منى سلمان

في اللواء .. قضينا ليلة ساهرة

[ALIGN=CENTER]في اللواء .. قضينا ليلة ساهرة[/ALIGN] المستشفيات الخاصة، بطرحها لميزة رفاهية العلاج المصحوب بالخدمات الفندقية، كانت متوفرة فقط لسكان الخرطوم ومن شد الرحال إليها مستشفيا، فحتى وقت قريب كان مريض الاقاليم ليس له بديل خاصة في الحالات الطارئة سوى حوادث المستشفيات الاقليمية بـ (حالا البغني عن سؤالا) وعن سؤال الاغنام التي ترعى في سلام مع ذئاب الجراثيم والمكروبات وسط اسرّة المرضى، فهي – المستشفيات- ورغم البيها، إلا أنها المكان الوحيد الذي يمكنك الاطمئنان على حصولك فيه على الادوية المنقذة للحياة، والأهم الحصول على العناية الطبية الاسعافية إن شئت أن لا تموت في طريقك للخرطوم ..
اختبرت تلك الحقيقة يوم كنا نقضي واحدة من اجازات العيد بمدينة ود مدني، فبعد أن أسرف العيال على أنفسهم بالجري والتنطيط في مناسبة زواج أحد الاقرباء، وكانت ليلة شتائية شديدة البرد، ناموا لنستيقظ بعد منتصف الليبل على حشرجة انفاس ابني الصعير لاصابته بنوبة حادة من الالتهاب الرئوي .. اصابني الرعب والارتباك، فعندما تصيبه هذه الحالة ونحن في الخرطوم، كنا نتوجه لأقرب مستوصف من البيت حيث يتلقى العلاج المعلوم بـ (الثلاثي المرح) .. الاكسجين والهايدروكورتيزون مع البنسلين المائي، ويقضي ليلته بالمستوصف لنعود للبيت في اليوم التالي حامدين لله ان مرت الازمة بسلام ..
أول افادة جاءتني من الأهل ليلتها، هي عدم وجود أي مؤسسة علاجية تستقبل الحالات المستعجلة، سوى وحدة حوادث الاطفال بمستشفى مدني العام، والتي تسمى بـ (اللواء عشرين) .. تخيلت عندما سمعت الاسم أنها جهة تابعة للجيش فاطمئن قلبي قليلا .. على الاقل (كده) يمكن ان نضمن الحد الادنى من الانضباط والشغل النضيف .. فـ الحكاية فيها لواءات !!
انتظرت حضور (سيد الاسم) الذي كان ينام مع اهله في (الحلة)، ثم توجهنا من فورنا إلى المستشفى رغم قنعانه الظاهر من خيرا فيها، فبخبرته السابقة بـ (الحاصل)، حاول ان يقنعني بان نحضر العلاجات المطلوبة من اقرب صيدلية ثم نقوم باعطائها للصغير بانفسنا، ولكني رفضت الفكرة واصريت على الذهاب للمستشفى فالحالة لا تحتمل المجازفة، ولكن سرعان ما بدأت الصورة تتضح لي و(افهم حاجة) بعد أن تجاوزنا في عتمة الليل بوابة المستشفى ..
في البدء وحسب خلفية الاسم تخيلت اننا دخلنا لثكنة عسكرية، فقد لاحت لي (دهم) مباني متفرقة تشبة عنابر الجنود، ثم انتبهت لـ رايات ترفرف على الاشجار وتحتها يفترش الارض وينام الكثير من الخلق !! وبالاقتراب منها تبين لي ان معضمها عبارة عن (تياب) وملابس نسائية فتحير الشاويش مني وسألت نفسي .. ده لواء شنو العساكرو نسوان وكمان تيابهم ملونة ؟!!
قمنا بركن العربة بالقرب من كوم حجارة و(دراب) تعلوه أكوام من الاوساخ والنفايات ودخلنا اللواء .. بحثنا عن الطبيب (النبطشي) فدلّونا على مكانه .. دخلنا عليه في مكتب لم اميز ما اذا كان مخزن أم (اوضة الكرار) .. وجدنا شابا صغير السن طلق المحيّا أوقع الكشف على الصغير بالكثير من الاهتمام والجدية ربما ليحسسنا بأنه (مالي مركزو)، ثم حولنا للعنبر لاخذ العلاجات والمبيت حتى الغد .. علمنا ان الحكاية فيها عنبرين توجهنا لـ الاولاني فصدنا عنه جموع المكسرين على مدخله بأنه (محل ترش الملح ما فيهو) فغادرناه للثاني الذي دلتنا عليه الروائح الطيبة .. قفزنا فوق اجساد المرافقين النايمين على الارض، واستأذنا لتجاوز المستيقظين منهم دون أن نسمح للبطر بأن يلفتنا لبقايا الاوساخ و (اللوايق) من بقايا القيء على الارضية، والتي تشكل (ميديا) صالحة للزحلقة وكسر المخاريق، حتى وصلنا لطاولة رئيسة العنبر في نهايته ..
فضلت الخروج بعد ان تم طردي من العنبر بأمر الممرضة كي لا استمع لصرخات الصغير، بعد أن قامت بطعنه أكثر من عشرين مرة لم تتوفق بها في العثور على وريد يصلح لـ (غز الدرب) يا حليلة اظنها جديدة في الشغلانة .. خرجت في العتمة لخارج العنبر وعبرت فوق كومة الطوب والحجارة التي تعترض المدخل، وبعد أن (جيهت لي دفيس وسخ) جلست عليه ابكي وألحف في الدعاء ليخفف سبحانه وتعالى عن صغيري، فقد كانت صرخاته تصلني في الخارج كسكين يخترق جوفي ويحزّ احشائي حزّا ..
طلبوا مني العودة بعد ان (انهردت) أطراف الصغير وتم تركيب الفراشة، وقادتنا الممرضة للسرير الذي يجب ان يرقد فيه لتضع له قناع الاوكسجين، ويا للدهشة وجدت عليه أي السرير اربعة انفس .. طفلتين وامهاتهما !! سألت الممرضة:
نرقد وين يا بت أمي ؟
فأشارت للنسوة وبنتيهما أن (يتزالفن) ويمنحنني (فرقة) لاضعه فيها .. حدثت نفسي (الزولة دي ما سمعت بي فرّقوا بينهم في المضاجع) عايزاني اخت ولدي وسط الفتاتين والله ياهو ؟!!
فضلت ان احمل ابني على حجري واجلس على (طرف السرير) بعد ان (تضايرن لي حبّة)، ولكن كانت الدهشة (الاشد) عندما طلبت الممرضة من احدي الفتاتين ان (تخمّس) مع صغيري قناع الاكسجين، فقد كانت الصغيرة أيضا تعاني من الالتهاب الرئوي لان امها قامت بغسل شعرها بالماء الساخن ليلة (الوقفة)، أما الاخرى فكانت تنام مهدودة بفعل الاسهال المائي (الحايم) كحال ايامنا هذه !
غايتو .. قضينا ليلة ساهرة نتبادل الحكي والفضفضة مع الحريم ونتبادل قناع الاكسجين .. شفطة ليكم وشفطة ليا .. ما اتنين شوية !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫3 تعليقات

