تحقيقات وتقارير

الحكومة ومناوي .. تِجخِجِخ سُنون بجيب دم

اكملت الحكومة ما لديها مع رئيس حركة تحرير السودان مني اركو مناوي، فبعد ان ماطلته زمنا في اعادة تعيينه كبيرا لمساعدي الرئيس، متخندقة في مواقفها المعلنة من تنفيذ اتفاقية ابوجا، أعلنت اقالته من موقعه الرسمي كرئيس للسلطة الانتقالية باقليم دارفور وطرده من منزله وبالضرورة استلام ما عنده من عهد ولوازم سلطة، وعينت بدلا عنه والي غرب دارفور عبد الحكم طيفور، وبالتالي تكون آخر حلقات الود المأزوم بين الطرفين التي بدأت في المدينة النيجيرية ابوجا في مايو الفين وستة قد انقطعت، ويكون كل طرف أخذ باسباب استمراره في ما اختار.
وجاء في الأخبار ان والي غرب دارفور جعفر عبد الحكم إسحق تسلم رسمياً أمس الأول رئاسة السلطة الانتقالية لدارفور بدلاً عن مناوي بموجب قرار جمهوري. وجاء فيها ايضا ان رئاسة الجمهورية أمرت طاقم الحراسة الخاص بكبير مساعدي الرئيس سابقا مني أركو مناوي بإخلاء المنزل الذي كان يقطنه مناوي بشارع البلدية ومنحتهم مهلة أسبوع للمغادرة تنتهي خلال الساعات المقبلة، وتأتي هذه التطورات بعد تطور ميداني آخر سبقها بيومين حين أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة ان جيش تحرير السودان بقيادة مناوي بات هدفا عسكرياً.
والاشارة الواجبة قبل الخوض في مناقشة القرار الأخير القاضي باعفاء مناوي وتنصيب عبد الحكم ان النزاع بين الحكومة ومناوي مكانه تنفيذ اتفاق ابوجا، وتقدير كل طرف منهما لما تم تنفيذه وكيفية تنفيذه، فبينما يعتبر مناوي ان الحكومة لم تف بتنفيذ الاتفاق وان ما نفذته منه لا يتعدى 15%، ويقول في بيان صدر منه أخيرا من مقر اقامته بجوبا، ان الأربع سنوات الماضية لم يحرز أي تقدم يذكر في عملية اتفاق سلام دارفور في أي من محاورها: السلطة، الثروة، الحوار الدارفوري الدارفوري، الترتيبات الأمنية، ويقول ان المتفق عليه هو أن يتم تنفيذ محاور الاتفاقية وفق الجداول المتفق عليها، وبشكل متزامن، وهذا لم يتم بسبب عدم رغبة المؤتمر الوطني في التنفيذ، ويقول ان الحكومة – الآن – تريد تجريد قوات الحركة، باسم تنفيذ الترتيبات الأمنية، بشكل مخالف للاتفاقية ومنافٍ تماماً مع الترتيب الزمني لمراحل تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية.
وتعتبر الحكومة أنها نفذت (70%) من اتفاق أبوجا مع حركة تحرير السودان ويقول الفريق محمد أحمد مصطفى الدابي رئيس مفوضية الترتيبات الأمنية إن حركة مناوي لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه حول الترتيبات الأمنية، ويقول أن الحكومة صبرت كثيراً على الحركة خاصة في الترتيبات الأمنية مؤكداً أن الباب مازال مفتوحاً لإدماج قواتها مع القوات المسلحة غير أنه قال إن الحكومة جاهزة للحرب إذا أرادت الحركة ذلك، ويقول وزير الداخلية إبراهيم محمود حامد إن الحكومة التزمت باتفاق أبوجا، ويشير الى أن مناوي كان يفترض دخوله الترتيبات الأمنية منذ خمس سنوات لكنه رفض لأهداف خاصة، وكما هو واضح فان الحكومة تحصر ما تبقى من الاتفاقية في بند الترتيبات الامنية.
وبالعودة الى القرار الأخير، فان اول ما يستوقف المراقب انه صدر بمقتضى مواد اتفاقية ابوجا نفسها، إذ قال رئيس السلطة الانتقالية المكلف، الشرتاي عبد الحكم، أن تكليفه ليس خصما على اتفاقية ابوجا بل مستندا عليها، وقال في تصريحه الصحافي عقب اجتماع الولاة الثلاثة الذي اقر الأمر الرئاسي، ان المادة (6 البند51،) نصت على انه فى حال غياب رئيس السلطة يتم تكليف احد الولاة بإدارتها، وبالرجوع الى نص المادة السادسة البند الحادي والخمسين كما جاءت في اتفاق السلام لدارفور، نجد البند ينص على (يترأس الاجتماعات كبير مساعدي الرئيس وفي غيابه أو غيابها يترأس