تحقيقات وتقارير

أما آن للشيخ الترابي أن يترجل..؟

اتسمت الحركة الإسلامية بمفاهيم قيمة لبناء الإخوة الإسلامية. حيث إن الإتجاه الإسلامي بالجامعات كسب ثقة الطلاب في فترات ما قبل الانقاذ بصورة لافتة بالطرح البناء والواضح وصلابة العناصر في إرساء القيم الفاضلة. أقنعت الطلاب بالقيادة حيث جمعت بين التدين والتقدم والمصداقية والقدوة المميزة فسحبت البساط من كل دعاة التقدمية. وظهرت جلية في مقاعد الخريجين التي فازت بأغلبيتها الجبهة الإسلامية القومية في الديمقراطية الثالثة. حيث ان فكر الأخوان المسلمين يرفع شعار «نعمل على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه». فحقيقة جاء بناء الحركة الإسلامية في استقلالية إبداء الرأي مع الحفاظ على القرار الشمولي مما نفض الغبار عن كثير من الترسبات غير المحمودة في التبعية العمياء للأقوال والأفعال مما جعل جسم الحركة الإسلامية متعافىاً إلى أعلى الدرجات في الساحة السياسية السودانية.
مما جعلني لم أعر أي انتباه لبوادر الانشقاق بين الشيخ والبشير مثل الكثيرين غيري. الذي سمعت به قبل شهور من الاعلان عنه، وحينها لم أتردد من حسم موقفي الخاص مع سيادة الدولة بقيادة البشير. لعدد من الأشياء يطيل ذكرها ولكن أهم ما في الأمر: أمن السودان وإستقراره لأن البشير شخصية تجد الدعم والسند من المؤسسة العسكرية فضلاً عن الشارع السوداني الذي ينحاز للجيش وينحاز له الجيش عند المحن صوناً لسلامة واستقرار البلاد. وما زلت أحتار في الشيخ لقراءته للأحداث. حيث إن له تجارب مع مايو ومن المفترض ان يفهم المؤسسة العسكرية والشارع السوداني الذي لا شك أنه يحمل الكثير من الحب لشخصية البشير، وحجم التحديات التي تواجه البلاد من حرب وغيرها. وإن كنت مدركاً لشخصية الشيخ العالمية وتوجه البشير لعزة السودان. ولكن ذهب الجمل بما حمل.
الشيخ حسن عبد الله الترابي من المفكرين الإسلاميين المعاصرين في الحركة الإسلامية. ومن أميز الشخصيات التي أحيط بها كثير من المواقف، ولا ننسى دور الشيخ الكبير الذي لعبه لوصول الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم، ولقد كنت معجباً بشخصيته التي يحاور فيها العقول انطلاقاً من فهمه القانوني، وذكائه في توصيل ما عنده بلغة الإشارة، وكم كنت معجباً بالكثير من قراءاته الجيدة، وأذكر ندوة لم يحالفني الحظ بحضورها مباشرة ولكني رأيتها وسمعتها عبر شريط فيديو خلال المرحلة الانتقالية. وجاء سمعي لها في بداية الديمقراطية الثالثة. حيث كانت اتكاءة مع الأخ الشهيد مختار سليمان في زيارة أخوية له في دارهم العامرة بالصحافة. وهنالك وقفت عند شخصية الشهيد مختار سليمان المميزة الذي جمعتني به أخوة الدين بجامعة الخرطوم، والتي كانت أخوة لا تعرف التفريق بين الإخوان المسلمين وأنصار السنة والإتجاه الاسلامي وغيرهم من الاخوة. حال كثيرين من الرفاق الذين قضوا نحبهم ومنهم من ينتظر، وكم أذكر له رهافة الحس والاخلاق ودماثتها، ولم ازل أذكر دموعه التي تنهار متأثرة عندما تحدث خلافات بين الاخوة في الاتجاهات السياسية الدينية في الجامعة خاصة مع بواكير الانقاذ في فرعيات الدين.
وكم كان يسعى لتجنب أي خلاف بينه وبقية الاخوة في الاتجاهات الدينية الأخرى وسباقاً للخير وجمع الناس علي التصافي وربط الأخوة، فغادر موقعه كمساعد تدريس في الجامعة واصطفاه الله بالدائمة عن الفانية. نسأل الله ان يجعله مع زمرة الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وأعود لتلك المحاضرة التي كم أعجبتني قراءة شيخ الترابي الصحيحة للواقع الحزبي آنذاك. وما يخشاه عن إنحراف الاحزاب السياسية في ممارسة الديمقراطية الى الصراع الحزبي بعيداً عن أهداف البلاد الكلية. مما يؤثر على سلامة البلاد وتقدمها. فأحترمت حديثه، وأحترمت فكره وهمه. وصدقت رؤياه في كل ما قال خلال تلك الديمقراطية، والتي ما زلت أذكر من طرائفها وملاسناتها، التي لا تزال عالقة بذهني منها ندوة أقامها حزب الأمة بميدان القانون بجامعة الخرطوم. وقال فيها أحد قياديي حزب الأمة: «قد أعجبني قول شيخ الترابي في الميدان الشرقي لجامعة الخرطوم عندما قال لقد كان نميري فرعوناً. ولكني أسأل الشيخ: من كان هامان؟» وغيرها مما كان يدور خلال الفترة الحزبية بجامعة الخرطوم التي كانت مسرحاً لكثيرين من الساسة.
وأرجع لأقول إن الشيخ الترابي شخصية عالمية في الفكر الإسلامي بالرغم من اختلافي معه في كثير من فتواه السياسية وغير السياسية. وأرى في هذا الرجل خبرة طويلة وماضً مميز تشع منه الرؤى والحكم. يحتاج لها الكثيرون من الشباب اليوم لتجديد الحركة الإسلامية. وهي مدرسة أفرزت بعد الله وجهود كثيرين من علماء الحركة الإسلامية واقعاً جديداً في السودان. وكم يحتاج الكثيرون للشيخ كداعية وإمام بعيداً عن دهاليز السياسة الضيقة داخل حزب صغير. لان الدخول فيها يحرم الكثيرين من الانتفاع من تجربة هذا الرجل وعطائه. وكم أجد بين كثيرين من الشيوخ مثل الشيخ القرضاوي والشيخ عصام أحمد البشير والشيخ الغنوشي والكثيرين، مكانة غائبة. تحتاج للشيخ لملئها دولياً خاصة مع تعاطي الواقع المتجدد في الساحتين العربية والإسلامية. ونجد الشيخ الآن قد حصر نفسه في المؤتمر الشعبي. ولا أعتقد ان المعادلات السياسية قد تجعل الشيخ يقدم عبر المؤتمر الشعبي أكبر مما يمكن ان يقدمه إذا نزل عن صهوة السياسة في حزب المؤتمر الشعبي، وركب صهوة الارشاد والفكر العالمي مستوعباً دروس الماضي وتغييرات الحاضر ورؤى المستقبل. حيث ان التاريخ يعيد نفسه ولكن بأثواب مختلفة. ولا يسعني إلاَّ أن أقول هلا ترجل الشيخ عن صهوة السياسة في النطاق الحزبي إلى ابداء الرأي في السياسة العالمية والأمور الفكرية؟
الراي العام
مركز البحوث والاستشارات الصناعية
بقلم: الرشيد أحمد سالم خير الله

‫2 تعليقات

  1. لك التحية يا دكتور الترابى ونحيى فيك هذا الصمودوالنزال والترجل
    ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددة الاسباب والموت واحد