منوعات

مبيعات الإصدارات الدينية بالسعودية من مليوني شريط إلى 10 آلاف فقط

تراجع سوق الأشرطة الإسلامية بشكل ملحوظ تحت ضغط انتشار الإنترنت والقنوات الفضائية الدينية، التي باتت أكثر من 120 قناة حالياً، ولم يعد لمحلات بيع الأشرطة الإسلامية الحضور ذاته الذي كان قبل 10 سنوات، كما أن الأشرطة الدينية والمحاضرات لم يبق لها الحضور نفسه، حيث كان الشريط الواحد لدعاة مثل محمد العريفي أو عبدالمحسن الأحمد يبيع أكثر من مليوني نسخة.
من 1350 إلى 280 محلاً
محلات الاشرطة تحولت لبيع الكتب والمستلزمات الدراسية
محلات الاشرطة تحولت لبيع الكتب والمستلزمات الدراسية

والآن بحسب إحصاءات المختصين، فإن أفضل شريط لا يتجاوز في مبيعاته 10 آلاف نسخة فقط، وهبط عدد المحلات التي تبيع الشريط الإسلامي من 1350 محلاً في السعودية عام 2001 إلى أقل من 280 محلاً حالياً، وفي العاصمة السعودية الرياض انخفض عدد المحال من 300 محل أو أكثر إلى 40 محلاً عاملاً حالياً فقط.

هذا الهبوط الحاد أجبر بعض محال التسجيلات الإسلامية على استحداث نشاطات جديدة، عدا أن غالبيتها تحول إلى أشبه بالمكتبات لبيع الكتب والمستلزمات الدراسية، ولم يعد يكتفي بالأشرطة فقط، واستحدث الكثير منها فكرة بيع قوارير من مياه زمزم، على الرغم من أن هذا النشاط الجديد مخالف لفتاوى رسمية صدرت بمنع المتاجرة بماء زمزم.
تراجع كبير.. ونشاط أقل
انخفاض عدد المحال التي تبيع الشريط الإسلامي في السعودي
انخفاض عدد المحال التي تبيع الشريط الإسلامي في السعودي

تتوزع محلات التسجيلات الإسلامية على مختلف مدن ومناطق السعودية، حتى أنه يمكن القول إنه في بلد يضم أكثر من 72 ألف مسجد تقام فيه صلاة الجمعة، كان هناك متجر أو أكثر للتسوق بالقرب من كل منها تباع فيه منتجات متنوعة ذات محتوى ديني بأسعار تتراوح بين ثلاثة ريالات (أقل من دولار) إلى سبعة ريالات فقط، ولكن الآن توقف الكثير منها عن العمل لضعف المردود المادي الذي لا يساعد على الاستمرار، مع أن المعلن عنها أنها لا تسعى للربح المادي بالدرجة الأولى.

ويؤكد عدد من المختصين في هذا المجال أن الهبوط الحاد بدأ منذ صيف 2008. ويقول الداعية والإعلامي المتخصص في الشؤون الدينية سعد السهيمي في حديثه لـ”العربية.نت” أن “كثيراً من محال التسجيلات الإسلامية أغلقت لأنه لم يعد هناك مردود مادي يساعدها على الاستمرار في السوق، ولا بد من الاعتراف بأن الإنترنت قضى على التسجيلات الإسلامية وجعلها غير مرغوبة لدى الناس، لأن من السهل الدخول إلى مواقع مجانية تقدم الجديد دائماً بدلاً من الانتظار أسابيع لحين طرحها في السوق، ولم يعد يستمر سوى التسجيلات الكبيرة فقط أما الصغيرة فتوقف منذ سنوات”.

ويبرئ السهيمي ساحة الرقابة من حدوث هذا الهبوط ويقول: “الرقابة لم تختلف رسمياً عن السابق، لكن الإنترنت الآن متاح دون قيود، من كان يتابع الشريط الإسلامي ابتعد عنه، خاصة أن أشرطة المنشدين لم تعد ناجحة كالسابق لوجود قنوات فضائية متخصصة في هذا المجال. وانحصر سوق التسجيلات في شهر رمضان فقط وبعض المناطق كمكة المكرمة وغيرها، أما الغالبية فخرجت من السوق منذ فترة طويلة”.
هبوط منذ عام 2008

يحمّل المسؤول عن تسجيلات “دار التقوى الإسلامية”، عبدالله الزوعري، وسائل التقنية الحديثة المسؤولية الكبرى في تراجع سوقهم. ويقول في حديثه لـ”العربية.نت”: “الآن من يُريد أي محاضرة يستطع أن ينزلها عبر الإنترنت بكل سهولة، بل وربما يجمع له عدة محاضرات على (سي دي) أو (فلاش ميموري) ويستمع إليها”.

وتابع “مع أننا نقدم أعمالاً جيدة إلا أن المتابعة لها باتت أقل من السابق، كما أن القنوات الفضائية الدينية أثرت أيضاً، فمعظم الشيوخ متواجدون بقوة ولكن عبر القنوات الفضائية وليس عبر الأشرطة”.

ويرصد الزوعري الهبوط في نشاطهم بالأرقام ويقول: “كان نشاطنا في السابق أكبر، كنا نصدر قرابة أربعة أشرطة في الشهر الواحد، الآن لا نقدم هذا العدد في العام الكامل، وربما يمر شهر دون أن نطرح شيئاً جديداً”.

