تحقيقات وتقارير
نقص الغذاء يأخذ بتلابيب العالم..!! المتاريس ليست كافية لسد الطريق أمام الجوع..!!
وموقف الحبوب الغذائية بالبلاد يتطلب الحذر، خاصة في ظل بروز مؤشرات بفشل الموسم الزراعي في القطاع المطري، بعد مضي مواقيت الأمطار، اما في القطاع المروي فلم تكن الصورة باحسن حال بعد التقارير الواردة من مشروع حلفا الزراعي، حيث حذَّر اتحاد مزارعي مؤسسة حلفا الزراعية، من أن عدم قفل الخزان يهدد بإخراج أكثر من «200000» فدان من دائرة الانتاج، في وقت أكدت فيه سلطات الري أنها اضطرت لعدم التخزين نتيجة مخاطر التخزين على جسم السد في ظل تراكم الاطماء، مما دفع الحكومة الى إيفاد المهندس عبد الرحيم علي حمد وزير الدولة بالزراعة والمهندس عبد الجبار حسين، الى حلفا الجديدة لازالة معوقات الموسم الزراعي بالمشروع.
وفي مشروع الجزيرة ورغم محدودية المساحات المزروعة ذرة، فإن هنالك مخاوف من عدم توفير الكميات المطلوبة من المياه. وفيما يذهب محمد ابراهيم الحاج بقسم المكاشفي الى ان محصول الذرة ظل يعتمد بنسبة عالية على مياه الامطار التي تراجعت معدلاتها هذا الموسم، مما بذر المخاوف وسط المزارعين من أن يتعرض المحصول للعطش، بيد ان جمال دفع الله القيادي البارز باتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل، رسم صورة ايجابية للاوضاع هناك، واكد لـ «الصحافة» أن جملة المساحات المزروعة ذرة هذا العام قد بلغت «500 » الف فدان، رغم ان الخطة لهذا العام تضمنت استزراع «400 » فدان، ولكن في ظل تصاعد مشاكل الغذاء ارتفعت المساحة الى «500 » بناءً على رغبة المزارعين، خاصة أن المزارع بات يلجأ لشراء الذرة مقابل «200»، علما انه باع ذات المحصول بقيمة لا تتجاوز ربع السعر الحالي، وجميع المساحات تلقت حصتها الاولى من الري. والمزارعون الآن في مرحلة الكديب بانتظار وصول السماد للتفاتيش، علما بأن الزراعة قد بدأت منذ 15/6/2008م في كل اقسام المشروع. ووصف دفع الله مرحلة انبات المحصول بالممتازة وتبشر بانتاجية عالية، خاصة ان الموسم يشهد تطبيق مبيدات حشائش الذرة بمساحات معتبرة بالمشروع، اضافة الى استخدام الزرَّاعات الآلية التي جاء استخدامها في إطار تطبيق برنامج التقانة بالمشروع. وحول العروة الشتوية فإن مجلس ادارة المشروع وضع خطة يتم بموجبها استزراع «400» ألف فدان قمحا، وقد تم توفير التقاوى ووصلت لمحطة اكثار بذور الجزيرة. ويدور حوار بالمشروع حول زيادة المساحات لتصل الى«500» الف فدان.
الدكتور مصطفى ابراهيم الحاج خبير زراعي، يرى أن استزراع مليون فدان بمشروع الجزيرة ذرة وقمحا يمكنه أن ينتج ما جملته مليون طن في أحسن الاحوال، باعتبار أن الفدان ينتج في المتوسط «13» جوالا، وبالنسبة للقمح فإن المتوسط خلال الخمسة اعوام الماضية يؤكد امكانية انتاج نصف مليون طن من القمح، علماً بأن حاجة البلاد تتجاوز الـ «2» مليون طن من القمح ظلت البلاد تستوردها بنسبتها الاعلى من خارج البلاد. وحول محدودية المساحات المزروعة ذرة وقمحا، قال الحاج انه لا يمكن توفير الري لأكثر من «500» الف فدان في العروة الشتوية.
وفي ولاية سنار التي تعتبر من الولايات المساهمة في انتاج الحبوب في القطاعين المطري والمروي، يرى عباس الدراش من قيادات المزارعين، أن موقف الموسم الزراعي بالقطاع المروي بالولاية يبشر بانتاج وفير، خاصة في مشاريع النيل الازرق سابقا، كما ان هطول الامطار بمعدلات جيدة في مناطق الدالي والمزموم واللكندي والصقيعة والعزازة والدندر مبشرة بانتاج وفير من الحبوب. واختتم الدراش حديثه بأن منطقة جبل موية التي تعتبر من أهم مناطق انتاج الحبوب، قد شهدت في الأيام القليلة الماضية هطول امطار بمعدلات جيدة، رغم أن تأخر الامطار قد أصاب المزارعين والرعاة بالمخاوف.
