فدوى موسى

العاصفة الهادئة

[ALIGN=CENTER]العاصفة الهادئة[/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]لم تكن يوماً العواصف هادئة بل كان الهدوء دائماً يسبقها.. إلا عاصفة الدواخل المكلومة العصية، الصبر عندما لا تجد اي معبر تنفذ من خلاله فتظل تمور وتغلي في مراجل الأعماق إلى أن تقف عن هيجانها أما لإنتهاء قوتها أو للفظ أنفاسها الداوية فجأة.. وعندما غرقت «سميرة» في «شبر موية» عاصفة الواقع المرير ما بين مثوله ومثاليات التربية الفضفاضة التي لا تجد لها أرضية ثابتة تتمحور وترتكز حولها وفيها بكت بحرقة كل حياتها الماضية فقد اكملت الصف الأول بشق الأنفس وسط أحلام البسطاء بأن العلم يفتح الأبواب العالية المغلقة ولكن التسطير والمرسوم الإلهي لا تصده الأيام إلا تحت رحمة ضيف وإنفراج القضاء والقدر.. «سميرة» بت ست الشاي «عشة» تربت ما بين كنف أمها وحبوبتها بائعة الكسرة لم تكن تعرف نوعاً آخر من الحياة إلا «العرائش والرواكيب» حياة كلها كراتين وخرد.. ورغم غوغائية المحيط من حولها إلا أنها كانت تظن خيراً في الغد ولأنها لم تلبس يوماً ما تتمنى أو أكلت ما تشتهي.. فهي دائماً محل للعطف متلقية لأيدي الإحسان.. فكم لبست على عرق الأخريات بعد أن يزهدن في ملابسهن القديمة.. سميرة رغم ذلك تتقدم في تلك المدرسة الحكومية البالية المبنى.. تتقدم بكل قوة جعلت «المدرسات» يحفلن بسميرة أيما إحتفاء فهي الفقيرة الراغبة في التعلم بإصرار..

عادت «سميرة» بعد إنتهاء يومها الدراسي فلم تجد بيتهم «الهش» فقد أزيلت دعائمه تحت طائلة السكن العشوائي.. لم تكن تعرف أنهم مجرد عشواء في هذه المدينة أناس بلا وجيع.. أشباح تؤذي المظهر السكاني العام.. وبلغة الهمس حدثت نفسها «يا الله الناس طبقات ودرجات.. جاءوا لدنيا بطريقة واحدة وتشبعوا فيها وتسيد بعضهم بعضاً واستبعد البعض الآخر..» هكذا بدأت تنمو في سميرة بواغض تجاه الآخرين .. الآخرين الذين يسكنون البيوت الثابتة وتتلون أجسادهم بلون الراحة ونورتها.. وإن كان هؤلاء لا ذنب لهم.. إلا أنها لم تجد بداً من تنفيس عاصفتها عبرهم.. لم يكن ذنبهم إجتهادهم في الحياة.. ولكن سميرة لم تعرف إلا هذا الطعم الماسخ لعصف الدواخل لا بأس لا بد من مكان آخر تنصب فيه الرواكيب والعرائش «فأرض الله واسعة».. فكان سكنهم الجديد طرف آخر من أطراف المدينة وكان على «سميرة» إثبات مقدرتها في المدرسة التي دلفت اليها هذه المرة من بوابة النظافة وجمع المخلفات وتنظر بعينها للآخريات عندما تبدأ الحصص تتحسر سراً وتهمس «أنه القدر.. وكل زول بيأخد نصيبه» وظلت تتعلق بهذا النصيب والأيام تتوالى وكل أحلامها تصير ضرباً من الرهاب في صحاري التعب والرهق المتواصل.. إلى أن وصلت لعمر الإنطلاق إلى رحاب الزوجية والثنائيات القدرية.. فكان نصيبها «زكريا» العاطل الثمل لأنه الأقرب لظروفها ومستوى حياتها المحيطة.. أمها تعبت من تبعات بيع الشاي وصارت نموذجاً يتعلم عليه طلبة الطب من تلك الجامعة لدوام بقائها بذلك العنبر.. وحبوبتها تحللت أوصالها تحت قهر الكبر والعجز.. لا مفر من زكريا إلا زكريا.

آخر الكلام:

سميرة موجودة بعاصفتها الهادئة جداً.. جداً..[/ALIGN]

سياج – آخر لحظة – العدد 740
fadwamusa8@hotmail.com