هل تضرر معهد الموسيقى والمسرح بعد تحويله لگلية تابعة لجامعة السودان..؟
لي مدة أنا ما شديد.. لا معاك لا عايز أجيك
.. ما فيك شيء بخليك هواي.. وريني إيه عاجبني فيك
.. ولا قادر اتأقلم معاك.. ولا قادر أرجع ذي زمان
.. كاتبني وين وعن ياتو شيخ.. خلاني أجري وراك كده
نعم هذه الأبيات هي من رحم إحدى أغنيات فنان الشباب طه سليمان ولكنها أصبحت لسان حال طلاب كلية الموسيقى والدراما الوحيدة في السودان والتابعة لجامعة السودان للعلوم التكنولوجيا والتي تعاني الكثير من التدهور والتردي في جانب البيئة التعليمية.. تجولت داخل الكلية لمدة أربعة أيام متتالية متسائلاً عن ضعف صوتها وضآلة وجودها في الساحة رغم أنها تواصل عملها في تدريس طلاب الموسيقى والدراما بوصفها الكلية الوحيدة في البلاد المتخصصة في ذلك، فمنذ تأسيسها عام 1969م سُميت بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح وتتبع للمجلس القومي للتعليم العالي، وكان الهدف من إنشائها المساهمة في تطوير الموسيقى السودانية، وسارت على هذا الدرب بنجاح كبير وخرجت مجموعة كبيرة من المُبدعين عطّروا الساحة الفنية ومثلوا إضافة حقيقية لها، ولكن ماذا حدث لها بعد ضمها لجامعة السودان تحت مسمى كلية الموسيقى والدراما وتخضع لإدارة الجامعة، والحقيقة المرة أن إدارة الجامعة تجاهلتها بصورة أو بأخرى وتركتها تسير في درب الضياع ولكنه أي ضياع!!.. فهو ضياع جيل بأكمله هدف وحلم بدراسة الموسيقي بصورة متقدمة وحديثة ولكنه اصطدم بالوضع المخزي كما جاء على لسان عدد من الطلاب الذين ذكروا لي معاناتهم منذ دخولهم لهذا الصرح العلمي الضخم، فأحسست بأن ألسنتهم تردد وتردد على حال كليتهم التي ضنت وقست عليهم ولم يجدوا منها الاهتمام الكافي فرددوا:
.. قسوة غريبة الشفتها منك
.. قدرت هدت حيلي الواقف
.. ليه خليتني أحبك أصلاً
.. ما تجاوب ولأ كمان ما عارف
.. وكأنهم يشيرون بهذه الأبيات الى تردي أوضاع بيئتهم الجامعية وتجاهل إدارة الجامعة لهم ولم يحظوا بالاهتمام الكافي والمنصف للتعب والشقاوة التي تواجههم في دراستهم، متمنين أن تنصفهم إدارة جامعتهم وتوقف كلمة آسف وهتفوا مرة أخرى:
.. خليك عادل مرة وناصف
.. كيف حتحس بشقاي وتعبي
.. يا الدايماً حافظ كلمة آسف
حتى يتميزوا ويشكلوا إضافة حقيقية للموسيقى بالبلاد ولو حتى بكلمة من إدارة الجامعة تداوي جراحهم فهم في انتظار أن تحس وتشعر بهم حتى ينزاح منهم الإحساس العميق بداخلهم من الظلم غير المبرر على حد وصفهم.