  1. هذه مدني التي تعتبر العاصمة الثقافية لسودان العزة فما بال ناس أم طرقن عراض يا أستاذه لا تخميسه ولا غيره أظن بس الأطفال بسكتوهم بالكديسه معقول يا استاذه هذا كله حاصل في مدني الجمال وأنا مالي علي العموم لو دا حاصل نحن رضيانين لأنه في نظري أن مدني هي ند لعاصمتنا الحضارية لا تقل عنها في شي اللهم إلا إنه ما فيها طياره بتقوم ولا مجلس عموم

  2. ألف ألف ألف سلامة على إبن أخى ( سيد الإسم ) ومليون تحية لك أختى منى .

    لقد تطرقتى إلى موضوع مهم جدا وبكل أسف ماقلته كله حقيقة وهذا وأقعنا المرير وأنا أخشى أن تكونى رأيتى أكثر من ذلك وأنا نفسى مريت بنفس الموقف وكان ولدى فصيح جدا أحرجنا عندما رأى الدكتور وسأله (إنت الدكتور ؟ )

    قال ليه أأى ماعاجبك ؟ إعتزرنا منه وبدأ يكشف على الولد وطلع الجوال من جيبه عشان يحسب نبضات الولد مما جعل إبنى يضحك .سأله الدكتور مالك بتضحك ؟ قال ليه فى دكتور بشوف النبض بالجوال ؟

    يااختى الحبيبة هذا حال أهلنا فى مدنى والجزيرة عامة .ودا المزعزعنا وحامينا نقعد وسط أهلنا الخدمات الصحية المتدنية وأذيدك من الشعر بيت فىالعيادات الخاصة

    لازم تحجزى قبل ساعات طويلة .وبعد أن تحضرى إلى العيادة تجدينها مكتظة والدكتور لسة فى بيتو !

    لك التحية

  3. أولا حمدا لله على سلامة الصغير…

    ياهو ده حال السودان(من غير الخرتوم) أها يابت سلمان ده حسع ما تهميش لولاية الجزيرة؟؟؟!!!

    المشكلة غابة مافى ودولة مجاورة نعسكر فيها مافى,غايتو إلا ناس الحكومة

    يعينونا مستشارين رأفة بنا ساااااااااااااااكت.

    ;( ;(