غفل عنها التاريخ : (السريرة بت مكي).. قصة «علم»
يعاود التاريخ كتابة سطور زمانه لينسج خيوطه على دفتره بمرور سنة جديدة من الاحتفالات بذكرى الاستقلال والذكريات متقدةً حينما يسجل لسيرة الابطال الذين منحونا التمتع بنسيم الحرية .
صناعة التاريخ لها جنود مجهولين لم يذكرهم التاريخ ولم توثق لهم امهات الكتب ولم يروا فلاشات الكاميرات تضئ وجوههم .ومن هؤلاء كانت الاستاذة المربية الفاضلة السريرة مكى الصوفى التي اسهمت بدور كبير فى الاستقلال بدورها المحرض لشقيقاتها في الحركة النسائية وادارتها مع آخريات لاول اتحاد نسوي وتكوينه فى الخفاء حتى اشرق نوره مع فجر الاستقلال وادوار كثيرة لعبتها تلك المرأة الرمز الذى غفل التاريخ ان يسطر اسمها بمداد من نور التوهج.
الاستاذة السريرة بت مكى لها انشطة متعددة فهى معلمة خرجت كثير من الكوادر النسوية المناضلة بجانب انها شاعرة تجيد نسج الحروف بلغة الضاد ومع ذلك هي فنانة تشكيلية متمرسة فى الرسم ومزج الالوان.
في العام 1955م كانت السريرة تفكر فى كيفية جلاء المستعمر من وطنها العزيز ولم يكن لها من حيلة فى احايين كثيرة غير التعبير بكتابة الشعر فكانت قد كتبت قصيدة يقول مطلعها:
ياوطنى العزيز الليلة تم جلاك
يحركها احساس بروح تفاؤلية ان الحرية قادمة ولم يطل تفكيرها كثيراً .
عبر الكلمة المنظومة شرعت وفكرت فى تصميم علم يكون رمزاً وشعاراً للسودان الجديد بعد خروج المستعمر البغيض .
وبينما اطفالها يلعبون ويشكلون الرسومات بالالوان نبعت الفكرة ومن ذات الالوان رسمت الملامح الاولى لما سيكون عليه علم السودان بثلاثة الوان هى (الازرق والاصفر والاخضر).
الأستاذة السريرة بت مكى الصوفي اخذت نفسا عميقا وبعده فصلت لنا اختيار الألوان الثلاثة ودلالاتها بالقول : اللون الازرق اختياره كان لرمزية النيل الدفاق (الماري) بالمدن السودانية وقراها. واللون الاصفر يرمز للصحراء الشاسعة الممتدة . اما الاخضر فهو رمز الزراعة التى يعتمد عليها انسان السودان.
السريرة مسترسلة فى حديثها ابانت انها بعد تصميم الشعار بتلك الالوان سلمته الى شقيقها الاصغر حسن مكى الصوفى الذى كان وقتها يدرس بالمرحلة الثانوية ولم تنس ان تدس معه قصيدة مناهضة للاستعمار وارسلتها للاذاعة حيث تم بث القصيدة عبر الاذاعة فيما بعد . اما العلم فقد عرضه مبارك زروق (كان وقتها سكرتير البرلمان) وقدمه للحكومة والمعارضة التى وافقت عليه بالاجماع.
فرحة الاستاذة السريرة وسطوع العلم الذى صممته على السارية بعد ان تم انزال العلم الاستعمارى هو شعور لا يوصف كما عبرت عنه ولحظات لا تنسى ولا تمحو من الذاكرة .
الحاجة السريرة ذات العقد الثامن من العمر تتمتع بذاكرة محفوظة بنور العلم والقرآن فهى معلمة تخرجت في كلية المعلمات (أم درمان) و جابت وعملت فى سلك التعليم بعدد من الولايات .وتخرج على يديها عدد من النساء الناشطات منهم الاستاذة وصال المهدى شقيقة الامام الصادق المهدى وزوجة الشيخ حسن الترابى بجانب الاستاذة امال السراج ومحاسن عبدالعال وسيدة الدرديرى بالاضافة للتومة احمد ابراهيم شقيقة الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم.
الراي العام
الخرطوم : مبارك حتة