سياسية

كلينتون ونافع .. للبسمات ما وراءها ولا ثمن للهدايا المجانية – صورة

بدعوة من الرئاسة ، رافقت الرئيس عمر البشير في رحلة مفاجئة إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا «وتكتب أحيانا أديس أبيبا، والتي تستخدمها الهيئة الأثيوبية الرسمية للخرائط» ، وتعني في اللغة الأمهرية «الزهرة الجديدة»، وجاءت الرحلة الأحد الماضي بعد جهود قادها رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي بشأن السودان ثابو مبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق الذي أقنع البشير ونائبه الأول،رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت بإجراء محادثات لنزع فتيل الأزمة في منطقة أبيي التي خطفت عملية السلام ووضعت ترتيبات انفصال الجنوب الذي تبقت له أسابيع على صفيح ساخن، وأعادت إلى الأذهان مناخ سنوات عجاف من الحرب الأهلية وهي سنوات تركها السودانيون وراءهم ولا يرغبون في تكرارها لأنها أخذت منهم رجالا وخلفت أرامل ويتامى وشعباً منهكاً بأثقال الحياة.
وضم وفد الحكومة مساعد الرئيس نافع علي نافع ووزيري شؤون الرئاسة الفريق الركن بكري حسن صالح والدفاع الفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الدولة برئاسة الجمهورية إدريس محمد عبد القادر، ووزير الدولة للخارجية صلاح ونسي، ووزير الدولة للشؤون الإنسانية مطرف صديق، ووزير الدولة للتعاون الدولي يحيى حسين، ومدير جهاز الأمن الفريق أول محمد عطا، ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية سيد الخطيب، ومسؤول ملف أبيي في المؤتمر الوطني الدرديري محمد أحمد، ونائب رئيس هيئة الاستخبارات اللواء الركن صديق عامر، واللواء الركن عماد عدوي.
وفي ذات اليوم ،وصل أديس أبابا سلفاكير يرافقه والي النيل الأزرق مالك عقار، ووزير التعاون الإقليمي دينق الور ،ووزير الجيش الشعبي نيال دينق، ووزير الصحة السابق عبد الله تية ،ونائب الأمين العام للحركة بالشمال ياسر عرمان، وكوستا مانيبي، وبول ميوم إلى جانب مسؤولين في الجيش الشعبي والاستخبارات.
9517 في قصر هيلا سيلاسي
بعد وصول الوفدين توجها مباشرة الى مقر رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي «قصر الامبراطور هيلا سيلاسي» الذي يرقد وسط حديقة خضراء تحيط بها الزهور ،واستقر الوفد الحكومي في جانب من القصر ، ووفد «الحركة الشعبية» في جانب آخر،واختصرت المحادثات خلال أربع جولات على مدى يومي الأحد والاثنين الماضيين في قاعة فسيحة في الطابق الأرضي من القصر بمشاركة الرئيس البشير وسلفاكير ميارديت بحضور رئيس لجنة حكماء أفريقيا ثابو مبيكي ورئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي والرئيس النيجيري السابق عبد السلام أبوبكر والرئيس البوروندي السابق بيير بويويا،وكان المسؤولون من الوفدين في مقريهما.
بدأت الاجتماعات الرئاسية متوترة حيث طرح الوسطاء مقترحا يدعو إلى جعل أبيي منطقة منزوعة السلاح ونشر كتيبة من الجيش الأثيوبي في المنطقة تحت إمرة الاتحاد الأفريقي بدلا عن قوات حفظ السلام الدولية «يونميس»،وإعادة انتشار القوات المسلحة شمالا خارج أبيي والجيش الشعبي جنوب حدود يناير 1956 ، وتشكيل إدارة جديدة تعنى بتقديم الخدمات،وبدت مواقف البشير وسلفاكير متباعدة وكادت المحادثات أن تصل إلى طريق مسدود عندما طالب سلفاكير بسحب القوات المسلحة من دون شروط وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في21 مايو الماضي تاريخ سيطرة القوات المسلحة على المنطقة، الأمر الذي رفضه البشير بشدة ،ولكن زيناوي لعب دورا في تهدئة الموقف وأجرى مشاورات منفصلة مع الطرفين ساهمت في تذويب حاجز الجليد النفسي وتنفيس ما في الصدور عندما أخرج كل طرف الهواء الساخن على موائد تتوسطها «الانجيرا» وسط أجواء ممطرة ومناخ معتدل غابت عنه الشمس وحضرت فيه أكواب «البنة» التي « تصلح المزاج» وتطرد السأم.
