جعفر عباس

الطيارة الوهمية والطقوس الزوجية

[ALIGN=CENTER]الطيارة الوهمية والطقوس الزوجية [/ALIGN] وأنا أحدث زوجتي عن طقوس الاحتفال بعاشوراء في شمال السودان النوبي وجدت ذاكرتي في حالة فلاش باك، أي تعود بي الى الوراء لاستحضر أمورا ووقائع عجيبة عن حياة أهلي النوبيين.. تذكرت حفل ختاني.. بدأ بوليمة ضخمة كان مدعوا إليها كل من تربطه بنا صلة قربى أو جوار.. وشكلت الفتيات الصغيرات حلقة وصرن يرددن أغنيات شعبية (قلة حياء) وكنت الوحيد المسكون بالرعب وسط صخب الجمع، فقد سبق لي مشاهدة آخرين يخضعون للطهور/ الختان، ولم تكن تجربة ممتعه رغم أنني ضحكت على من صرخ منهم من الألم.. كالعادة دفع كل الصغار لي مبلغا ماليا بسيطا.. تلك كانت عاداتنا في الزواج والختان والوفاة.. الكل يسهم بالمال قدر استطاعته.. وخالي أهداني معزة وغيره أهداني نخلة،.. وكنت أعرف بأمر الفيلم الهندي الذي يشارك فيه الجميع وهم يحسبون أنهم يخدعون الصبي الذي يخضع للختان عندما يشرع “الطهّار” في استخدام الموس بالصياح: شوف الطيارة.. عندما جاء الدور علي ضايقني ان عددا كبيرا من قريباتي شكلن دائرة حولي في انتظار اللحظة الحاسمة فقررت ان اكون “راجل” تفاديا لشماتة النساء والفتيات بي.. وعندما قالوا لي بصوت واحد: شوف الطيارة!! صحت بصوت يحنن قلب الكافر: ما في طيارااااااااا، ووقع الفأس على الرأس وتوالت صرخاتي وصرت أضحوكة لمدة من الزمن حتى جاء الدور على آخرين مارسوا الصراخ والبكاء في مواقف مشابهة.. لم نكن قد سمعنا باكتشاف البنج وحتى لو كنا نعرف بأمره فمن المؤكد أن عمنا الطهار محمد شرفة لم يكن يحمل الترخيص لاستخدامه.
طقوس الزواج عند النوبيين شائكة وطويلة ومعقدة، ولا تحضرني تفاصيلها..كيف تستحضر تفاصيل مراسيم تدوم نحو شهر ويشارك فيها المئات يوما بعد يوم.. وحتى ليلة الدخلة يحشر فيها الأقارب أنوفهم… كانت الاستعدادات تبدأ بطحن كميات هائلة من القمح والذرة.. يتم حجز الطاحونة ليوم كامل لإعداد دقيق الفرح.. وتعقب ذلك ليلة الشيلية (هكذا ينطق النوبيون كلمة “شعيرية”).. يتم تمديد أعواد خشبية ملساء فوق صفائح فارغة وتجلس النساء في صفوف متقابلة ويبدأن في برم العجين حتى يتشكل كخطوط رفيعة يعلقنها على الأعواد ويستغرق إعداد الشعيرية نحو سبع ساعات ويشارك فيها نحو عشرين امرأة.. ولم تكن الشعيرية تقدم للضيوف بل للعريس، وفقط بعد اكتمال مراسيم الزفاف حيث يبقى العريس في بيت أهل زوجته لعدة ايام محاطا بأقارب وأصدقاء من الدرجة الأولى.. والله منذ أن فارقت أرض النوبة وغدد التذوق عندي في شوق للشيلية المصنوعة بالأيدي من دقيق القمح الكامل النخالة.
وفي اليوم الرئيسي للفرح (بالمناسبة أنا أكتب عن هذه الطقوس من باب التدوين والتسجيل لأن معظمها اندثر بعد ان عرف اهلنا باختراع الكراسي والكهرباء والمايكرفونات والشعيرية الايطالية المصنوعة في … الخرطوم).. في ذلك اليوم يتوزع الضيوف على 4 بيوت أحدها بيت أهل العروس ويبقى فيه فقط النساء اللواتي يشاركن في إعداد الطعام.. أحد بيوت الجيران يخصص للعروس والبنات اللواتي في مثل سنها ويسمى “نافرين نوق”، أي بيت الاختفاء بسبب الحرص الشديد ألا تقع عين العريس على زوجة المستقبل قبل ليلة الدخلة (طبعا يكون قد رآها مليون مرة قبل ذلك ولكن ممنوع الشوف ايام الزواج) وبيت يخصص للنساء المتزوجات ومن في حكمهن من حيث العمر وبيت رابع للرجال.. فاصل قصير ونستأنف الحفل.

زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

‫4 تعليقات

  1. تسلم الايادى يا ابو الجعافر فكرتنى بالعادات النوبية
    جل ما نتذكره في ايام الكهرقباء
    وخصوصا في اسوان جنوب مصر