طه: اختيار سلفا للانفصال (رأي شخصي) لا يعرضه لمحاكمة سياسية
عقد الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية نهار أمس بمجلس الوزراء، لقاءً تنويرياً تداعت له وسائل الإعلام كافة، تحدث فيه عن كواليس اجتماعات نيويورك الأخيرة، وقضايا الإستفتاء وما بعده، وقضيتي أبيي وترسيم الحدود، بجانب التحديات الماثلة أمام الشريكين والقوى السياسية والرأي العام كافة في المرحلة المتبقية على قيام الإستفتاء، وتلقى طه الأسئلة وأجاب عليها بالتفصيل..
«الرأي العام» تَنشر ما خرج به من اللقاء التنويري:-
….
محطة فارقة
واعتبر طه في فاتحة حديثه، أنّ الأشهر المقبلة وحتى يناير ستكون محطة فارقة في تاريخ السودان، وعبّر عن أمله في أن تكون التطورات التي ستقع موجبة تعين على استدامة السلام، لأنها مرتبطة بمواثيق متفق عليها.. ومضى للتذكير بأن نيفاشا نصت على فترة انتقالية تنتهي فى يوليو المقبل، ويقول إنّ الذي يقرأ ويراجع دفتر الإنجاز يجد أن هذه المرحلة مرّت بسلام، ويشير إلى أنّ كثيراً من الناس كان يتشكك منذ توقيع الاتفاقية في سلامة نوايا الاطراف حول الجنوح للسلم ومدى الرغبة فى استقرار الاوضاع وتحقيق السلام واستدامته، ويضيف: كلنا يذكر ان المعارك بلغت أشدها قبل اتفاقية ميشاكوس والمعارك التي دارت في توريت وما قبلها ولذلك كان هنالك قدر كبير من القلق حول إمكانية ما يُمكن أن تتم السيطرة على نوازع القتال والمواجهات، وأن ينتقل الناس لتحقيق السلام والاستقرار ولكن ذلك تمّ بفضل الله تعالى وبحرص ومسؤولية أهل السودان جميعاً والأطراف التي قامت على هذه الاتفاقية. ويقول: نستطيع القول إنّ استدامة السلام والنأي عن المواجهات عسكرياً كان أبرز ملامح السنوات الست ما عدا حالات استثنائية قليلة، وإن سجل الترتيبات الأمنية كان موجباً. ويضيف أن الفترة شهدت قيام مؤسسات الحكم المختلفة وقد حدث ذلك أيضاً، وكلنا يذكر أن قلقاً كبيراً صاحب الناس حول إمكانية تحقيق الاستقرار السياسي والتحول الديمقراطي وأن تُجرى الانتخابات، وأثبتت التجربة ان السودان اجتاز الامتحان وقامت مؤسسات سياسية دستورية مفوضة ومنتخبة انتخاباً شرعياً مباشراً عبر انتخابات شهد لها العالم، واعترف بنتائجها، وكسبت الإرادة السياسية السودانية قوة دفع وتفويض سياسي داعم للمضي في إكمال بقية مستحقات اتفاقية السلام.
تحدٍ كبير
ويضيف طه، انه وبتجدد الإرادة السياسية في مارس الماضي قبل الانتخابات وجدت الساحة السياسية نفسها أمام تحدٍ أكبر وهو إكمال الاتفاقية بدخول البلاد مرحلة إجراء الاستفتاء، وحق تقرير المصير وهذه مرحلة كلنا ندرك مدى القلق الذي يساور المواطنين والرأي العام حول مآلاته ونتائجه وآثاره على البلاد والمحيط الذي يلي الدولة والترقب بدا بطرح السؤال الابتدائي: هل سيجرى الاستفتاء؟، نقول: الاجابة هي ان الاستفتاء سيجرى إن شاء اللّه وسيقوم وفقاً لما نصت عليه الاتفاقية بشروطه ومواصفاته الواردة في الاتفاقية، ويقول: هذا السؤال كان محط التلاقي الذي جرى في نيويورك وكان هو محك الإجابة التي ينتظرها التجمع على صعيد المجتمع الدولي، وجاءت الإجابة من طرفي الاتفاقية: الالتزام بإجراء الاستفتاء وفقاً لما نصت عليه الاتفاقية في موعده، هذا من حيث الإرادة السياسية والعزم والالتزام، وترك للمنظمات التي تقوم على إجْراء الاستفتاء إكمال الترتيبات الفنية التي يليها وفقاً لنص الاتفاقية.