وفي النيل الازرق طالب باكاش طلحة براهيم رئيس اتحاد المزارعين، البنك الزراعي والقطاع المصرفي بتوفير التمويل اللازم للمزارعين بصورة تمكنهم من نظافة الحشائش، مما يمكن المزارعين من تحقيق انتاجية عالية تساهم في توفير الأمن الغذائي، وأكد طلحة أن الموسم الزراعي مبشر، مؤكدا انه لا مخاوف من تدني الانتاجية ودخول البلاد دائرة الفجوات الغذائية.
هكذا برزت الأوضاع داخل البلاد، وقبيل الخروج للمحيط الاقليمي والدولي، نقف عند رؤية وتحليل الدكتور التيجاني الطيب ابراهيم- وهو خبير سوداني بصندوق النقد الدولي- لآثار الأزمة العالمية على السودان.. يقول الخبير الدولي ان السودان بات يشهد تناميا في معدلات التضخم، مما يعني ان اسعار السلع ستشهد تصاعدا ملحوظا خاصة في ظل غياب الاجهزة المعنية بمراقبة الاسعار، كما ان القطاع الزراعي السوداني يواجه اهمالا ملحوظا نجم عنه اعتماد البلاد على شحنات الاغذية المستوردة التي تصاعدت اسعارها، ومما يزيد المخاوف تدني قدرة الاقتصاد على «تبريد درجة حرارة الاسعار العالمية» معتبرا تراجع نسبة المخزون الاستراتيجي من الحبوب بنسبة 22% في العام الماضي عن سابقه، مؤشرا سالبا يساعد في تفاقم الازمة.
وفي المحيط الاقليمي يشير برنامج الغذاء العالمي الى تصاعد حدة الجوع في اثيوبيا، مما يهدد بنزوح الملايين من الاثيوبيين من الريف للمدن، ويظل السودان وجهة ما لا يقل عن «400 » الف مواطن هذا العام. ودوليا فقد ارتفعت أسعار القمح والذرة وفول الصويا إلى أكثر من الضعف، وهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع أعمال شغب، ويهدد بسقوط أكثر من «100» مليون نسمة في وهدة الفقر والجوع.
وفي تقرير رفعته إحدى اللجان المتخصصة للكونغرس الاميركي، كشف أن هناك خمسة عوامل وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، أولها التغيرات المناخية، حيث تسبب الجفاف في استراليا وأوروبا الشرقية وسوء الأحوال الجوية في كندا وأوروبا الغربية وأوكرانيا، في انخفاض الإمدادات من الحبوب.
ومضى التقرير إلى أنه نتيجة لرداءة الأحوال الجوية، فقد انخفضت المخزونات العالمية من الذرة والقمح وفول الصويا إلى أدنى مستوياتها. وقد وردت النتائج التي تم التوصل إليها في تقرير شعبة أبحاث الكونغرس المرفوع إلى الكونغرس الذي صدر بعنوان «ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الغذائية العالمية: الرد الأميركي».
استراليا التي تعتبر احد اكبر منتجي القمح تواجه أسوأ حالة جفاف منذ قرن من الزمان، فقد شهدت انخفاضا وصل في بعض المحاصيل مثل الارز بنسبة 98% عن مستوى فترة ما قبل الجفاف. أما بالنسبة للقمح، فتنتج استراليا ما يصل إلى 25 مليون طن في السنة الجيدة، حيث تصدر معظم هذه الكمية. وهي من الناحية التاريخية، ثاني أكبر مصدر للقمح بعد الولايات المتحدة. وقد انخفض إنتاج القمح الاسترالي إلى اقل من عشرة ملايين طن في عام 2006م، ولكنه انتعش إلى 13 مليون طن في عام 2007م، وهي كمية تقل بحوالى 40% عن معدل ما كانت تنتجه على مدى السنوات الخمس الماضية، وفقا للمكتب الاسترالي لاقتصاديات الزراعة والموارد.
وفي آسيا فرضت الهند قيودا مشددة على صادرات الأرز، كما فرضت فيتنام حظرا على صادراتها من الأرز. ومن المتوقع أن تصدر تايلاند، التي تعد أكبر بلد مصدر للأرز في العالم، كمية قياسية هذا العام في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة. والجدير أن سعر الأرز التايلاندي قد ارتفع بمقدار ثلاثة أضعاف منذ يناير، حيث يبلغ سعره الآن ألف دولار للطن الواحد.