وكان البشير وسلفاكير يعودان إلى وفديها نهاية كل جولة للتشاور مع رجالهما من السياسيين والعسكريين ،وبالطبع كل طرف كان يدرس حسابات الربح والخسارة ،وهامش المناورة والتكتيك وسقف التنازلات الممكنة، ويحدد الخطوط الحمراء،ويبدو أن رحلة المفاوضات الطويلة في نيفاشا أكسبت الطرفين مهارات وتجارب في فنون التفاوض،وبدا أن «الحركة الشعبية» كانت تراهن على الضغوط الدولية و»سيف مجلس الأمن» لحمل الحكومة على تقديم تنازلات،بينما الحكومة تسعى إلى تجنب أية مواجهة مع المجتمع الدولي وتهديد عملية السلام ، الأمر الذي سيفقدها نقاطا في سجل انجازها تنتظر عليه مكافأة ظلت وعودا من دون أن تجني ثمارها.
حفل عشاء صامت
عقب انتهاء الجولة الأولى من المحادثات الرئاسية عاد البشير إلى وفده وكان يبدو عليه الغضب حتى راجت معلومات أن الاجتماع الأول فشل ولكن بعد الجولة الثانية عادت الآمال والتفاؤل،ولكني أحبطت جدا عندما دعا زيناوي الوفدين إلى حفل عشاء في مقر القصر الرئاسي حيث جلس وفدا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلى جوار بعضهما، ولكن كل وفد يتحلق منفصلا ، مما ذكرني بأيام المفاوضات الأولى في أبوجا 1992 ،وغابت روح الإخاء والحميمية الأمر الذي يعكس أن ما علق بالنفوس وما ترسب في الصدور يحتاج إلى جهد كبير لبناء الثقة وتجاوز ما جرى في أبيي وما يدور في جنوب كردفان حتى يأتي انفصال الجنوب في أجواء أفضل وبناء علاقات تستند على التعاون وتبادل المنافع وليس تصدير المتاعب،وعدم إضاعة ستة أعوام من السلام والاستقرار.
عاد الرئيس البشير أمس من أديس أبابا يرافقه الفريقان بكري حسن صالح وعبد الرحيم محمد حسين والفريق محمد عطا،بينما دخل مفاوضو الطرفين في لقاءات أمس لمناقشة تفاصيل ترتيبات أمنية وجديدة في منطقة أبيي حسب مقترح الوسطاء ،كما قدم كل طرف تعديلات على المقترح،الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى دخول «شيطان التفاصيل»، والتفاصيل التي يجري نقاشها تشمل تمويل القوة الأثيوبية وتفويضها ونشرها في المنطقة اذ تطالب «الحركة الشعبية» بأن تمول القوة من الأمم المتحدة وتلبس القبعات الزرقاء، لكن المؤتمر الوطني تحفظ على ذلك وتمسك أن تكون القوة أثيوبية «كتيبة « لحفظ الأمن والسلام وان تكون مرجعيتها اتفاق ثلاثي من طرفي السلام والحكومة الأثيوبية وأن لا يعدل تفويضها أو وضعها إلا عبر اتفاق الأطراف الثلاثة،ولا يرفض المؤتمر الوطني أي تمويل إذا كان غير مشروط،لكن المنظمة الدولية لن تمول قواتا لا تلبس قبعاتها،وتشارك في تحديد تفويضها،والاتحاد الأفريقي يشكو من قلة الفئران في مقره،على كل الباب مفتوح على مصراعيه في هذا الشأن.