مواصفات الاستفتاء
ويقول طه، إنّ الأمر الثاني هو كيف يكون الاستفتاء معيناً ودافعاً لتعزيز الاستقرار واستدامته..؟ واتفاقية السلام ليست بوقف الحرب فقط، وإنّما لتأسيس مسار السلام في السودان أيما كانت نتائج الاستفتاء، ولذلك يجب التركيز على أن ينصب على ضمانات استدامة السلام، وأولى الفقرات ألاّ يكون الاستفتاء محل نزاع أو خلاف سياسي حول إجراءاته وكيفياته ونتائجه، ومن مصلحة الجميع أن يُجرى الاستفتاء وفقاً للمواصفات المتفق عليها بأن يكون حراً ومفتوحاً ونزيهاً وفي اجواء تسمح للمواطنين في الجنوب الإدلاء بأصواتهم والتعبير عن إرادتهم بحرية، وهذا هو الذي يجري حوله الحوار حالياً مع الطرف الآخر (الحركة الشعبية) والمجتمع الدولي لضمان هذه المواصفات وهو في مصلحة الجنوب أولاً ومصلحة السودان ككل ثانياً، ومن ثم ترتيب أوضاع الوطن بناءً على ذلك الاختيار الذي تكون نتيجته موضعاً للاعتراف والقبول من الجميع.
ما بعد تقرير المصير
ويمضي طه، إلى أن الأمر الثالث هو النظر إلى ما بعد الاستفتاء، ويقول: وفي هذا المنحى هنالك العديد من القضايا المستحقة والمتصلة بإجراء الاستفتاء، التي يمكن أن تؤدي لاستدامة السلام الذي تحقق، وعلى رأسها قضيتي أبيي وترسيم الحدود والاتفاق حول ما موضوعات ما بعد الاستفتاء وهي موضوعات ترتب لفرضية الانفصال اذا ما وقع، بحيث تكون العلاقة بين طرفي البلاد واضحة.. ويضيف: في كل هذه القضايا هناك الآن جهود تبذل لمعالجتها، وهنالك تشاور حول ملف أبيي في أثيوبيا، ولابد أن نشير إلى أن إجراء الاستفتاء في أبيي يرتبط بالوصول لاتفاق يحقق التراضي والقبول من المجموعتين الموجودتين بمنطقتي أبيي والمسيرية، حتى تلحق بالاستفتاء العام. ويقول، إن ترسيم الحدود ومجموعة قضايا ما بعد الاستفتاء هي التي تستلزم الدفع باتجاه الفراغ منها قبل اجراء الاستفتاء، ومن هذا المحور فاننا ندعو وننبه الحركة الشعبية والمراقبين جميعاً على الصعيد الإقليمي والدولي على أن هذه القضايا المتبقية تحمل من الأثر على قضية استدامة السلام وترتيبات الاستفتاء ما يقتضي ان تعطى ذات الاهمية، لاننا إذا ما اتخذنا المنهج الانتقائي في إكمال بعض الموضوعات وترك بعضها على التراخي، فمن شأن ذلك أن يؤثر وأن يقود الى التوترات، ويفتح المجال لعودة المواجهة التي التقى الجميع وأعلن مراراً عدم العودة للحرب مرة أخرى بين أجزاء البلاد. ومن ثم فإننا ندعو للتعجيل في ترسيم الحدود والاتفاق على قضايا ما بعد الاستفتاء، ونبدي قلقنا وعدم رضائنا عن البطء الذي يلازم مسار تطبيق الاتفاقية وتنفيذها فيما يخص هاتين القضيتين.
