تحقيقات وتقارير

عمالة الأطفال.. سياحة الجنس.. خدم المنازل.. أرضية خصبة لجرائم الاتجار بالبشر

الاتجار بالبشر .. جريمة جنائية خطيرة الأبعاد، متشابكة الاطراف ترعاها شبكات ومنظمات دولية ومحلية.. ورغم ان الجهات الرسمية لم ترصد مثل هذه الجريمة بالسودان، إلاّ أن هناك بعض الأنشطة والممارسات قد تتحول الى ارضية خصبة لمثل هذا النوع من الجرائم.. فما هي الممارسات التي تندرج تحت مسمى جريمة الاتجار بالبشر؟ وهل هناك تجارة بشر بأنواعها المختلفة بالسودان؟ ولماذا يسارع القائمون بالأمر اصدار مشروع قانون خاص بمعاقبة من يمارس هذا النوع من الجرائم؟ ولماذا بادر جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج الامساك بزمام هذا الملف (الخطير)؟.. وهل انتهاكات حقوق السودانيين والمهاجرين تعتبر اتجاراً بالبشر؟ وكيف ينظر مشروع القانون المقترح لمكافحة هذه الجريمة للسودانيين المتسللين لاسرائيل؟ وما هي أساليب وسبل مكافحة هذه الجريمة والجرائم العابرة للسودان؟.. (الرأي العام) تفتح ملف (الإتجار بالبشر) أخطر ملفات الجريمة المنظمة من خلال هذا الحوار مع الأستاذة عواطف عبد الكريم عبد الرحمن – المستشار القانوني لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج رئيسة اللجنة الخاصة لدراسة معالجات قضايا تهريب السودانيين للخارج.
….
* ماذا يعني مصطلح الإتجار بالبشر؟
– هو تعريف عالمي، يقصد به استدراج اشخاص، أو نقلهم أو اختطافهم أو ترحيلهم أو ايوائهم أو استقبالهم أو تجهيزهم لاستخدامهم في أعمال أو غايات غير مشروعة، مقابل عائد مادي أو كسب معنوي أو وعد بذلك أو بمنح مزايا أو سعياً لتحقيق أيا من ذلك بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة سواء أكانت اغراء أو قسراً أو اجباراً أو اكراها أو خلافها.
* ما هي الظروف والعوامل التي جعلتكم تفكرون في تكوين اللجنة؟
– بمبادرة كريمة من السيد د. كرار التهامي – الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج – اهتماماً منه بهذا الأمر، قام بتشكيل لجنة لدراسة ومعالجة قضايا تهريب السودانيين للخارج – لجنة مكافحة الاتجار بالبشر – في يوليو 2010م، واللجنة برئاستي وتضم عدداً من الخبراء والاشخاص ذوي الصلة بهذا الملف من داخل الجهاز.
* ما هي الأمور التي انجزتها اللجنة حتى الآن؟
– عكفت اللجنة على دراسة الموضوع واستعانت بعدد من المهتمين بهذا الأمر من خارج الجهاز، وتوصلت إلى ان هذا الأمر تتطلب دراسته من ثلاثة محاور وذلك لتحسين وضع السودان بالخارج.
* تحسين وضع السودان من ماذا؟ ولمن؟
– السودان يقع في الفئة (3) في التصنيف الذي اعتمدته الولايات المتحدة الأمريكية للدول، فيما يتعلق بمسألة الإتجار بالبشر، وبموجب هذا التصنيف أو المعيار فإن امريكا وضعت السودان ضمن الدول التي لم تصدر تشريعاً يحرم الاتجار بالبشر، في أية صورة من صورة، ولم تتخذ من التحوطات والبرامج لمساعدة الضحايا، وكذلك عدم وضع خطط لمكافحة هذه الجريمة.
* هل وضعت اللجنة مشروع قانون لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر؟
– استمر عمل اللجنة عدة أشهر، وتمخضت أعمالها عن ثلاثة اشياء مهمة:
أولاً: إعداد مشروع قانون لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر كمبادرة من جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج.
ثانياً: وضع تصور لخطة إعلامية واسعة للتوعية بمخاطر الاتجار بالبشر.
ثالثاً: اعداد فيلم وثائقي يتضمن التعريف ببعض الحالات التي وقعت لعدد من الضحايا، سواء أكانوا سودانيين أو غيرهم.