ويؤكد: “أنا متابع جيد للسوق، فلي أكثر من 25 سنة وأنا أعمل فيه، ولمست أن التراجع بدأ من صيف 2008، في المعتاد أن التسجيلات تهبط في الإجازة الصيفية ويتحرك بعدها، ولكن منذ ذلك التاريخ لم يتحرك كما كان في السابق وما زال في تراجع مستمر”.

كما يرصد الزوعري عاملاً مهماً في هذا التراجع وهو ضعف الجانب الاقتصادي لدى الكثيرين، ويضيف: “هناك عامل مهم يغفل عنه الكثيرون وهو أن انهيار قطاع الأسهم أسهم في عملية الهبوط؛ لأن غالبية المتورطين فيها هم من المواطنين العادين الذين هم في الأساس عملاؤنا”.

ويتابع: نبيع الأشرطة الدينية بشكل ضعيف جداً وبأقل من نصف قيمة الأشرطة الدينية ومع ذلك لا تباع كثيراً، لم نعد نسمع بالأرقام الفلكية لأشرطة محمد العريفي وعائض القرني وإبراهيم الدويش وعبدالمحسن الأحمد التي كانت تبيع أكثر من مليوني شريط، الآن لا يتجاوز أفضل شريط 100 ألف فقط، وفي المتوسط إذا باع الشريط 10 آلاف نسخة عندها سيكون شريطاً جيداً، خاصة أن هناك حقوقاً تدفع للشيخ وتسجيلات خاصة مكلفة.
الإرهاب وضعف الجانب الديني
مبيعات افضل شريط لا تتجاوز 10 آلاف نسخة
مبيعات افضل شريط لا تتجاوز 10 آلاف نسخة

من جهته، يُرجع المسؤول عن “تسجيلات القادسية” في المنطقة الشرقية، وهي أحد أكبر المحال المتخصصة في بيع الأشرطة الدينية بالمنطقة، حمود الشمري، أسباب الهبوط إلى جانب الإنترنت والقنوات الفضائية الدينية، إلى الإرهاب وضعف الجانب الديني في المجتمع، ويضيف: “التراجع ملحوظ إذا ما قورن بالفترة الماضية وفي حالة ضعف شديد، ولأسباب كثيرة أبرزها انتشار الإنترنت والقنوات الفضائية الدينية والإرهاب وتغير الفكر الديني كمنهج والضعف الديني العام في المجتمع، إضافة للمشاكل الاقتصادية العامة في المجتمع”.

ويتابع: “الجانب الاقتصادي مهم، فحتى أشرطة الأغاني تعاني هي الأخرى من هذا الهبوط، فسوق الشريط الإسلامي محصور بالدرجة الأولى في السعودية، فالمبيعات في كل أنحاء العالم لا تتوازى مع المبيعات في السعودية، والتراجع هنا كبير جداً”.

ويتفق الشمري مع الآخرين في أن انتشار التقنية كان عاملاً حاسماً، ويقول: “سعة ذاكرة الجوالات الذكية له دور كبير في هبوط مبيعات الأشرطة الدينية، على اعتبار أن بإمكان الشخص تحميل ما يريد من مواد صوتية دون تكلفة مادية عليه”، وأيضاً يبرئ ساحة الجهات الرقابية من المسؤولية، ويضيف: “لم يعد هناك تشدد من الجهات الرسمية، كان ذلك في السابق أما الآن فلم يعد هناك إنتاج يمكن أن يتعب الجهات المسؤولة، لهذا لم تعد تدقق كثيراً في عملنا كما كان في السنوات الماضية”.
انقسام ديني.. وغلو
وسائل التقنية الحديثة سببت تراجع سوق الاشرطة الدينية
وسائل التقنية الحديثة سببت تراجع سوق الاشرطة الدينية

لا يعتبر الكثير من العاملين في هذا المجال الهدف التجاري عنصراً أساسياً لهم، الكثير منهم يسعى إلى ترويج أفكار دينية معينة في محاولة منه لفرض آرائه الخاصة، فتوجه صاحب المحل يحدد ما يمكن أن يباع فيه، وهذا الأمر أثر على السوق أكثر.

وعلى سبيل المثال يرفض صاحب أحد المحال المتخصصة في بيع الشريط الإسلامي بيع أشرطة بعض الدعاة من ذوي التوجه السلفي المعاصر والأناشيد الإسلامية. وهو حريص على أن يكرس كل إمكانياته لترويج دروس وكتيبات فئة معينة من كبار علماء البلاد كالشيخ عبدالعزيز بن باز ومحمد الصالح بن عثيمين، ويقول: “هناك فتاوى للعلماء والفقهاء تؤكد أن الأناشيد هي إنتاج لمجموعة من المبتدعة والفرق الضالة، وهناك محلات تروج لها بين الناس، ونسأل الله لهم الهداية”.

ويرد عليه صاحب محل لا يبعد عنه أكثر من شارعين، بأنه لا يعدو أن يكون ترديداً لكلام فئة من الغلاة. يوقول: “هذه الفئة تدعي أنها السلفية الخالصة، وأن غيرهم مجرد مبتدعة وضالين”.

العربية نت