خيار الوحدة
يؤكد طه، أن الحديث عن أن الاتفاقية لم تُنفذ، حديث يجابنه الواقع وتكذبه الحقائق المتعلقة بتنفيذ جوانب الاتفاقية في مستوياتها المختلفة، هذه القدرة على تحقيق هذا المعدل العالي من النجاح بالنسبة لجوانب الاتفاقية المختلفة هي التي نرى أنها يمكن أن تخرج بها البلاد لبر السلام في المرحلة المقبلة، ويؤكد الإلتزام بوحدة السودان، ويقول: كلنا نعمل لوحدة السودان وسنظل نعمل لهذه الوحدة ليس فقط حتى اليوم الأخير لإجراء الاستفتاء، ولكن ما وراء يناير المقبل، ستظل قناعاتنا الوطنية والفكرية والاخلاقية والسياسية هي ان ما يجمع أهل السودان في الجنوب والشمال أكبر مما يُفرِّقهم، وأي ما يمكن أن يقع من اختيارات لمواطني الجنوب السودان في ظل استفتاء حر ونزيه ومراقب وما يمكن القبول بنتيجته هو اختيار سيجد منا قبولاً، ويؤكد أن ذلك لن يقيم حاجزاً أو حائلاً إذا ما كان الاختيار هو الانفصال، ولن يكون ضد المضي في العمل لاستعادة الوحدة وتأمينها وتمتين الروابط التي تجمع بين شطري البلاد حتى في حال الانفصال. ويضيف أن المناخ والاجواء التي يمكن أن تسمح للتجربة التي أرستها اتفاقية السلام، أن تمضي قدماً لترسيخ الوحدة الوطنية متاحة وممكنة وعملية، ولذلك فإن حيثيات الانفصال تبدو مجافية لهذا المنطق وهي التي تستلزم ممن ينادي بها أن يعمل على اقناع الرأي العام سواء في الشمال او الجنوب بهذا المنطق، ونحن نعلم أن هنالك قدراً من الشحن العاطفي وقدراً من محاولة التشويش، ولكن ما ينفع الناس هو الذي يمكث في الأرض في نهاية المطاف.
الجانب العملي
ويشير طه إلى أنه فيما يخص الجانب العملي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، فإنّ الروابط التي تجمع الشمال والجنوب هي روابط قوية لن يوهن منها أن تكون نتيجة الاستفتاء هي الانفصال لان المصالح الحيوية التي تربط بين الطرفين من حيث المصالح الاقتصادية والتجارية والروابط التاريخية العريقة بين المجتمعات ليست فقط على طرفي خط التمازج في الولايات العشر، ولكن على امتداد تلك المساحة في وجود أبناء السودان من الشمال والجنوب، كلها ستظل عوامل دفع. ويضيف: نحن نرى أن المرحلة المقبلة تحتاج الى ان يكون هناك حراك وطني عام بعيداً عن أجواء التوتر وبعيداً عن أجواء تحقير الذات او إلقاء التهم، نريد أن يكون هناك مناخ وطني يمكن السودان من عبور هذه المرحلة المهمة والحساسة بنجاح ويعزز من استدامة السلام، ونحن نراهن على أن يقوم الاستفتاء وان يستدام السلام في ذات الوقت وهذا لا يتأتى إلاّ بسلوك مسؤول من الاطراف السياسية كلها في الساحة السياسية شمالاً وجنوباً وأن يتكثف الحوار الوطني، ويقول: هذا هو الوقت الذي يمكن أن تطرح فيه الرؤى والافكار السياسية على أساس القدرة لاقناع الآخرين، واذا انتهجنا هذا المنهج فإن المؤشرات تقول ان السودان يمكن ان يتجاوز هذه المرحلة بسلام وان يحتفظ بالاستقرار وأن يتجنب العودة للحرب، ويضيف: هذه الرسالة هي التي حملناها الى نيويورك وطرحناها أمام الرأي العام الدولي وبمراجعة مخرجات الملتقى تجدون ان المجتمع الدولي عبّر عن الحرص على هذه المعاني، ومنها ما يشير إلى تقدير الجهود التي تبذلها الحكومة في تعزيز وتوسيع دائرة السلام في بقية أنحاء السودان خاصة وفي المناطق الأخرى، هذا الإعتراف من المجتمع الدولي كما عبّر عنها البيان الختامي هي رصيد لنا في تطوير علاقاتنا الثنائية وعلاقاتنا الدولية في المرحلة المقبلة من منطلق هذا الفهم المشترك.
