على خشبة السياسة: الانترنت… مسجل خطر
بعد ما حدث في مصر، يوشك الانترنت أن يدخل قائمة أصحاب السوابق في سجلات سلطات المنطقة، ليستحق بامتياز لقب (مسجل خطر) رقم واحد في تلك السجلات ، عقب حظره لأيام في مصر، وبعض يوم في سوريا، فالانترنت، لعب دور البطولة في فيلم الانتفاضة الشعبية الذي أخرجه وأنتجه شباب (الفيس بوك) في مصر، ولعب ذات الدور، في فيلم المسيرات الشبابية القصير الذي عرضه طلاب الجامعات بشوارع الخرطوم خلال الأسبوع الماضي، فالدعوات لهذه الاحتجاجات في مصر، والسودان، لم توجه عبر النوافذ التقليدية: المنشورات وميكروفونات الصوت ومكاتب الأحزاب المعارضة، بل تم توجيهها عبر مواقع التفاعل الاجتماعي على شبكة الانترنت.
خطر الانترنت، اعترفت به الحكومات نفسها، فالحكومة المصرية، أقدمت في خطوة غير مسبوقة على تعطيل خدمة الانترنت في البلاد عدة أيام، فيما فعلت الحكومة السورية ذات الأمر لساعات، ما يعني أن الانترنت، هذا اللاعب السياسي الجديد، بات مثله مثل الناشطين السياسيين التقليديين، عرضة لإلقاء القبض عليه، والتحقيق معه، والخضوع لأحكام بالسجن، أو حتى الإعدام.
دخول الانترنت إلى المشهد السياسي عبر أوسع أبوابه: الشارع، ليس خطراً على الحكومات فحسب، بل يهدد كل اللاعبين في ذلك المشهد، فإن كان الانترنت ينزع عن الحكومات أحد أهم أدواتها: القدرة على منع العمل التنظيمي السياسي، وممارسة التعتيم الإعلامي، واقتياد الناشطين إلى المعتقلات، فإنه كذلك قد ينزع عن الأحزاب المعارضة أحد أهم مقومات وجودها: صفة المعارضة نفسها، واحتكارها للعمل السياسي ضد الحكومات، فالحركة الشبابية المصرية، تجاوزت عبر الانترنت- ذلك الفضاء السياسي والوسيط التنظيمي الجديد- أساليب المعارضة التقليدية للحشد والتعبئة والتنوير، وجعلت تلك المعارضة التي لا تزال تعتمد على الاجتماعات داخل المكاتب، وطرق الاتصال القديمة، والهياكل التنظيمية العتيقة، تلهث في محاولة اللحاق بحركة الانترنت الجديدة، وبذات الطريقة، بدت المسيرات الطلابية الأخيرة في الخرطوم بعيدة عن القنوات التنظيمية القديمة، إذ تم الإعلان عنها ودعوة الناس للمشاركة فيها عبر الانترنت.
جيل القيادات السياسية القادم – في مصر على الأقل – وربما السودان أيضاً ذات يوم، تجسده هبة، تلك الشابة المصرية التي قدمتها ثورة (الفيس بوك) ضمن ما قدمته من الوجوه القيادية الشابة التي تمارس العمل السياسي للمرة الأولى، عبر نوافذ الشبكة العنكبوتية.
(الفيس بوك)، و(تويتر)، وغيرهما من مواقع التفاعل الاجتماعي ليست معارضة للحكومات بالضرورة، فهي فضاء يقبل كل الأصوات، وقبل أكثر من عامين، لعب (الفيس بوك) دوراً في دعم الرئيس البشير ضد لويس مورينو أوكامبو المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، عندما انطلقت على الفيسبوك مجموعة مؤيدة للبشير تحت عنوان (معاً ضد المحكمة الجنائية الدولية)، فضلاً عن إقدام العديد من السياسيين – خاصة في الغرب – على الإدلاء ببعض التصريحات والمشاركة في النقاشات على صفحاتهم الخاصة في (الفيس بوك) أو (تويتر).
