تحقيقات وتقارير
منظمات (الشنطة) هزمت المشروع..!!
وأثارت تلك الحادثة ردود أفعال واسعة فتحت الباب أمام انتقادات المجتمع الدولي للحكومة بزعم انهيار الوضع الانساني فى معسكرات النازحين حيث نشطت منظمتا (هيومن رايتس ووتش)، و(منظمة انقذوا دارفور) في دق طبولها وتأليب المجتمع الدولي بادعاء ان عملية الطرد احدثت فجوة غذائية يتطلب التصدي لها وعدم الصمت امام حكومة السودان.
وبموازاة قرار الطرد اصدر الرئيس البشير قرارا آخر قضى بسودنة العمل الطوعي وحدد القرار مارس من العام 2010م موعداً لانهاء عمل المنظمات الاجنبية فى السودان. ووجه البشير حينها وزير الشؤون الانسانية ومفوض العون الانساني السابق ووزير الدولة بالشؤون الانسانية بالعمل على تنفيذ القرار.. انتهت الفترة المحددة، ولاتزال المنظمات الدولية تعمل فى دارفور ولا تزال المنظمات المحلية عاجزة عن سد الثغرة.
وبالعودة الى قرار سودنة العمل الطوعي يبدو ان انفاذ القرار أمر في غاية الصعوبة، فحسب ما ورد من ادارة الشؤون الانسانية للأمم المتحدة فإن كشوفاتها تضم حوالي (500) منظمة أجنبية تعمل فى انحاء متفرقة من السودان، وتقدم تلك المنظمات دعما غير محدود في مجالات مختلفة تمتد من الغذاء الى توزيع التقاوى وغيره من الدعم العيني والتدريب. ويبدو من هذا العدد الضخم صعوبة مراقبة هذه المنظمات دعك من القيام بمهامها، وتدافع الأمم المتحدة عن تلك المنظمات وتقول انها تعمل وفقاً لقانون العمل الطوعي، وأن تحركاتها تتم باشراف مباشر منها .
وقال مصدر مطلع لـ (الرأي العام) إن التجاوزات التي تأتي من قبل بعض المنظمات، تعتبر فردية ولاعلم للأمم المتحدة بها.. مبيناَ بأن بعثة الامم المتحدة من جانبها تقوم بدورها ولن تتساهل في إنزال اقسى عقوبة لكل من يعمل خارج (المانديت).
وحول امكانية تطوير الأمم المتحدة للمنظمات الوطنية، وتقديم الدعم لأهل دارفور بواسطتها كما تفعل معظم دول العالم إستبعد المصدر امكانية نجاح المنظمات الوطنية فى سد الفجوة بدارفور وغيرها من المناطق الاخرى مثل مناطق التماس مع الجنوب وقال إن المنظمات الوطنية تحتاج لامكانيات كبيرة.
وتجدر الاشارة الى ان قانون العمل الطوعي ينص على اقامة شراكة بين المنظمات الأجنبية والمنظمات الوطنية للعمل فى دارفور الأمر الذي رفضته بعض المنظمات الأجنبية ،وقالت الأمم المتحدة في هذا السياق، إنها لا تستطيع ارغام اية منظمة على تلك الشراكة.
ويرى بعض الخبراء عدم جدوى التعويل على المنظمات المحلية بالكلية ويشيرون الى انه من الاوفق رقابة الاجنبية والتنسيق معها، ورغم أن وزير الدولة السابق بالشؤون الانسانية د.عبدالباقي الجيلاني إستطاع أن يحقق نجاحا في عمليات تسيير القوافل للمحتاجين، واستقطاب الدعم عبر المنظمات العربية والإسلامية الا أن ذلك لم يحسم الجدل الدائر حول امكانية الإستغناء عن المنظمات الاجنبية بسودنة العمل الطوعي.
من وجهة نظر أريك دانيال ريفز – مسؤول الإعلام بمنظمة (اي سي آر سي) الايرلندية أن المنظمات المحلية ضعيفة وبالتالي فإنه من المستحيل ان تسد تلك المنظمات بامكانياتها المحدودة الحاجات القائمة فى دارفور مبيناً أن الوضع فى دارفور يحتاج إلى الاستجابة الفورية وامكانيات كبيرة، ومانحين دوليين قادرين على توفير كل شئ .
ونفى أريك رفض المنظمات الدولية مبدأ الشراكة مع المنظمات المحلية، وتبادل الخبرات، وفقا لقانون العمل الطوعي فى السودان. وأضاف ، ( ليس لدينا شيء نعمله في الخفاء ولم نتعرض من قبل لأية مساءلة قانونية) محملا السلطات المحلية فى دارفور مسؤولية إعاقة الوصول للمناطق المتأثرة بالصراع، وقال ان الوضع فى دارفور يمكن أن يكون افضل من ذلك اذا اتيحت لنا حرية الوصول لكل مكان.
المنظمات الوطنية يبلغ عددها حوالي (2000) مسجلة لدى وزارة الشؤون الانسانية الى جانب (4000) منظمة مسجلة في كشوفات الإتحاد الوطني للمنظمات الوطنية (اسكوفا). وكثير منها لا يقدم عملاً إنسانياً ملموساً.