وفي بروكسل قال رئيس البنك الدولي روبرت زاليك، إن الوضع الغذائي يزداد سوءا من يوم إلى يوم في كثير من البلدان النامية، حيث تنفق الأسر الفقيرة مبلغا يصل إلى 75 % من دخلها على الغذاء. وحذَّر من أن «33» دولة مهددة بخطر اندلاع اضطرابات اجتماعية فيها بسبب ارتفاع تكاليف المواد الغذائية.
وبعودة للوقوف على الاوضاع بالداخل، فقد استغلت «الصحافة» فرصة المؤتمر الصحفي الذي خصصه وزير الزراعة والغابات بروفيسور الزبير بشير طه لقضايا الغابات وسبل مواجهة الكثبان الرملية، فسألناه عن الوضع الراهن للغذاء في ظل تصاعد الاسعار بالاسواق المحلية، فاجابنا انه ووفقا للتقارير الواردة من اتحادات المزارعين فإن الاوضاع مطمئنة، ومراحل الانبات للحبوب بالقطاع المروي جيدة، مطالبا «بالتبشير بدلا عن التكشير» مؤكدا ان السودان سيبقى مطعما لجيرانه.
تلك هي الصورة، فهل السودان في مأمن من الفجوات الغذئية؟ ولما كان الاجماع على وجود مخاطر حقيقية، فكيف يمكننا تجاوز الازمة؟
البروفيسور الزبير بشير طه وزير الزراعة والغابات، اكد لـ «الصحافة» أن الموقف الراهن بشأن الغذاء جيد، كما ان مراحل الانبات للموسم الجديد ممتازة وفقا للتقارير والزيارات الميدانية لفرق وزارته للمشاريع. وأكد الوزير قدرة السودان على امتصاص أية فجوات غذائية لا لشعبه وانما لدول الجوار.
وذات السؤال طرحته على الدكتور مصطفي ابراهيم الحاج الذي اجاب قائلا: «الحل ذي ثلاث أذرع آنية ومتوسطة وبعيدة الأجل»، الآنية تتمثل في توجيه المبالغ المالية التي رصدتها وزارة المالية لما يسمى بالنهضة الزراعية، والعمل على تجنيب هذه الاموال لاستيراد الحبوب، والافضل أن يتم شراء أكبر كمية من القمح والحبوب، وبعد توفير المخزون الاستراتيجي يجب إعادة هيكلة الاقتصاد وتوجيهه نحو انتاج الغذاء، وتحفيز المزارعين وإعادة ارتباطهم بالارض. ولم يخفَ الحاج تفاؤله في ظل الاهتمام الشخصي لرئيس الجمهورية ونائبه ووزير المالية بمتطلبات الأمن الغذائي، مستدلا بتوفير مبالغ ضخمة للنهضة الزراعية، رغم أن الدولة قد تبنتها بعد إجازة الموازنة.
أما الدكتور التيجاني الطيب ابراهيم الخبير بصندوق النقد الدولي، فقد قدم في ندوة اقامتها الجمعية السودانية للامم المتحد بقاعة الشارقة أخيراً خارطة طريق تتمكن البلاد عبرها من تجاوز مخاطر المجاعات، وتتمثل محاور الخارطة في معالجات فورية تتمثل وضع تشريعات للأسعار، ومنع الاحتكار، ودعم الغذاء بصورة تضمن وصول الدعم للشرائح المستهدفة، ومنح مساعدات عينية خارج الرواتب للعمال، كما تتضمن رؤيته معالجات إسعافية تتمثل في إزالة الرسوم الجمركية عن الجبوب الغذائية، واعطاء حوافز للمنتجين، وتخفيض الضرائب على القطاع الزراعي، وادخال نظام التغذية المدرسية، واصدار قوائم استرشادية بواسطة تجار الحبوب باعتبارها مؤشراً للاسعار، وفي المدى المتوسط فقد اوصى الدكتور التيجاني بإقامة شبكات الحماية الاجتماعية التي تستهدف الفقراء، والغاء الاعفاءات الجمركية التي تفقد الدولة 6% من موارد الناتج الاجمالي في العام، وازالة معوقات الانتاج الزراعي ورفع قدراته التنافسية ودعم مدخلاته، ونشر الوعي الاستهلاكي، ووضع برامج علمية للنهوض بالاقتصاد، وتوجيه عائدات النفط لتنويع الصادرات الوطنية. وحذَّر الخبير الدولي من تنامي التوجه الراهن الخاص باستقطاب الاستثمار الاجنبي لتحقيق الامن الغذائي، مؤكداً خطورة مثل هذا التوجه، لانه يرهن إرادة الأمة وأمنها الغذائي للجهات أجنبية، بغض النظر عن انتماءاتها وجنسياتها.
بله علي عمر :الصحافة [/ALIGN]