منوعات

أبناء سعوديون منسيون في الخارج.. قصص مأساوية وهوية ضائعة

يعيش مئات الآلاف من أبناء السعوديين في بلدان كثيرة من العالم، منذ ستينات القرن الماضي، قصصاً مأساوية، وأوضاعاً معيشية صعبة، بعد أن تركهم آباؤهم خلف ظهورهم، وعادوا إلى ديارهم.

القصة بدأت عندما تزوج الكثير من السعوديين من نساء في بلدان مثل الفلبين وإندونيسيا والمغرب وسوريا ومصر، وغيرها، دون موافقة رسمية، أو أوراق تثبت ذلك الزواج، ثم تركوا نساءهم وأبناءهم وعادوا إلى بلدهم.

الكثير من هؤلاء الأطفال لا يربطهم ببلدهم، المملكة العربية السعودية، سوى جواز السفر الذي يحلمونه. وبعضهم لا يتحدث العربية، ولا يدين بالإسلام، ولكنه حين تسأله عن جذوره يجيب ببساطة: السعودية.

“واجه الصحافة” مع داود الشريان ناقش هذه القضية، التي أصبحت تشكل هاجساً مؤلماً لهيئات حقوقية كثيرة؛ مع عدد من المسؤولين ونشطاء حقوق الإنسان وجمعيات خيرية، أسست خصيصاً لمتابعة أوضاع أبناء السعوديين في الخارج.

الارتباط دون حساب الآثار

في البداية، قال الدكتور مفلح القحطاني، رئيس جمعية حقوق الإنسان السعودية، إن المشكلة مرتبطة بالسلوك الإنساني، وبدأت بالإرادة الفردية، وعندما يقرر أحد الارتباط دون حساب الآثار المرتبطة بهذا القرار.

وأضاف أن هناك توجهات في المملكة لوضع قوانين صارمة حول هذه الأمر، بحيث تتم معاقبة الزوج السعودي الذي يتزوج في الخارج دون موافقة رسمية، أو عندما يتزوج يجبر على الاعتراف بأبنائه.

وقال إن الحل يبدأ بإيجاد توعية، ومن ثم تنظيمات وتعليمات تصل للسفارات السعودية في الخارج، وأيضاً تصل للجهات المسؤولة عن توثيق الزواج في تلك الدول، بحيث يجب أن يكون هناك جهد من وزارتي الخارجية والداخلية مع السفارات لحل المشكلة.

أرقام السفارة غير دقيقة

مقدم برنامج واجه الصحافة داوود الشريان

من جهته، قال نجيب الزامل، رئيس مجلس جمعية العمل التطوعي، إن الأرقام التي تصدرها السفارة عن أبناء السعوديين في الخارج غير صحيحة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن عددهم بالخارج أكثر بكثير مما هو معلن. وضرب مثالاً بالفلبين، مشيراً إلى أن هناك مئات الأسر والأبناء السعوديين، في وقت تعلن السفارة أنهم لا يتجاوزون 9 أسر.

ويشير الزامل أن الكثير من الأثرياء ذهبوا إلى الفلبين بقصد التجارة وتزوجوا هناك، وعندما أنجبوا أبناء عادوا وتركوهم. وشبه القضية بأنها أشبه بقنبلة قابلة للانفجار، مشيراً إلى أن ملكة جمال الفلبين سعودية، وظهرت في إحدى اللقطات وهي ترتدي قطعتين فقط، وتلف علم السعودية، وشعار لا إله إلا الله على جسدها، معتبراً أن المشكله في تلك الدول هي أن اللغة تضيع والدين كذلك والهوية.

وانتقد الزامل عدم سعي السفارات السعودية في الخارج إلى المبادرة في البحث عن أبناء السعوديين المنسيين في الخارج، معتبره تقصيراً من السفارات.

جامعة الدول العربية هي الحل

من جهته، قال الدكتور هادي اليامي، مستشار قانوني، أن أصل الزواج الديمومة أو الاستدامة، ولكن ما يحدث الآن أن كثيراً من الحالات هذه حالات فردية وقتية، وليس هدفها إنشاء أسرة، معتبراً أن هذه الزيجات خرجت عن الإطار القانوني وتحولت إلى الزواج العرفي وغيره.