وشكا عدد من ناشطي العمل الطوعي فى البلاد من الأسس الضعيفة التي تقوم عليها المنظمات المحلية. وقال الأستاذ أحمد الضو – ناشط حقوقي – إنه يمكن لاي شخص ان يؤسس منظمة، وأضاف في حديثه لـ(الرأي العام) أن البعض جعلوا من العمل الطوعي (أكل عيش) حيث توجد كل المنظمة داخل (حقيبة) وهذه الحقيبة تضم ترويسة المنظمة، وأختاماً، ودراسات جدوى لمشاريع وهمية، ودفتر حساب في بنك. مبينا ان منظمات (الشنطة) افرغت العمل الطوعي من مضمونه وحالت دون تقديم المانحين والخيرين للدعم.
واتهم إتحاد المنظمات الوطنية (إسكوفا) القائمين على العمل الطوعي بالفشل الذريع، وتقويض العمل الطوعي، وذلك بالإنشغال بقضايا انصرافية لا تمت للعمل الانساني بصلة. علاوة على الخلافات حول المناصب والمهام. وشن ابراهيم أحمد ابراهيم مدير اسكوفا في حديث مع (الرأي العام) هجوماً عنيفاً على منْ وصفهم (بالمرتزقة). وقال خطونا خطوات كبيرة نحو انفاذ قرار سودنة العمل الطوعي، ولكنه اتهم الحكومة نفسها بأنها أجهضت القرار، بتجاهلها لدور المنظمات الوطنية، وقال ان الحكومة لم توف بالتزاماتها تجاه تدريب وتطوير المنظمات الوطنية، الأمر الذي افسح المجال لتحركات المنظمات الأجنبية فى دارفور. ويقول ان المنظمات الوطنية أسهمت فى سد الفجوة التي عقب طرد ثلاث عشرة منظمة، ولكن الحكومة غضت الطرف بعد ان عدت تلك الازمة بسلام. وطالب الرئيس البشير بضرورة التدخل الفوري واعادة هيكلة العمل الطوعي وقانونه مبينا ان تجاهل الأمر سيفضي إلى مآلات غير معلومة. وأن خطورة المنظمات الأجنبية لاتزال قائمة.
وكشف ابراهيم ان المنظمات الثلاث عشرة التي تم طردها فى مارس من العام 2009م عادت للعمل فى دارفور بشكل آخر، واضاف: لا استبعد أن تقوم تلك المنظمات بنفس الادوار التي طردت بسببها من قبل.
أما دكتور عبدالباقي الجيلاني – الخبير الجيولوجي ووزير الدولة السابق بالشؤون الانسانية – فرفض الخوض في اي حديث حول القصور الذي لازم الوضع الانساني او الطوعي في البلاد خلال عهده واكتفى بالقول: (كل شئ عملناه كان لوجه الله ،وهذا الملف طويته تماما..انا زول بتاع جيولوجيا وأسألني عن الدهب).
ويقول الأستاذ فيصل محمد صالح – الناشط في مجال حقوق الإنسان – إن قانون العمل الطوعي لم يتم تفعيله بالصورة المطلوبة، وأن أهم المواد المكونة للقانون لم تفعَّل، وهي المواد المتعلقة بمراقبة العمل الإنساني، ومتابعة تنفيذ المشاريع والتحري عن مصادر أموال تلك المنظمات، من أين جاءت، والى أين ذهبت ؟.
وانتقد فيصل عدم تفعيل قانون العمل الطوعي في ما يتعلق بتأهيل وتدريب وتمويل المنظمات الوطنية لسد الثغرات والفجوات الإنسانية واضاف ان انعدام الشراكة بين المنظمات الوطنية والأجنبية حال دون تأهيل منظماتنا ،فضلا عن انتشار منظمات شخصية لا علاقة لها بالعمل الطوعي.
وأرجع فشل العمل الطوعي في البلاد الى تضارب السياسات، بين المسؤولين في وزارة الشؤون الانسانية ووزارة الخارجية من جهة ، والسلطات المحلية فى دارفور من جهة اخرى، وذلك بعد ان تأكد بأن قرارات الطرد تتم دون التنسيق بين الأطراف المعنية. علما بان العمل الطوعي عملية تكاملية تتطلب التنسيق والتعاون.
ويرى فيصل محمد صالح أن قرار سودنة العمل الطوعي في البلاد قد تفكر الدولة في ضرورة انفاذه مجددا ، في حالة استمرار المنظمات الاجنبية في التحليق خارج نطاق التفويض الممنوح لها . وبالتالي يكون قانون العمل الطوعي الوطني وضع نفسه امام المراجعة التي قد تطلب هيكلة العمل الطوعي برمته.
على كلٍ فإن الدواعي التي أدت الى قرار سودنة العمل الطوعي لا تزال موجودة برأي البعض، أما سودنة العمل الطوعي بالكامل فلا يختلف أحد في انها لم تتحقق حتى الآن، ويشير كثيرون الى انها قد لا تتحقق في ظل الصعوبات والتعقيدات وضعف الخبرة التي تظلل سماء المنظمات المحلية، وفي ظل الاتهامات بالتقصير التي يلصقها البعض بالحكومة باعتبار أنها لم تدعم العمل الوطني الطوعي بما يمكنه من القيام بأعبائه.
صحيفة الرأي العام