علاقات دولية
ويقول طه: الآن نريد أن يخرج السودان من تجربة الاستفتاء بعلاقات دولية أكثر قَوةً ومَتانةً على الصعيد الثنائي في دول الجوار وعلى الصعيد الإقليمي والدولي. ويستدرك: نحن نعرف أن هناك قوىً شريرة وقوىً لا تريد للسودان الخير، وقوىً طامعة في خيرات السودان، ولا ترغب في أن تراه يقف دولة قوية ومستقرة، ولكن بالنظر الكلي لما جرى من اتصالات نجد أن هذا التيار وهذا التوجه المنعزل هوالأقل حظاً للقبول في الساحة الدولية، والآن على صعيد الجوار نجد أن التيار الغالب هو التعاون مع السودان والحرص على استقراره ووحدته واستدامة السلام فيه، وإذا نظرنا للمحيط الأفريقي والعربي والإسلامي نجد أن هذا هو التيار الغالب، إن لم يكن الإجماعي في هذه المحاور كما عبر عنها الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وعلى الصعيد الأوروبي – يذكر طه – ان هناك مواقف مؤيدة وداعمة وترغب في أن تدخل مع السودان بعلاقات اقتصادية وسياسية أفضل في المرحلة المقبلة بغض النظر عن نتائج الاستفتاء حتى لو انتهى لانفصال الجنوب، وهذه هي الرغبة التي عبّرت عنها كثير من الدول الأوروبية بشكل واضح ومباشر، وصحيح أن هنالك دولاً لا تزال تراوح مكانها من حيث التلويح بالعقوبات والسعي إلى الضغط على السودان لتغيير مواقفه وقناعاته السياسية والفكرية والأخلاقية، والتلويح بشتى السبل من المحكمة الجنائية والعقوبات الاقتصادية وغيرها، ولكن في هذا الموقف ليس هناك إجماع، بل اننا نرى أن التيار الذي كان معادياً للسودان خلال الفترات الماضية بدأ يشهد انحساراً وتراجعاً، وستظل معركتنا معها مستمرة طالما أن هناك صراعاً بين الحق والباطل.
أجواء نيفاشا
وفي رده على سؤال حول انحراف رغبة بعض القيادات الجنوبية عن اجواء نيفاشا الداعية للعمل من اجل الوحدة، يقول طه: صحيح اننا في نيفاشا فيما هو مكتوب في النصوص وفي الحوار المطول الذي جرى هناك، كانت هناك أفكار وأحلام مشتركة بشأن السودان الواحد الموحد، وكانت هنالك تأكيدات من زعيم الحركة آنذاك د. جون قرنق بأن يقع إلتزام حقيقي من قبل الحركة بما نصت عليه الاتفاقية من إعطاء أولوية للوحدة، وان تكون هنالك برامج في هذا الاتجاه، ولكن أيضاً الاتفاقية ضمنت ما اتفق عليه في ميشاكوس من ان هذه التجربة ستتعرض للمحاكمة السياسية في نهاية الفترة الانتقالية، وان تصويتاً سيقع عبر استفتاء لمواطني الجنوب لتعزيز وحدة السودان في إطار الفترة الانتقالية أو اختيار الانفصال، الذي يتبادر إلينا كما يتبادر لكثيرين ان الحديث عن الانفصال على الرغم من انه مشروع في إطار نصوص الاتفاقية، إلاّ أنّه غير مبرر سياسياً، ويؤكد أنه يختلف تماماً مع الذين يقولون إن التجربة الآن تؤشر باتجاه الدعوة للانفصال، ويقول إن تجربة تنفيذ الاتفاقية بكل معايير السياسة والمحاكمة الموضوعية تشير الى انه ليس هناك ما يدعو للانتهاء الى هذه النتيجة السياسية (الانفصال)، لأنَّ بعض الجوانب لم تتحقق أو تنفذ بما يرضي الطموح، إلاّ أنّ ما تحقق لإرساء الأرضية الصالحة لتفاعل شمالي جنوبي يمكن ان يصحح ويستكمل ما لم يقع تنفيذه على الوجه الأتم خلال المرحلة الماضية، هذا هو منطق الواقع والحقائق ومن ثم فإنّ الدعوة للانفصال في تقديري لا تستند إلى نصوص الاتفاقية، ويمكن أن تستند الى قراءة لمن يطرح هذا الاتجاه ولترتيبات أخرى عبّر عنها بعض المشاركين في اجتماعات نيويورك بوضوح، وكانت فيها إشارات إلى أنهم ينتظرون لحظة اقتناص هذه الفرصة الكبيرة التي ستقع في أيديهم لتحويل جنوب السودان الى مقاطعة خاصة بمصالحهم وأجهزتهم.
