تحقيقات وتقارير

حسب الله.. زلة لسان

يقال في المثل الشائع «زلة الرجل ولا زلة اللسان» فرب جملة بسيطة وهفوة تضع صاحبها في حرج كبير.. وما أكثرها من زلات وضعت سياسيين ورؤساء دول في مآزق.وبرغم ان زلات اللسان تثير أحياناً دهشة المراقبين إلا أن البعض يتفهم ذلك باعتبار ان المسئولين والزعماء والساسة هم بشر وليسوا معصومين.

وما بين هذا التفسير وذاك يوجد رأي آخر يذهب إلى ان زلة اللسان تعبر عن ثقافة قائمة وإن كانت مستترة. فبوش الرئىس الامريكي السابق عند ما كان يستخدم عبارات «الحرب الصليبية» على سبيل المثال فهو يكشف الخلفية العقائدية والثقافية التي تؤثر في سلوكه السياسي.
ويوجد تفسير آخر ان زلات اللسان ربما تهدف إلى إلقاء بالون اختبار لمعرفة ردة الفعل. فإذا كان الفعل بحدود المعقول ينطلق بشراعه في البحر طالما وجد الريح مواتية أما إذا كانت الريح معاكسة فعليه الانكفاء والتراجع والاعتذار.
وأيا كانت التفسيرات فإن الأمر الذي لا جدال فيه ان زلات اللسان المتكررة تسبب حرجاً بالغاً للدول التي يقع قادتها في هفوات.
وطالما أطلق الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن هفوات وزلات لسان لا حصر لها على مدى فترتي رئاسته لأكبر قوة في العالم، وتبقى زلات لسانه هي الاشهر من نوعها. ففي مؤتمر صحفي دافع بوش عن سياسة إدارته في العراق قائلاً: «إن وحشية الرئىس العراقي صدام حسين جعلت من المستحيل ظهور زعيم يمكنه توحيد البلاد ليوقف العنف الطائفي الذي أطبق على العراق.. سمعت شخصاً يقول.. مات مانديلا الآن صدام قتل كل من هم على شاكلة مانديلا».

وعلى الفور سارع المدير التنفيذي لمؤسسة نيلسون مانديلا إلى نفي وفاته.
ووقع الرئيس الامريكي السابق في زلات مثيرة للجدل منها زعمه بعد احداث «11 سبتمبر» انه ملهم من السماء ومكلف بشن حرب صليبية جديدة وهو التعبير الذي يعني ضمناً لكثير من المسلمين حرباً مسيحية على الإسلام الأمر الذي أثار استياء بالغاً في العالم الإسلامي.
وليس الرئيس الامريكي السابق وحده الذي يقع في زلات اللسان فزعماء آخرون أيضاً كانت لهم زلة لسان وضعتهم في مواقف حرجة.. فعند ترحيب رئىس الوزراء الايطالي بالرئيس الامريكي باراك أوباما وصفه بصاحب البشرة السمراء في اشارة إلى لونه الأسود.. فهو الآخر اشتهر بزلات لسانه المتواصلة وتغريده خارج السرب الدبلوماسي الذي يفرض على الساسة التزام الحصافة.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان له نصيب كذلك من زلات اللسان. ففي إحدى زياراته إلى روسيا وصف رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي مع الرئيس الروسي بأنه رئيس البلاد بما أعطى انطباعاً على نطاق واسع ان بوتين ما زال يحكم روسيا.
ودخل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك على خط الزلات اللسانية ايضاً عندما علق في وقت سابق على التهديد النووي الايراني قائلاً: ان حصول ايران على قنبلة نووية أو قنبلتين ليس أمراً خطيراً جداً..
وفي اليوم الثاني سارعت الرئاسة الفرنسية في بيان لها إلى الاعلان ان فرنسا لا تقبل ان تمتلك إيران سلاحاً نووياً.
وتناقلت وكالات الأنباء العالمية حادثة وقوع الأمير فيليب في زلة لسان احرجت قرينته ملكة بريطانيا بعد تعليق ساخر أطلقه في وجه مجند بالجيش أصيب بالعمى بانفجار في عملية عسكرية عندما سألت الملكة المجند عما تبقى له من بصره بعد الانفجار. ليرد فيليب مازحاً ليس بالكثير ويمكن الحكم على ذلك من ربطة العنق إلتي يرتديها- ويشتهر فيليب بهفواته التي استدعت احياناً تقديمه الإعتذار.
وعلى الصعيد العربي فقد تزايدت زلات لسان بعض الساسة والزعماء والإعلاميين. ففي مصر وقبل الانتفاضة الشعبية واثناء الجدل الذي اثير حول مرشح الرئاسة طالب الإعلامي عماد الدين أديب في حوار تلفزيوني توفير خروج آمن للرئيس واسرته.. هذا التصريح كانت اصداؤه كبيرة في مصر آنذاك ووضع الجميع في حرج نظراً لقرب الإعلامي المصري من دوائر صنع القرار.