أيضاً كان من رأي اللجنة عقد ورشة عمل تعرض فيها هذه الأعمال، باعتبارها مبادرة من الجهاز على عدد مقدر من الخبراء والمختصين، حيث ان هذا الملف يدخل ضمن اختصاص عدد من الوزارات والوحدات الأخرى في الدولة وأيضاً لأخذ رأي منظمات المجتمع المدني، والاستفادة من مشاركتهم. وفعلاً تم رفع التصور للسيد الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج د. كرار التهامي ووافق عليه مشكوراً، وتحدد للورشة الأول من فبراير 2011م، لعقد أعمال اللجنة.. أيضاً ضمن المقترحات وضع تصور للجنة وطنية تضم في عضويتها كافة الجهات ذات الصلة لتكون نواة للآلية الوطنية لرعاية هذا الملف. وإذا قدر لهذه الورشة ان تقوم وان ترى أعمالها النور فبالضرورة سوف يتغير وضع السودان، وربما يؤدي ذلك الى رفع السودان من قائمة الفئة (3) الى أعلى الفئات حسب تقسيم قانون مكافحة الإتجار بالبشر الامريكي.
* وما تصنيفات او فئات الدول حسب ما نص عليه القانون الامريكي؟
– الدول حسب القانون الامريكي تقسم الى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: لديها قوانين وتدابير لحماية ضحايا الاتجار بالبشر، ومعاقبة المجرمين.
الفئة الثانية: وهي دول أبدت تعاوناً وتجاوباً في القيام بالاشياء المذكورة في الفئة الأولى، لكنها لم تصل الى الايفاء بكل الالتزامات.
الفئة الثالثة: وهي الدول التي تفتقد لكل ذلك، وللأسف الشديد السودان مصنف ضمن الفئة الثالثة، ومعة دول أخرى ومازال التقرير الامريكي الذي اعدته وزارة الخارجية الامريكية في العام 2010م، يضع السودان ضمن الفئة الثالثة.
* وهل هناك اضرار تمس السودان لكونه مصنفاً ضمن الفئة الثالثة؟
– القانون الامريكي وضع عقوبات للدول التي لا تلتزم بنصوصه.
* ما طبيعة هذه العقوبات الامريكية؟
– وقف الدعم والحرمان من المعونات.
* القانون أمريكي، وهذا يعني انه لم يصدر من هيئة الأمم المتحدة، ذلك يعني انه غير ملزم للسودان أو الدول الأخرى التي لم تلتزم به؟
– هذا صحيح، القانون المذكور امريكي وغير ملزم للدول.
* ولماذا نتقيد به في السودان؟
– القانون الامريكي لمكافحة الاتجار بالبشر هو الذي يتبعه العالم الآن ولا يوجد قانون غيره.
* كما ذكرت ان القانون الامريكي صنف السودان ضمن الفئة (3).. فهل يعني ذلك ان السودان به ممارسة للاتجار بالبشر؟
– لا، التصنيف لا يعني ان السودان أو غيره من الدول في الفئة الثالثة بها اتجار بالبشر.
* بحكم متابعة ودراسة اللجنة لهذا الملف هل توصلتم الى وجود أي نوع من انواع الاتجار بالبشر في السودان؟
– لا نستطيع القول بوجود اتجار بالبشر في السودان، ولكن هناك بعض الانشطة التي تمارس قد تؤدي الى تفشي هذه الجريمة.
* ما طبيعة هذه الأنشطة؟
– كمثال، عمالة الأطفال، والهجرة غير المشروعة للخارج، وخدم المنازل، والسياحة الجنسية باستدراج النساء لممارسة الجنس بالخارج، وبعض الممارسات الأخرى التي تشكل أرضية خصبة لجرائم الاتجار بالبشر.
* ما هي الاجراءات التي سوف تتخذها اللجنة لوقف تجارة البشر أو مكافحة الأنشطة التي تقود إليها؟
– اللجنة ليس من اختصاصها اتخاذ إجراءات أو تدابير لمنع أي شكل من أشكال تجارة البشر، بل هي محاولة لوضع خارطة طريق لما يمكن ان تتخذه الدولة من تدابير تشريعية وتنفيذية فقط.
* وهل تعتقدون ان القوانين الحالية كافية لردع سماسرة تجارة البشر، أم انها تحتاج لتعديل؟
– هناك بعض القوانين السارية الآن تحتوى نصوصاً عقابية لبعض صور جرائم الاتجار بالبشر، لكن المشروع المقترح وضع عقوبات رادعة (جداً) لمحاربة هذه الجرائم قد تصل الى السجن مدة لا تقل عن عشرة أعوام، والغرامة أيضاً، دون اغفال لتطبيق أية عقوبة أشد في أي قانون آخر.