تكهنات
ويقول طه، إنّ الثاني الذي يراه، انه ليس هناك من يملك الآن الحديث عن ان الانفصال هو إرادة مواطني الجنوب، وليست هنالك مؤشرات من استطلاعات رأي حقيقي يمكن الاستناد عليها، ولذلك نحن نفرق بين ان يكون لكل امرئ أو مجموعة أياً كانت دوافعها لتقول ان الانفصال هو الموقف التي ستتخذه، وبين من يقول إنّ هذا رأي مواطني الجنوب الذين لا يمكن أن نحترم رأيهم إلاّ عبر استفتاء حر ونزيه، ونحن نعلم أنه يمكن أن تقع هناك محاولات لمصادرة هذا الرأي أو التأثير عليه، ولكن نعمل ونتمسك بأن يكون التعبير عن رأي مواطني الجنوب هو ان يحدد الحقيقة عن إرادتهم وهذا هو الذي تضمنته كل الوثائق، ومن هنا يصبح الحديث عن طرح الوحدة والانفصال وتنوير الموطن الجنوبي بها أمراً لازماً، ومسؤولية وطنية، وانا اظن اننا في سبيل الوطن لا نتحرك في اطار ضمانات، وادعو كل وطني غيور شمالي أو جنوبي يؤمن بوحدة السودان ان يتجشم المصاعب والمخاطر من اجل إسماع صوته. نحن الآن نتحدث من الخرطوم عبر الإعلام، ولكن لابد من تجميع حملة وطنية قومية جامعة، تحوي كل الفصائل وليس شرطاً أن تتفق على أن يكون هنالك برنامج موحد، هناك برنامج واحد من حيث المضمون ولكنه ليس موحداً من حيث الاطراف، ويمكن لكل طرف أن ينهض واي طرفين او ثلاثة يقع بينهم توافق لابد من دفع هذه الحملة الوطنية، وقمنا بهذه المحاولات، والساحة السياسية شهدت دعوات لتجميع القوى الوطنية، ولكن تدخل الأجندة الفرعية وتبعد الناس عن الهدف الوطني الأسمى والأعلى، الدعوة الآن تسمو قضيتنا فوق الحسابات السياسية الجزئية، وعلى القوى السياسية كافّة أن تخرج للساحة وتقول كلمتها وتذهب للجنوب لنضع الأمور على المحك، وهناك التزام وهناك تصريحات وإعلانات بأن المناخ مكفول والحريات مُتاحة والجميع يستطيع أن يطرح دعوته فلماذا لا نضع النقاط فوق الحروف..؟ ولا أريد أن أعلِّق هذه القضية على شخص أو مجموعة أو فئة أو حزب، وعلى الجميع التحرك الآن وننظر بعدئذٍ الى ما يطرح، ويضيف: هذه معركتنا ومعركة كل وحدوي، وعلينا أن نتصدى لها شماليين وجنوبيين بغض النظر عن انتماءاتنا السياسية ونخوضها حتى يمكننا تحقيق ما نصبو إليه.