فأحسست بمعاناتهم وخوفهم على مستقبلهم بعد تخرجهم بدون أن يتلقوا الجرعة التعليمية الكافية حتى يستطيعوا الصمود في سوق العمل.. ورفض قلمي إلا أن يعكس معاناتهم للأجهزة المعنية والى إدارة جامعتهم بصورة خاصة حتى تكف عن غض البصر عنهم وتوليهم اهتمامها بل حتى تمنحهم المزيد. فخرجت بعد جولة استمرت أربعة أيام داخل كلية الموسيقى بحصيلة وافرة اكتشفت خلالها مواضع الخلل فيها ولم أجد أي معاناة فهي واضحة للعيان وهذه محصلتها:-
افتقار الطلاب للمعارف والتجارب.. وإبعاد المواهب؟
– اولاً.. بعد أن تحول المعهد الى كلية تابعة لجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا تغيرت إستراتيجية عمله واصبح محكوماً باللوائح الأكاديمية والتنظيمية والإدارية للجامعة، فبدلاً من الترقي أكثر تضرر كثيراً ليس هذا خيالاً ولكنها الحقيقة، ويتمثل هذا الضرر في عدة جوانب أهمها أن المعهد منذ تأسيسه استهدف المواهب في الموسيقى والدراما فقط تنقصهم الخبرات الأكاديمية، ولكن الآن اختلف الوضع حيث يدرس الطلاب أبجديات الموسيقى لافتقارهم للمعارف والتجارب السابقة، وأغلقت الفرص على المواهب الحقيقية.
بيئة تعليمية غير مهيأة..
ونقص في الأساتذة؟
– ثانياً: مبنى الكلية الحالي غير مؤهل ومهمل لدرجة بعيدة بمعنى أن البيئة التعليمية فيه غير مؤهلة حتى تساعد الطلاب على الإبداع بصورة تناسب تدريس الموسيقى، فقاعات الدراسة غير مهيأة وحوائطها مشققة وسقوفها تكاد تسقط ومنظرها لا يسر الأعين، بالإضافة لعدم وجود تهوية في بعضها والتلف الكبير في الترابيز والكراسي ناهيك عن وجود تكييف مع العلم بأن قاعات دراسة الموسيقى تصمم بصورة خاصة مثل الاستديوهات، وللأسف الشديد فحتى مكاتب الأساتذة حدث ولا حرج لا تستطيع البقاء بداخلها طويلاً، بالإضافة لعدم وجود أساتذة في عدد من التخصصات الموسيقية مثل الساكسفون والقبولة والترمبون.
إدارة الجامعة لم تضف إلى الآن جديداً للكلية؟
– ثالثاً: صدق أو لا تصدق فكل مصادري موثوق منها، فمنذ أن تبع المعهد لجامعة السودان لم توجه أي ميزانية لشراء آلات جديدة حديثة وكل الآلات الموسيقية المستخدمة حالياً في التدريس موجودة إصلاً ولم تتم لها إضافات، فحتى طرق صيانتها يعاني منها الأساتذة كثيراً، حتى قال لي أحدهم من المحتمل يا عبدالرحمن أن تتوقف كل الآلات الموجودة الآن عن العمل في العام القادم وهذا وارد لدرجة بعيدة، وذكر لي أن إدارة الجامعة ذات مرة أجازت مشروعاً قدمه الأساتذة بشراء آلات جديدة من خارج السودان، ولكن الإدارة رفضت أن يسافر الأستاذ مع ضابط المشتريات الذي جلب آلات غير مطابقة للمواصفات المطلوبة.. كيف يتم شراء آلات للكلية بدون وجود مندوب لها متخصص!! أليس ذلك إهداراً للمال..؟.. بالإضافة إلى أن كل احتياجات الكلية التي تقدم للإدارة لتنفيذها لا تهتم بها وينظرون لها بعين غريبة لأنهم بعيدون عن هذا التخصص.. وحتى اصطاف التدريس لا يجد الفرص للتدريب من خلال الابتعاث الخارجي لتبادل الخبرات واهتمام الإدارة بهذا الجانب ضعيف جداً وغير كافٍ.
ضياع التراث السوداني في مناهج الكلية:
– رابعاً.. مناهج التدريس بالكلية تحتاج لتعديل وذلك لسيطرة المادة الغربية على حساب السودانية، نعم نظرية الموسيقى الغربية أصبحت لغة عالمية لا نستطيع الاستغناء عنها (السوناتا – الكونشيرتو)، مما تسبب في انعدام التراث السوداني وغيابه عن المناهج وذلك يتطلب مجهوداً من إدارة الجامعة بتوفير المعينات والأدوات والميزانيات لمساعدة الأساتذة أصحاب التجارب والبحوث في تصميم مناهج تراثية محلية مواكبة مثل التراث الغربي… ولكن أين الجهة المسؤولة التي تهتم بذلك لتحفظ ثقافتنا.