الاجتماعات بالتناوب حكام ولايات دارفور الثلاثة) ويقول الخبير القانوني نبيل اديب في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ان هذه المادة خاصة بالاجتماعات فقط ولا تنسحب على تكوين السلطة الانتقالية، مشددا على ان الاستناد على هذه المادة في تعيين رئيس للسلطة الانتقالية (يلخبط) الاتفاق، ويقول اديب ان تعيين رئيس السلطة الانتقالية لدارفور يعود الى حركة تحرير السودان الموقعة على الاتفاق كطرف ثان ولا يجوز تسمية رئيس لها الا باجراء داخلي خاص بهذا الطرف وهي مسألة تتم بالتراضي داخل الحركة.
وفي تفسير مساعد رئيس حركة تحرير السودان جناح مناوي للشؤون القانونية عبد العزيز سام فان ما جرى هو (التفاف فارغ) على اتفاق ابوجا، ويقول في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ان السلطة الانتقالية ما هي الا آلية لتنفيذ اتفاق ابوجا واذا غاب اتفاق سلام دارفور فان الآلية لا لزوم لها، ويقول ان الاستناد على نصوص اتفاق ابوجا في تسمية رئيس للسلطة الانتقالية مجرد التفاف فارغ، ويقول (الآن لا توجد اتفاقية والسلطة الانتقالية الحالية جهاز من أجهزة المؤتمر الوطني وما يجري هو عملية توريث لمخلفات السلطة من ترابيز وكراسي ومقار)، موضحا ان الآليات التي جرى تكوينها بموجب اتفاق السلام تنتهي بانتهاء الاتفاق وبالتالي لا داعي للحديث عن رئيس لسلطة لم تعد موجودة لأن الاتفاق الذي انشأها لم يعد موجودا.
ومن جهته يقول مفوض صندوق اعمار دارفور محمد التجاني ان نصوص اتفاقية ابوجا تتيح في حالة غياب رئيس السلطة الانتقالية ان يختار الولاة الثلاثة بولايات دارفور احدهم ليكون قائما باعمال السلطة حتى يتم ترتيب الأمور، ولكن التجاني لا يرى ضرورة للعجلة في تعيين رئيس للسلطة ومناوي ما يزال يؤكد على تمسكه باتفاق ابوجا وعدم رغبته في الخروج عليه، ويقول التجاني في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ان أي اعادة لهيكلة السلطة الانتقالية لا تستوعب الحركة الرئيسة الموقعة على الاتفاق يعتبر تنصلا واضحا من اتفاق ابوجا ويشير الى ان اللجوء الى تسيير السلطة عبر الحركات الملحقة بابوجا أو ما عرفت بحركات الـ (دي أو سي سي) ليس حلا للمشكلة، ويقول اذا كانت الحكومة تعتزم المضي في هذا الاتجاه فليكن ما يكون، ويضيف (لكنني اذكرها اننا نفتح ابوابنا مشرعة للتحاور والتفاوض حول كل الاشكالات الموجودة الآن).
وبنظر بعض المراقبين فإن التطور الأخير بين الحكومة ومناوي يشير الى وصول الامور بين الطرفين الى نقطة اللاعودة، منبهين الى صعوبة الاوضاع التي قد تنجم من هكذا تباعد ما لم يتم الاستدراك عليه، فهل تراه ينتبه مناوي الى المآلات القاتمة التي تنتظر حركته سواء كان على مستوى منتسبيها المنضوين تحت لوائها، أو على مستوى جمهورها – المواطن الدارفوري، فالأوائل ستكون امامهم مسيرة شاقة بما فيها من تضحيات جسام قدموها من قبل وسيكون عليهم تقديمها مجددا، وبما فيها من خوض حروب خلفت جرحى ما تزال جراحهم نازفة وقتلى ما تزال اسرهم ثكلى، والأواخر ما يزال بعضهم يعانون النقص في الاموال والانفس والثمرات والبعض الآخر يعانون في معسكرات النزوح واللجوء، وهل تراها تنتبه الحكومة لخطورة خسرانها لأحد اساطين السلام الذين وقعوا باستقلالية على اتفاقية ابوجا واختاروا السير في طريق السلام كما اثبتت السنوات الخمس المنصرمة وتستدرك على تصرفاتها الموغلة في توسيع الهوة معه، أم انها ستوالي جخجخته تارة بمحاصرة قواته واعتبارها هدفا عسكريا وتارة اخرى بكيل الاتهامات له بالتآمر وتارة أخيرة بتعيين رئيس للسلطة الانتقالية وتكون النتيجة دما اضافيا مسالا كنتيجة حتمية ينطق بها المثل الدارفوري الشائع (تِجخِجِخ سُنون بجيب دم)

الصحافة
تقرير: التقي محمد عثمان