أزمة الوقت
ويقر طه بأنّ هناك فترة وجيزة متبقية لتنفيذ مطلوبات الاستفتاء، لكنه يرى أن الأمور واضحة، فهناك قضية ترسيم الحدود اذا ما غيّرت الحركة الشعبية الآن من موقفها الذي يقوم على مقاطعة أعمال اللجنة القومية وهذا أمر غير مبرر ندعو الحركة لمراجعته والالتزام بالاتفاقية نصاً وروحاً في وجوب المشاركة باجتماعات اللجنة القومية للترسيم، ويمضي: سبق وأن توصلت هذه اللجنة وفق المعايير التي اتفقت عليها هنالك اتفاق على أكثر من (80%) من المسألة الفنية فيما يتعلق بها، وتبقى تنزيل الحدود على أرض الواقع ميدانيا، وهناك توجيهات متفق عليها من رئاسة الجمهورية وعلى المستويات السياسية لاتمام القضية، ثم استكمال الحوارات حول النقاط التي لا تزال موضع خلاف، هذا الوقت كاف إذا توافرت الإرادة السياسية وإذا ما توافرت النية لتجنب ما يمكن أن يقود إلى المواجهات والتوتر فيما بعد إجراء الاستفتاء.
استفتاء أبيي
ويؤكد طه، أنه لا يمكن أن يجرى الاستفتاء في أبيي إلاّ بالاتفاق على القضايا العالقة، ويقول إن المقترح الأمريكي فيما يتعلق بمن يملك حق التصويت مقترح لا يشكل نقطة انطلاق للحل، ولذلك تحفظنا عليه واعترضنا عليه في يومه، والآن تجرى مباحثات حول هذه النقطة الاساسية، ويضيف أن الورقة الامريكية تضمنت بعض الحوافز الاخرى وتحفظت في بعض المسائل، ولكن القضية الجوهرية ان هناك تبايناً في الموقف بين المقترح الامريكي وبين ما هو موجود في البروتوكول وما يمكن أن يصبح حلاً متفقاً عليه بين الاطراف. والآن في اديس ابابا هناك وفد يمثل أحزاب حكومة الوحدة الوطنية ويمثل مواطني ابيي من جانب المسيرية ودينكا نقوك، وهذا تمثيل كافٍ اذا توافرت الارادة يمكن ان يصل لاتفاق، واذا لم يتم لن يكون هناك مجال لإجراء الاستفتاء في أبيي، والتحدي هو الوصول الى اتفاق لإمكانية إجراء الاستفتاء في موعده.
ويشير طه فيما يلي اجتماع مجلس التحرير الثوري للحركة الشعبية المنتظر، إلى أنه يقدح في موقف الذين يقولون إن هذا رأي الجنوب الآن نحو الانفصال، وسمعنا وتابعنا ان الحركة تريد أن تدعو المجلس للانعقاد، ويمكن ذلك الرأي العام من أن يعلم هل هناك اختطاف للقرار أم أن هناك تأسيساً للقرار عبر مؤسسيته..؟
خلاصات نيويورك
وحول خلاصات الاجتماعات الامريكية يقول نائب الرئيس، إنها في اجتماع نيويورك المفتوح وفي خطاب الرئيس الامريكي، ويضيف: تناقشنا حول مسألة إكمال اجراءات تنفيذ اتفاقية السلام، وأعلنّا المواقف المعلومة الآن للجميع. وكان واضحاً أن الموقف الامريكي الرسمي يقبل ويدفع باتجاه انفصال الجنوب ويهيئ اذهان الرأي العام الامريكي والمجتمع الدولي الاعتراف بذلك، ولكن فيما يخص الجانب المباشر في هذا هو التركيز على ان يكون هذا القرار صادراً عن إرادة من مواطني الجنوب. ونحن لا نريد أن يصادر قرار مواطني الجنوب، وان يكتب نيابةً عنه مسبقاً بعملية غسيل الدماغ وممارسة مصادرة حق المواطن الجنوبي. ويمضي: أياً كان فانني أقول إن الانفصال قرار يسبح عكس تيار التاريخ حتى ان تحقق عبر استفتاء حر ومتفق عليه، سنعترف بنتيجته ولكننا نقول انه لن يخدم مصلحة المواطن الجنوبي ولكنه أمر متروك لاختيار المواطن هناك، ونأمل أن يكون هذا الاختيار وحدة او انفصالاً نابعاً من اختياره وليس مصادرة أو استباقاً لما يقرر.
