الطاهر ساتي
عندما يصبح الجن متهماً ..!!
** ولمن فاتهم الحدث نحكي أن منطقة الخوي بشمال كردفان تفاجأت في مطلع فبراير هذا بأن بعض أهلها يضحكون بلا سبب مضحك ضحكا هستيريا – أي من الأعماق – حتى تدمع أعينهم ..وزارة صحة شمال كردفان ، على لسان وزيرها ، فسرت الظاهرة بأنها داء تسبب فيه قمح ملوث تسرب من المخازن في غفلة الرقابة ، ثم وجد طريقا الي سوق المنطقة ، فتناوله هذا البعض المصاب والذي تجاوز عدده المائة مواطن ، هكذا قالت الوزارة الولائية وهي الجهة الرسمية المناط بها رعاية صحة الناس هناك ووقايتها من الأمراض .. هكذا وجه الوزير اتهاما مباشرا للقمح قبل أسبوع ونيف ، ولكن الوالي يبرئ ذاك القمح ثم يوجه اليوم اتهاما مباشرا للجن ..!!
** لسنا بمحكمة علمية لنحكم أيهما يسبب نوبة الضحك للأهل بمنطقة الخوي..؟..قد يكون جنا كما قال الوالي ، وقد يكون قمحا كما يقول وزيره ، لسنا بخبراء في علوم التغذية لنتهم القمح وكذلك لسنا بشيوخ لنتهم الجن ، ولكن من حديث الوالي والوزير تأكد لنا بما لايدع مجالا للشك بأن أحدهما خبير غذائي والآخر « فكي كارب »..نهنئهما بهذين التخصصين النادرين ، وليس بالضرورة أن نعلم متى وأين وكيف تخصصا فيهما ..؟..ثم نهنئ الشريكين بحكومة شمال كردفان – المؤتمر الوطني والحركة الشعبية – أيضا ، حيث الوالي والوزير ينتميان للمؤتمر والحركة .. وعليه ، يحق للمؤتمر والحركة أن يفتخرا اعلاميا وسياسيا – في اطار الحملة الانتخابية المرتقبة – بأنهما كما نجحا في الشراكة المتشاكسة ، نجحا أيضا في جمع ذوي التخصصات النادرة – من شاكلة ذاك الخبير الغذائي وهذا الفكي الكارب – في ..« سدة السلطات » ..!!
** وبعيدا عن حديث الوالي غير المنطقي وحديث الوزير غير المتكئ على دراسة علمية ، نسأل وزارة الصحة الاتحادية للمرة الثانية عما يضحك الناس هناك ويصيبهم بالهذيان ، حيث الزمن يمضي وكذلك الحالات في تزايد وليست في تراجع أو استقرار كما يصفها الوالي ووزيره..عدد الحالات لم يكن متجاوزا الثمانين حالة كما صرح بها الوزير ، ولكن عدد الحالات حتى البارحة تجاوز المائة حالة ، كما صرح بها رئيس اللجنة الادارية بتلك المنطقة ، وعليه ليس هناك تراجع ولا استقرار – كما يخدر به الوالي ووزيره الرأي العام – يا أيتها الحكومة الاتحادية ..لماذا هذه السلحفائة تجاه معرفة أسباب تلك النوبة يا سادة وزارة الصحة ..؟.. أم أن مختبراتكم ومعاملكم وكوادركم الطبية تؤمن أيضا بما تكهن به الوزير بغير دراسة « القمح » ، وبما توهم به الوالي في سبيل تخدير العقول « الجن » ..؟..هل اقتنعت الوزارة بهذا أوذاك سببا للضحك الهستيري ، وغضت طرفها عن الدراسة والتشخيص ، ثم مواجهة الناس بالحقائق العلمية ..؟..فالمعلومة المؤكدة بأن فريقا طبيا ذهب – في مطلع فبراير – الي تلك المنطقة وأخذ عينات من مياه بئر هي الوحيدة التي يرتوي منها الأهل هناك ، وكذلك عينات من دم بعض المصابين ، شفاهم الله ، وهنا يطرح السؤال ذاته : هل تحليل تلك العينات يستغرق من الزمن ما يصيب الناس بالملل ويرغم الوزير الولائي على التكهن بغير علم ويرغم الوالي على التوهم بالجن ..؟.. لماذا لاتقطعون بنتائج معاملكم قول كل خطيب يخاطب الرأي العام بغير علم يا وزيرة الصحة الاتحادية ..؟.. بالله عليكم أظهروا للناس – ولو مرة في العمر- بأن أزمات شعب هذا البلد تدار بالمؤسسية ومؤسساتها ، بدلا عن ترك كل أمر يهم الناس والبلد لعناصر المفاجأة واللامبالاة والاهمال و أخيرا … « الجن » …!!
اليكم ..الصحافة-العدد 5961
tahersati@hotmail.com