تحقيقات وتقارير

رجال حول الرئيس .. من هم؟!

مؤخراً، لم يعد غريباً في شىء، أن تقرأ أو أن تصك مسامعك عبارة (رجال حول الرئيس) وذلك في إشارة واضحة لأفراد يتحلقون حول الرئيس البشير وينافحون عنه بضراوة شديدة ولا يقبلون أن يشاك بشوكة في منزله وإن كان ثمن ذلك تدلي أرجلهم من المشانق في مجاهيل صحراء العتمور. الغريب في الأمر، أن ذات العبارة (رجال حول الرئيس) ينفذ بها البعض بخناجرهم مباشرة إلى جسد الأشخاص المحيطين بالرئيس باعتبارهم يشكلون طبقة عازلة تحول بينه وبين عامة رعاياه وبالتالي لا يتورعون بالمناداة جهراً بإقالة تلك الفئة التي تحيط بالبشير -في نظرهم- كما يحيط السوار بالمعصم.

ولعل المنادين بذهاب (رجال حول الرئيس) يأملون في أن تنتهي دعواتهم لذات ما انتهت إليه الحملة الشرسة الداعية لتبيان حجم ثروة إخوانه، فيما بدا أنه دعوة أنتقلت عدواها عبر الحدود من دول جارة ثارت على أنظمتها الحاكمة. غير أن إخوان الرئيس إمتثلوا (وبكل شفافية- لتلك الرغبة وخرجوا على الملأ بكشف حساب لكل ما يملكونه لم نستخدم عبارة يكنزونه لعدم ثبوت ما كان يشيعه البعض) وذلك دون تدخل رئاسي مباشر من البشير الذي التحق الشهر المنصرم باشقائه وقام بتقديم إقرار ذمة مالي يحوي كل درهم أو دينار تحصل عليه حتى قبل أن يصبح رئيساً وإلى ساعة مثوله أمام مولانا محمد بشارة دوسة وزير العدل. وهو ما يعني أن الرئيس البشير ساعة ترجله -متى قرر ذلك- وقبل أن يتوجه إلى منزله سيضطر للتعريج على وزارة العدل ليكشف كم نمت مدخراته حال حدث ذلك- وكيف نمت بالمقارنة مع راتبه الشهري الذي يتقاضاه بصفته رئيساً للجمهورية؟
وبالعودة لموضوعنا، نجد أن أشهر من نادى برحيل الرجال المحيطين بالرئيس كان اللواء صلاح كرار عضو مجلس قيادة الثورة السابق في حوار خص به الزميلة (الأهرام اليوم) وتنبأ فيها بسقوط الانقاذ لما قال إنه إحاطة الرئيس بـ (شللية نفعية) قامت بعزله عنهم وحالت دون وصول النصح والمشورة لشخصه. وسار كرار لأبعد من ذلك باتهام تلك المجموعة بالافتتنان ببهرج السلطة والانفراد بسلطة التعيين والاقصاء، بل والسعي للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، والعمل على وراثة أعلى مناصب الدولة.
وكان اللواء حسب الله عمر – الأمين العام السابق لمستشارية الأمن القومي- سبق كراراً في دعوته تلك، ببثه رسائل شهيرة تلت إقالته من منصبه وخص بأولاها رجالا قال بالنص أنهم (يكتمون أنفاس الرئيس، ويغبشون عليه الرؤية، ويِطَّوفون حوله دون أن تغيب عن ذواتهم أغراضهم الصغيرة. من جاهٍ أو منصبٍ أو مالٍ أو انتصارٍ لجهويةٍ أو عرقيةٍ. يتدافعون نحو تقديم المشورةِ الخاطئةِ والرأي التالفِ غير آبهين. لا يعصِمُهُم عن ذلك عاصمٌ) ونصحهم بالانفضاض من حول الرئيس، وترك المؤسساتِ الرسميةَ والحزبيةَ تعمل.
وقبل الغوص في ثنايا التقرير، نذكر بأن حديث كرار وحسب الله، يصطدم بحقيقة أساسية متعلقة بشخصية الرئيس البشير، المجاملة جداً، ما يجعله هدفاً متاحاً لجماهير شعبه من العامة ويحضرني هنا موقف نهى فيه حراسه الحيلولة دون امرأة طاعنة في السن كانت لديها مسألة تود إيصالها مباشرة لشخصه وذلك في إحتفالية بثها التلفاز.
وفي ذات المنحى المغاير لرؤية المسؤولين السابقين، نلقى عدداً من الاشادات منثورة بحق الـ (رجال حول الرئيس) باعتبارهم كوكبة ظلت تحوم حوله وتذود عن حماه لكونه رمز سيادة الدولة، (وود بلد ضكران وبسيط) قلما يتكرر، وقائد شجاع شديد الصرامة والالتزام بعسكريته، ورئيس يبذل الشورى لمن حوله في كل المسائل، ذلك بجانب تعمده الدائم لتغيير الطاقم المحيط به لإتاحة الفرصة أمام الجميع لتداول المسؤوليات وكسب دربة الحنكة الادارية والسياسية.