إدارة الجامعة هل تجهل
أهمية المؤتمرات والندوات؟
– خامساً:- ويبقى سؤال مهم يتمثل في أن الكلية هي الوحيدة المتخصصة في السودان ولكنها بعيدة جداً عن إقامة المؤتمرات والندوات ليستفيد منها الطلاب مع العلم بأنه كانت هنالك ندوة أسبوعية ولكنها لم تستمر لعدم وجود الدعم المادي لها باستضافة الرواد من المبدعين للحديث عن تجاربهم، ولكن إدارة الجامعة بعيدة كل البعد عن كل ذلك.
هل فترة التدريس كافية لتخرج الطلاب:
سادساً: فترة تدريس الطلاب البالغة خمس سنوات ليست كافية لتخريجهم وذلك بسبب تدني مستواهم لأن طلاب الكلية يدخلون بدون أن يمتلكوا أي خلفية سابقة عن الموسيقى، بالإضافة لعدم توفر المعينات اللازمة لتخريجهم في هذه الفترة، وهذا الخلل موجود أصلاً في طريقة تدريس الموسيقى في السودان ويفترض أن تدرس في المراحل الأولية (الأساس – الثانوي).. وعلى الكلية أن تمنح الأولوية النظامية لطلاب الدبلوم الوسيط وتهتم بهم وتحدد نسبة اختيارهم بـ 50% من استراتيجية القبول حتى تحل المشكلة باستخدام طالب جاهز يمتلك خلفية معقولة عن الموسيقى.
كلية مهمشة..
وأساتذة لا يمتلكون أي صلاحيات:
– سابعاً: كل الشواهد تشير إلى تهميش الكلية من قبل إدارة الجامعة حتى أصاب أساتذتها قبل طلابها خوف الوجع فليس بيدهم حيلة رغم أن مجلس الأساتذة يجتمع ويناقش المسائل الأكاديمية الخاصة بالطلاب ولكنه لا يمتلك الصلاحية في اتخاذ القرارات بل يقدمها في شكل مقترحات ومشاريع لإدارة الجامعة ولكن لا حياة لمن تنادي فهذا المشترك لا يمكن الوصول إليه حالياً ولا يرد بأي استجابة، مما ترك آثاراً سالبة في نفوس الطلاب والأستاذة وكادوا أن يتناسوا حبهم لكليتهم لترديدهم..
.. قلبي البحب يا ريتو ما عرف الدرب..
.. كان فاكر إنك مختلف..
.. عمر الشقا عندك وقف..
.. ما قايلو نبع الريد بجف..
.. وتتناسى الحب والولف..
وزاد من حسرتهم الاهتمام الكبير الذي تجده كلية علوم الاتّصال التابعة لجامعة السودان المجاورة لهم فبالرغم من حداثتها إلا أنها تجد اهتماماً مميزاً من إدارة الجامعة.
ضرورة إعادة النظر مرة أخرى في المستوى:
– وأخيراً: يبقى السؤال المهم.. هل يمكن لكلية الموسيقى والدراما بمستواها الحالي المساهمة في تطوير الموسيقى السودانية؟.. لا أعتقد ذلك ما لم تتم إعادة النظر مرة أخرى في عدة جوانب لا أظنها تخفى على إدارة الجامعة التي يجب عليها الاهتمام أكثر وأكثر بالكلية حتى ترتقي بها وتمثل رافدا مهما وغنيا للساحة الفنية وحتى لا يودعها طلابها ويرددون..
.. وداعاً يا عذابي وألف مرحب يا نهاية..
.. فوت ولا أسفاً عليك..
.. بكره برمي هواك ورايا..
.. وما بندم عليك..
ونتمنى أن لا يصل الحال بطلاب كلية الموسيقى والدراما إلى مرحلة الندم على دخولهم لهذا الصرح العلمي المهم والذي يعاني ويعاني.. فمن ينقذه حتى نرتقي بمستوى الموسيقى السودانية..
والله من وراء القصد..
مع النجوم: عبد الرحمن جبر:تصوير سفيان البشرى
آخر لحظة