* إذا لم يكن بالسودان اتجار بالبشر فما ضرورة فتح هذا الملف أصلاً؟
– ليس لدينا إحصاءات أو تقارير رسمية تشير الى وجود تجارة بشر بالسودان، فآخر تقرير للخارجية السودانية نفى وجود أية ممارسة لهذه التجارة، لكننا نسعى لمحاربة أي شكل من اشكال الانتهاكات التي يمكن ان تؤدي إلى المتاجرة بالبشر، ونتوقع في حالة وجود قانون صارم، ان يكون رادعاً لأية جهة أو شخص تسول له نفسه القيام بهذه الأعمال.
* ولكن، ما دواعي القانون لجريمة لا توجد بالسودان، أقصد جريمة الإتجار بالبشر؟
– هناك حالات فردية لبعض اشكال الجريمة، لكننا نخشى تفشي الأمر، لذلك صدور القانون يعتبر نوعاً من أنواع الخطوات الاستباقية لمنع وقوع أية جريمة إتجار بالبشر فالقانون يمثل ردعاً للجاني إذا فكر في ارتكاب الجريمة.
* هل اللجنة الحالية هي الوحيدة في السودان المهتمة بمسألة الإتجار بالبشر؟
– حسب علمي، تم قبل ذلك نشاط مشابه نظمته (منظمة الهجرة الدولية) ولكنه كان كورشة، ولم يكن عمل قومياً أو حكومياً، لكن النشاط الحالي يعتبر أول نشاط حكومي تقوم به مؤسسة حكومية ترعى هذا الملف.
* ولماذا جاءت مبادرة الملف تحديداً من جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، مع ان هناك جهات أمنية نعتقد انها أكثر التصاقاً بالملف؟
– لأن الجهاز يعنى بالمهاجرين عموماً، ونسبة لتزايد حالات الانتهاكات لحقوق السودانيين بالخارج تدخل الجهاز لأنه قريب من هذه الملفات، وبادر بتكوين الملف لكن في ذهن الجهاز جهات أخرى ينبغي ان يكون لها دور ملموس في هذا الأمر.
* ما هي هذه الجهات ذات الصلة بعمل اللجنة؟
– هناك جهات عدة تمسك بزمام الملف على رأسها وزارات: الخارجية والداخلية والعدل والرعاية والضمان الاجتماعي والمجلس الاستشاري لحقوق الانسان والأمن والمخابرات وغيرها، بجانب الجهاز لكونه المسؤول عن السودانيين بالخارج.
* انتهاكات عديدة ترتكب في حق بعض السودانيين العاملين بالخارج، وهضم حقوقهم.. فهل تندرج تحت ملف الاتجار بالبشر؟
– هذا دور جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج بالتنسيق مع القنصليات والسفارات السودانية بالخارج، للتدخل لحل أية اشكاليات تواجه المهاجرين السودانيين بالخارج.
* هل يشمل الملف الأجانب المقيمين بالسودان؟
– مشروع القانون يتحدث عن الجريمة العابرة للحدود، وبهذا المفهوم يمكن ان يشمل الوافدين إلى السودان أو الخارجين منه من غير السودانيين.
* وهل يشمل السودانيين المتسللين لإسرائيل؟
– بالطبع يشملهم.. ومن هنا اناشد الجهات الرسمية، وأجهزة الاعلام المختلفة باعتبارها إحدى الأدوات المهمة جداً لمحاربة الجريمة، كما أناشد منظمات المجتمع المدني للاهتمام بهذا الأمر حتى يكون السودان في مأمن، سواء أكان في وضع مصدر للجريمة، أو مستقبلاً لها، أو عابراً، لأننا نعلم ان حدودنا مفتوحة على عدد من دول الجوار، ولذلك يكون أكثر عرضة لوقوع هذه الانتهاكات. وأشكر صحيفة (الرأي العام) بصفتها أول وسيلة إعلامية تسعى للجنة لتسليط الضوء على قضية الاتجار بالبشر، ونؤمن انها لفتة بارعة ووعي كبير منها ونرجو من بقية أجهزة الاعلام المختلفة ان تحذو حذوها والاهتمام بهذا الملف لتوعية المواطنين بمخاطر هذه الجريمة حتى لا يقعوا فريسة سهلة لشبكات ومنظمات الإتجار بالبشر.

الراي العام
حوار وتصوير/ التاج عثمان