسية في اتفاقيات الترتيبات الأمنية والعسكرية وقسمة الثروة وعدم استيعاب القوى السياسية الأخرى في عملية السلام، والتراجع عن اعطاء الأولوية للوحدة الوطنية خلال الفترة الانتقالية، واستبدالها بخطوات عملية لفصل الجنوب منذ الآن. وموقف غازي صلاح الدين يكتسب أهميته من موقعه القيادي في الحزب الحاكم والحركة الاسلامية وفي السلطة التنفيذية منذ اللحظات الأولى لانقلاب يونيو 1989 حتي نهاية العام الماضي.
وهذه الانتقادات وغيرها بمواقعها المتعددة والمختلفة تعكس خلافات واسعة وعميقة داخل صفوف النخبة الحاكمة ، وتشير الي وجود تململ واستقطابات حادة في اوساطها وشعور بفشل مشروعها السياسي بعد تجربة الانفراد بحكم البلاد لأكثر من 19 عاماً.
وحسب الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين، الذي نشر كتابا عن نزاع الاسلاميين في السلطة، فان تداعيات مفاصلة الاسلاميين ما تزال مستمرة، ومتمثلة في الأزمة التي تعيشها دارفور، ويرى أن أزمة الاقليم هي وليد شرعي لخلافات الاسلاميين.
ورأى في اتصال امس مع «الصحافة» أمس أن قرارات الرابع من رمضان، كانت دوافع البعض منها خالصة من أجل تطبيق المشروع الذي جاء من اجله الاسلاميون الى السلطة، لكنه رأى أن التأييد الاقليمي والترحيب الدولي لتلك القرارات دفع هذه المسألة بصورة القت بكثير من الاسلاميين في الهامش.
وذهب الدكتور محي الدين في تقييمه لاثار مفاصلة الاسلاميين، الى انها ادت الى تهديدات تنذر بضياع البلاد، عقب الاتهامات التي وجهها المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية للرئيس البشير، فضلا عن المهددات التي تواجه المشروع الاسلامي نفسه.
وقال انه ليس متفائلا لجهة رأب الصدع من جديد بين «الشعبي» و«الوطني» ورأى المؤتمر الوطني الذي ينتمي اليه، ليست لديه الرغبة في وحدة الحزبين، واعتبر ان ذلك الامر وضح بشكل كبير في التصريحات التي اطلقها نائب رئيس الجمهورية والامين العام للحركة الاسلامية علي عثمان محمد طه خلال المؤتمر السابع للحركة الاسلامية الذي عقد في الخرطوم قبل شهر، ورأى الدكتور محي الدين انها تعبر عن تيار غالب لقيادات حزب المؤتمر الوطني، والتي لا ترغب في الرجوع للعمل تحت إمرة الترابي، وقال ان خطة المؤتمر الوطني كما أعلن ذلك نائب رئيس الحزب الدكتور نافع علي نافع، تستهدف الاتصال بافراد ومجموعات في المؤتمر الشعبي لاقناعها بالانضمام للمؤتمر الوطني، وليس الاتصال بالمؤتمر الشعبي كمؤسسة.، وذكر ان هذا الامر يعود الى ان الترابي اصبح خميرة عكننة، ويظهر كأنما يتعمد إثارة قيادات المؤتمر الوطني، وهو يدرك انهم يتحركون بردود الافعال، واعرب عن امله في أن يبتعد الترابي عن الاثارة والمشاحنات وبنفس القدر ان يبتعد المؤتمر الوطني عن ردود الفعل الحادة تجاه ما يصدر عن الترابي.
من جهته، يرى الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي الاستاذ كمال عمر، ان تداعيات المفاصلة الشهيرة في الرابع من رمضان، أكدت على ان الانقسام بين «الشعبي» و«الوطني» كان بين مجموعتين الاولى التي ايدت السلطة، والثانية التي ساندت الفكرة.
ويرى الأمين السياسي للشعبي في حديث لـ«الصحافة» امس ان المفارقة طيلة هذه السنوات كانت بين الحق والباطل، ورأى ان الخلاف حول الحريات واللامركزية وحكم الدستور والقانون، دفع بإندلاع الثورة في الاقاليم في كل انحاء البلاد، وخاصة غرب البلاد، حيث وصلت التداعيات الى إصدار مذكرة اتهام ضد الرئيس.
وحمل الذين اختاروا الانحياز للرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني، مسؤولية التدخل الدولي في شؤون البلاد، وشطب الدين تماما عن الحياة العامة عبر اتفاق نيفاشا، والموافقة بما أسماه «دستور مستورد»، ورأى ان الوضع السياسي المتأزم حاليا، هو نتيجة طبيعية للمفاصلة التي وقعت عام 1999م.
أخيرا، يبدو أن تداعيات مفاصلة الاسلاميين ما تزال مستمرة، وأن الصراع الذي لم يتوقف اصلا، مرشح لفصل جديد، خاصة بعد الزيارة الاخيرة التي قام بها زعيم حزب المؤتمر الشعبي الى جنيف، وصاحبتها حملة انتقادات صحفية وسياسية من قبل مؤيدي وانصار حزب المؤتمر الوطني، لكن مواجهة الاسلاميين الجديدة لا تزال مجرد إتهامات متبادلة، لكن يخشى ان تتطور بشكل اكبر في الايام القادمة.
خالد سعد: الصحافة [/ALIGN]
قرارات الرابع من رمضان جعلت الترابي كالذي يتخبطه الشيطان ولم يفق من لحظتها ولا يدري ماذا يقول ولا اين هو ( والله ضربة معلم من البشير ) ولو في حسنة وحيدة للانقاذ لكانت انها ريحت السودانيين من الترابي الذي لن يرى السلطة مرة اخرى ان شاء الله لانه تعرى من كل شيئ جماهيريا وعسكريا فيا جماعة كبروا معي اربعا لوفاة الترابى
ماحدث دفع نتيجته السودان ارضا وسكانا كانت ضربة معلم فعلا اخذت ثلث السودان وكل اموال البترول وفقد السودان البوصلة . هي طعنة في خاصرة السودان من العسكر الذين لن يستوعبوا أن تكون هناك دولة مدنية تحترم الانسان