العلاقات السودانية الأمريكية
ويستطرد طه حول لقاءات نيويورك بالقول: الجانب الآخر كان عن العلاقات السودانية الامريكية، ومعلوم أن الادارة الامريكية قدمت أطروحة عبر سكوت غرايشون فصلها في زيارته الأخيرة للخرطوم، بأن الإدارة تعرض مراجعة بعض إجراءات العقوبات والحصار التي كانت قائمة ضد السودان في مقابل أن ترى تقدماً في تنفيذ اتفاقية السلام وموضوعاتها. نحن منذ البداية أوضحنا للجانب الامريكي أن الالتزام بإنفاذ اتفاقية السلام لا يحتاج أن يحفزنا أو يعاقبنا عليه أحد. التزامنا السياسي بإنفاذ الاتفاقية نابع من إرادتنا الوطنية وليس مرتبطاً بمساومة، ونحترم من وقّعنا معهم الاتفاقيات وسنمضي في إنفاذها بذات الروح التي بدأنا بها إنفاذها منذ (2005م) حينما كان الموقف الأمريكي كله عقوبات وسلبا وتضييقا وحصارا، ولن يجعلنا ذلك نتراجع في تنفيذ الاتفاقية، ولن تحملنا الحوافز والاغراءات على ان ننفذ ما لسنا بقناعة لتنفيذه، وإنّما الذي يقنعنا ويحملنا على التنفيذ هو قناعتنا الذاتية بما وقعنا عليه. وعلى كل فإن القضايا والمؤشرات التي طرحت من الجانب الامريكي تحتاج الى فعل مباشر لاننا سمعنا كثيراً الى مثل هذه الالتزامات في مرات سابقة ومن إدارات سابقة وعلى كل المستويات ولم نر إلاّ تعلات بأسباب متصلة. والارادة الامريكية امام امتحان والتزام المصداقية، ويضيف أن تجربة الشعب أثبتت أن كرامته الوطنية أعلى من أن تشترى، ولكننا نقول ان كانت تصحيح العلاقات مرتبطاً بسلخ جلدنا أو بتغيير قناعاتنا ومواقفنا الوطنية فلن نقبل به.
محاسبة سلفا كير
وتعليقاً على حديث الفريق سلفا كير ميارديت رئيس حكومة الجنوب حول التصويت للإنفصال، يقول طه، إن ذلك من حقه الشخصي والمفترض ان نناقشه عما حمله لخيار الانفصال، ولا يمكن أن نحاسبه سياسياً إلاّ إذا قال أنا كرئيس للحركة ادعو للانفصال، والتعبير عن موقفه الشخصي حتى لو لم يكن مقبولاً لا أظنه مجال لمحاسبة سياسية. والجدل هو ما الذي دفع الإنسان لتغيير مواقفه؟ ويؤكد أنه لا نية مسبقة لتعويق الاستفتاء عن مواعيده، أو عدم الاعتراف بنتائجه إذا ما جاء مطابقاً لنص الاتفاقية ولكل حدث حديث حسبما تسير الأمور.
زيارة مجلس الأمن
ويتطرق طه لزيارة مجلس الأمن للسودان، ويقول إنه فرصة للتعرف على القضايا، والمجلس ليس كله ضد السودان، وهنالك فرصة لحوار داخل المجلس لما يمكن ان تكون عليه شواهد الواقع التي تؤيد الموقف الذي تتخذه الحكومة والدول الصديقة، ومن هذا الواقع رحبنا بحضور اعضاء المجلس وزيارتهم. نستخدم سياسية الكتاب المفتوح وليس لدينا ما نخفيه، وستظل مطالبنا بشأن قضية المحكمة الجنائية وكل القرارات المجافية للواقع ضد السودان سيظل صوتنا فيها عالياً ومطالباً بإلغائها، بجانب إزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب، وأياً ما كانت فنحن في الساحة الوطنية كَيّفنَا أنفسنا على التعامل معها وامتصاص آثارها السالبة والمضي قُدُماً في التنمية والسلام.
الراي العام