وغير بعيد عن زلات اللسان فمسألة استخدام اللغة وما يمكن ان تحدثه من تشويش في ذهن المتلقى فهي تفعل ذات التأثير. فقصة مداخلة العقيد القذافي في القمة العربية السابقة التي عقدت في قطر أحدثت ارباكاً في القاعة من خلال محاولته الاعتذار لملك المملكة العربية السعودية عبد الله بن عبد العزيز.. وما رشح من كلام اعتذاري بدا وكأنه هجوم على شخص الملك مما استدعى الوفد الليبي المرافق الى توضيح موقف رئيسهم.
الملك عبد الله هو الآخر وقع في مأزق خلال خطابه بعد البيعة التي بايعه فيها شعب المملكة العربية السعودية حينما قال «بناتكم بناتي واخواتكم اخواتي وزوجاتكم زوجاتي».. فهذه الجملة البسيطة كانت مدخلاً للمعارضين لكنها من الهفوات الشهيرة فسرت على أنها زلة لسان.
وكان لتصريح حسني مبارك الرئيس المصري السابق: «الشيعة ولاؤهم لايران وليس لدولهم».. وقعه على الشيعة كالحديد في قلوبهم فهاجم تصريحات مبارك مجموعة من رجال الدين شيعة وعامة الشعب العراقي وغيرهم من دول الخليج لما قاله مبارك في حقهم وتجريدهم من وطنيتهم واتهامهم بالخيانة وفسرت على أنها زلة لسان.
وفي السودان كثير من الزعماء والساسة يدلون بتصريحات يعتذرون عنها لاحقاً ويعتبرونه زلة لسان.. واحياناً لا تتوافق تصريحاتهم مع مواقفهم السياسية.
فالصادق المهدي زعيم حزب الأمة كان يسخر من تصريحات المسئولين بامكانية استخراج البترول ويعتبر ذلك أحلام زلوط كتعبير عن استحالة استخراجه وعندما أصبح الأمر واقعاً سبب تصريحه هذا احراجاً له.

ولم يسلم المؤتمر الوطني «الحزب الحاكم» من زلات اللسان فقد كان للحديث الذي أدلى به اللواء حسب الله عمر الأمين العام لمستشارية الأمن القومي خلال برنامج مؤتمر اذاعي صدى واسعاً في اوساط فئات المجتمع السوداني وتناولته الصحف بانتقادات حادة، فالعبارة التي قال فيها «إذا اتفقت الاحزاب على إلغاء الشريعة الإسلامية فلتذهب الشريعة» جعلته يعقد مؤتمر صحفياً يوضح فيها مرامي حديثه هذا.. وقال «أنا أقدر ان الشريعة الإسلامية ستكون على رأس الثوابت التي يتوافق عليها السودانيون وان كل الاحزاب التي استجابت لدعوة المستشارية ليس من بينها حزب يرفض الشريعة» وأصدرت مستشارية الأمن القومي بياناً أوضحت فيه ما يعنيه حسب الله كان من بين ما ورد في البيان «ما ورد في الحوار الاذاعي الذي شارك فيه الأمين العام لمستشارية الأمن القومي عن إلغاء الشريعة الإسلامية قد جانبته الدقة والتدقيق رغم أن القصد كان تأكيد إستحالة إلغائها».
أطباء النفس والمتخصصون في علم السايلوجي يؤمنون بأن زلة اللسان كثيراً ما تصدر فتخترق السدود والقيود وتكشف عن نفس المتحدث ثم يبادر الشخص فيقول عفواً انها مجرد زلة لسان.

وهكذا كانت رؤية د. خالد الكردي المختص في علم النفس، وزاد ان الأمر يتعلق في عمومايته بميكاتيزم الاسقاط فهي واحدة من الوسائل التي تستخدم عند الكثيرين وتأتي من اللا شعور وتخرج للواقع كزلة لسان.
وفسر الأمر بأنه نتاج صراع نفسي داخلي فعندما يتحدث الساسة أو المشاهير تخرج عبارات غير متوقعة تعبر عن صراع داخلي يكون نتيجة نقاشات كثيرة مع آخرين.. وعندما تصطدم كلماته بالواقع ويرفضه الآخرون يحاول تبرير موقفه هذا بأنه زلة لسان..
وقال ان زلات اللسان ليست حكراً على الساسة فتوجد أيضاً بين عامة الناس ولكنها تكون أكثر تأثيراً عند الساسة والمشاهير لأنها ربما تحدث صراعاً أو احتكاكاً داخل المجموعة التي ينتمي لها الشخص أو قد يتضرر منها آخرون.

صحيفة الرأي العام