القبعات تثير الخلافات
كما يناقش الطرفان تشكيل إدارة مدنية وأيضا هناك كثير من التفاصيل حول صلاحيات وسلطات الإدارية، ويتمسك حزب المؤتمر الوطني بأن تكون مهام الإدارية تقديم الخدمات فقط وان تسند له رئاستها، لأن الإدارية السابقة كان رئيسها من الحركة الشعبية،وكذلك ستحدث مراجعة بشأن نسبة كل طرف.
كما سيناقش الجانبان بعد ملف أبيي، الأوضاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ومستقبل آلاف من القوات التابعة إلى الجيش الشعبي من الولايتين، ويقترح المؤتمر الوطني استيعاب المؤهلين منهم في القوات النظامية «الجيش – الشرطة – الأمن»، وتسريح ما تبقى منهم لكن «الحركة الشعبية» تطالب بترتيبات أمنية جديدة في المنطقتين بعد المشورة الشعبية وهو أمر خارج بروتوكول المنطقتين،ويتحفظ عليه المؤتمر الوطني لأنه يفتح الباب أمام فترة انتقالية أخرى، وفي حال تمسك كل طرف بمواقفه فان النزاع سيكون معقدا مما ينعكس سلبا على الأوضاع على الأرض.
وأتوقع أن يفتح أي اتفاق بشأن أبيي الطريق أمام التهدئة في جنوب كردفان وتسهيل التوصل إلى تفاهم حول الأوضاع في المنطقتين.
كلينتون .. بسمات متبادلة
وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طلبت قبل وصولها أثيوبيا عبر سفارة بلادها في أديس أبابا لقاءً مع مساعد الرئيس نافع علي نافع صباح اليوم الثلاثاء، لكن وفد الحكومة رد عبر السفارة السودانية هناك انه لا يمانع من اللقاء لكن اقترح أن يكون مساء الاثنين،وهو ما قد كان في فندق شيراتون، حيث التقاها نافع وصلاح ونسي،بعد صورة تعكس ارتياحا لدى الجانبين خصوصا أن الاجتماع كان وراء أبواب مغلقة وتجنب الطرفان الحديث إلى الصحفيين، كما أجرت كلينتون محادثات منفصلة مع سلفاكير،ولكن الصورة في المقابل تعكس موقفا جامدا يختلف عن سابقه.
وأعلنت كلينتون دعم واشنطن لنشر قوة حفظ سلام أثيوبية في أبيي، وقالت إن واشنطن تعتقد بأن وجود قوة سلام قوية يجب أن يكون جزءاً مهماً من ترتيبات الأمن في أبيي،وطالبت بسحب القوات المسلحة من أبيي ووقف النار فورا في ولاية جنوب كردفان.
وما يعرف عن الإدارات الأميركية المتعاقبة – ديمقراطية كانت أو جمهورية- أنها براغماتية، وواشنطن تعتبر نفسها الأب الشرعي لاتفاق السلام في السودان وتريد أن يكتمل من دون خدوش أو ندوب تقلل من انجازها،لذلك تستخدم بيد الجزرة، والأخرى العصا الغليظة.
ولم يكن جديدا أنها ظلت تؤكد أنها عند وعدها بمكافأة السودان على السلام برفع العقوبات الاقتصادية وشطب اسمه من لائحة الإرهاب والمساهمة في إعفاء الديون، غير أنها ظلت تربط حزمة الحوافز باستكمال سلام دارفور،والخرطوم يئست من وعود واشنطن لأنها ظلت تنتظرها منذ ابوجا ثم نيفاشا وأخيرا بعد الاستفتاء في يناير الماضي ،وقد يكون مبتغى الحكومة حاليا تجنب «الشرور الأميركية» إن لم تحصل على أي جزرة حتى الآن،ولسان حال كلينتون يقول كما قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق» أميركا لا تدفع ثمنا للهدايا المجانية».
جريدة الصحافة – رئيس التحرير

تعليق واحد

  1. إنتو لسه ياناس الحكومة بتثقوا في أمريكا بعد الحصل دا كلو؟
    الله يعين السودان إذاً..