وعما إذا كان هناك رجال فعلاً يحيطون على الدوام بالرئيس البشير – أكتفى بروفيسور حسن الساعوري – استاذ العلوم السياسية في رده على (الرأي العام) بوضع معيارين لنفي وثبوت وجود تلك الجماعة من عدمه. أولهما: إذا كان الرئيس يتخذ قرارات قد تحمل طابع المفاجأة للبعض. وثانيهما: ما إذا كان يتراجع بسرعة عن قرارات اتخذها. وهو حديث لو أحلناه إلى وقائع بادئين بالمعيار الثاني نجد أن الرئيس البشير يتسم بقوة مواقفه وقراراته التي تنم عن حزم كبير أكتسبه من مضمار العسكرية، ما ينفي وجود رجال حوله يعمدون لدفعه دفعاً لتغيير مواقف أتخذها خاصة أن رأى بأم عينيه صوابها. أما إن كان الرئيس يتخذ قرارات مفاجئة، نحو قراره الشهير القاضي بإقالة الفريق أول صلاح عبد الله (قوش) مستشاره الخاص لشؤون الأمن القومي، فنجد أن الخبراء والمؤشرات قالا بإمكانية الإقالة مدللين على ذلك بحالة الهدوء الكبير التي أمتص بها قادة الوطني -بل وقوش نفسه- القرار. وهي نقطة وإن أكدت مؤسسية الحزب الحاكم، فإنها تشير – كذلك- لاتخاذ القرارات بصورة شورية تحول دون التمرد والانشقاق على قرارات القيادة.
ولكون معايير الساعوري، وضعت المسألة في منطقة رمادية .. انتقلنا بذات التساؤل هل هناك – حقاً – رجال حول الرئيس؟ بعد أن رفدناه هذه المرة بأسئلة من شاكلة إن كانوا موجودين فمن هم؟ وما هي أدوارهم؟ لطاولة الاستاذ عماد سيد أحمد السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية والمقرب من شخصه بحكم الوظيفة فأجابنا بأن مسألة وجود رجال حول رؤساء الدول أمر (مفروغ منه)، وقال لـ (الرأي العام): عدم وجود رجال حول الرئيس – أي رئيس- يعني الانفراد بالرأي وهي صفة أكد انتفاءها جملة وتفصيلا عن شخص الرئيس البشير.
وفيما تشير أصوات لوجود ثلة مقربين من الرئيس، لا تشملهم التغييرات والتنقلات أكد سيد أحمد أن المحيطين بالرئيس هم مستشارون ووزراء وإداريون، ومديرون، ومختصون، وفنيون، وطاقم إعلامي يلعبون أدوارهم بتناسق وفقا لخطط مرسومة بعناية تتوزع بين المناحي التأمينية، والبروتوكولات، والعمل الإعلامي، وترتيب المقابلات واللقاءات سواء كان ذلك في القصر الجمهوري، أو المجلس الوطني، أو بيت الضيافة، أو داخل عرين أبطال القيادة العامة للقوات المسلحة التي يرتدي المشير بزة قيادتها العليا. ومن ثم أكد سيد أحمد أن الرئاسة كمؤسسة راسخة درجت على إجراء عملية تنقلات دورية داخل صفوفها تحول دون إرتباط المناصب بالشخوص كما تتيح الفرصة أمام الجميع للتدرب والتعليم.
إجابات سيد أحمد الواضحة التي تقول بأن الدولة تسيرها المؤسسات، وأن الرئيس يتخذ قراراته – رغم وعيه وإدراكه- بصورة شورية، تدفع مباشرة للتساؤل عن مغزى إثارة غبار كثيف حول الرجال الموجودين حول الرئيس البشير. وهو أمر تتفرق تفسيراته بين الاستجابة لدعوات الحكم الراشد ومطلوبات الاصلاح، والاستعداد لمرحلة الجمهورية الثانية، وتفريغ شحنات ناجمة عن قرارات إقالة من المنصب، فضلاً عن احتمالية وجود أشخاص ساعين لبث الفتنة داخل أروقة الحزب الحاكم بتصوير فئة مقربة من الرئيس وتعمل على أقصاء الآخرين كما تشكك في قدرات الرئيس البشير المشهودة.
وعلى كلٍ، فإن للـ (رجال حول الرئيس) وجوداً لا يمكن نكرانه، وهو وجود مرهون بشكل كبير بحركة التنقلات الدورية التي وإن جعلت مكاتب البعض مجاورة اليوم لمكتب الرئيس البشير، فإنها لا حتم غداً ستنقلهم لأماكن أخرى ربما تكون بعيدة عنه، وعن الفعل السياسي.
الراي العام
مقداد خالد