حزب الأمة سبق العديد من منافسيه إلى (الفيس بوك) والانترنت بشكل عام، ففي الموقع الاجتماعي العديد من المجموعات التي تؤيد الحزب، ورموزه، خاصة السيد الصادق المهدي، كما يمتلك الحزب موقعاً إلكترونياً، يهتم بشئون الحزب وطائفة الأنصار. المؤتمر الوطني وزعيمه البشير بدورهما يسجلان حضوراً ملحوظاً في (الفيس بوك) عبر العديد من المجموعات والصور التي تعلن الانتماء للمؤتمر الوطني أو تدعو له، في المقابل، تسجل قوى أخرى كالحزب الاتحادي الديمقراطي ما يشبه الغياب، بحضورها الخفيف العرضي، الذي يبدو مجرد اجتهادات شخصية، أكثر منه عملاً منظماً.
التهليل للانترنت، والتبشير بعصر انفراد (الفيس بوك) ورفاقه بالفاعلية في العمل الجماهيري والتنظيمي، لا يخلو من بعض المبالغة، فالانترنت، وإن كان وسيلة تواصل تتفوق على وسائل الاتصال الجماهيري والسياسي القديمة في الفاعلية والسرعة والكفاءة، إلا أن فيصل محمد صالح المحلل السياسي والخبير الإعلامي يقول إن الانترنت لا يولد الأفكار والرؤى، بل يتيح تواصلاً إسفيرياً يبز أسلوب التواصل وجهاً لوجه الذي كان سائداً، فالأفكار لا تزال حكراً على البشر كما تؤكد الاحتجاجات المصرية التي وقف خلفها شباب مبدعون يجيدون استخدام التقنيات الحديثة، ويتابع فيصل: الأجيال السياسية القديمة قد تصبح خارج اللعبة إذا لم تتقن بدورها استخدام هذه التقنيات، ويرى أن تأثير الانترنت السياسي يختلف باختلاف البنيات الأساسية للانترنت ونسبة استخدامه بين هذه الدولة وتلك.
تأثير الانترنت على المشهد السياسي في السودان محدود حتى الآن كما يؤكد البعض، نسبة لعدد مستخدمي الانترنت القليل مقارنة بدول أخرى، فالتظاهرات التي تمت الدعوة لها على الفيس بوك، لم تجد ذات الإقبال الذي وجدته الدعوات المماثلة في مصر، ما أرجعه البعض لعدم توافر مبررات احتجاجات شعبية عارمة في البلاد، فيما فسره آخرون بعدم فعالية الانترنت كمنبر للتعبئة السياسية في السودان، نظراً لمحدودية عدد مستخدميه.
هناك من ينظر للانترنت كملاذ أخير بالنسبة للشباب، سواء أكانوا منضوين تحت مظلات الأحزاب أو قابعين خارجها. ويقول مادبو آدم مادبو عضو المكتب السياسي السابق لحزب الأمة القومي إن الشباب في كل الأحزاب بما فيها المؤتمر الوطني يشعرون بقدر من الاغتراب وعدم الفعالية، خاصة مع فكرة عدم وجود بديل للأوضاع القائمة التي روجت لها الإنقاذ وساعدتها على ذلك قيادات في المعارضة، ويضيف أن هؤلاء الشبان فقدوا الثقة في القيادات التاريخية كنقد والمهدي والميرغني والترابي، ويرى مادبو أن قلة عدد مستخدمي الانترنت في السودان يمكن تعويضها بالتداخل الاجتماعي الذي يسم حياة السودانيين، ما يفتح الباب أمام شباب الانترنت لمزيد من التنظيم، وتشكيل موقف سياسي للشباب، خارج دائرة الخطابات السياسية الحالية للأحزاب.
مظاهرات الأسبوع الماضي، أو محاولات التظاهر بالأحرى، يؤكد البعض أنها خرجت من الجامعات أكثر من كونها خرجت من أسافير الانترنت، مثلها مثل التحركات الطلابية السابقة التي تتعدي أسوار الجامعات بين فينة وأخرى، وبغض النظر عما إذا كانت تلك التحركات قد خرجت من الجامعات أم (الفيس بوك)، فإن تزايد إقبال الشباب على مثل هذه المواقع، وانتباه القوى الحزبية لفعاليتها وقدرتها على إيصال أجندتها لشباب استعصى جذبهم بالطرق التقليدية، إلى جانب أحداث مصر، تنبئ بأن مسرحاً جديداً لممارسة السياسة وتعبئة الجماهير قد برز للسطح: مسرح اسمه الانترنت..ومواقع كتويتر.. والفيس بوك..
الراي العام
مجاهد بشير