مضيفاً أن الموضوع يحتاج دراسة موضوعية ودقيقة من جميع الدول وتنطلق من داخل المملكة لمعرفة أبعاد المشكلة، التي لا نشاهدها في أوروبا مثلما يحدث في الدول العربية والإسلامية، لأن القانون هناك واضح وصريح.

واقترح اليامي حلاً للمشكلة، ينطلق من جامعة الدول العربية، بسن قانون موحد للتصدي لهذه الظاهرة التي انتشرت في كل الدول، بحيث يكون على شكل لائحة تلتزم بها جميع الدول العربية.

قوانين المغرب وضعت حداً للمشكلة

جانب من برنامج واجه الصحافة

في وقت ذكر الكاتب محمد معدي أن هناك ما يقرب من 200 حالة لأبناء سعوديين في المغرب، في وقت تزيد الأعداد في سوريا ومصر. وقال إن أبناء السعوديين في الخارج يندرجون تحت حالات معينة، إما أنهم انقطعوا بوفاة الوالد والوالدة، ومعهم جوازات سفر سعودية، وإما أن الأمر جاء نتيجة انفصال الزوج عن الزوجة بحيث ترحل الزوجة إلى بلدها مع الأبناء. ومعروف أن قوانين تلك الدول لا تسمح بسفر أبناء المواطنة دون موافقتها، وهنا تزيد المشكلة.

وضرب معدي مثالاً بالمغرب في تطبيق القوانين الصارمة التي تشترط حضور الزوجة الأولى، والموافقة على أن يتزوج زوجها بأخرى للموافقة. وعن مواقف تلك الدول من هذه القضية، مثل سوريا ومصر، قال معدي إن أنظمة الزواج في بعض الدول غير واضحة، ويمكن لأي محامٍ أن يعقد الزواج، دون توثيق رسمي، مما يسبب الإشكالية لاحقاً.

سعوديون يعيشون تحت خط الفقر

وتحدث معدي، الذي سبق وأجرى تحقيقات صحافية حول هذه القضية في سوريا، كيف أنه وجد بعض الفتيات السعوديات اللواتي لم يتجاوزن 14 أو 15 سنة يسكن في غرفة مع 6 أشخاص، بعضهم ليسوا محارم لهم، كما قابل أسراً سعودية بعضها لا يملك أي مصروف، ويعيشون في غرف لا تتجاوز مترين.

وأكد معدي أنه في سوريا لا يوجد دعم مادي من قبل السفارة لهذه الأسر، وقال إن جمعية “أواصر” قامت في وقت من الأوقات بإعطاء السعوديين هناك ما يقرب من 160 ريالاً لمدة شهر واحد، ومن ثم عاد مندوبها للرياض. وحول هذا الأمر أكد مفلح القحطاني أن الجمعية المعنية هي “أواصر”، وأنهم يعلقون آمالاً كبيرة عليها.

فيما قال هادي اليامي إن المسؤولية مشتركة بين الجمعيات المدنية في البلد، ودور الرعايا والسفارات في الدول الأخرى، وحقوق الإنسان لها دور في التواصل والتنسيق لحل هذه القضية.

أرقام وإحصاءات

يذكر أنه منذ 2008 طفت قضية (أطفال سعوديون في الخارج بلا آباء) على السطح بشكل كبير، حيث يترك مئات السعوديين في دول عديدة أبناء أنجبوهم من خلال زيجات تتم غالباً إما عرفياً أو بطريقة تقرها عادات أو تقاليد شعوب تلك الدول بطريقة أو بأخرى أو لأسباب عديدة، حيث تتعرض 90% من تلك الزيجات لهروب الآباء بمجرد معرفتهم بوجود حمل أو بعد الولادة.

من جهتها، أكدت مصادر الداخلية السعودية أن أبرز مسوغات الشباب السعودي للزواج من خارج المملكة تتمثل في غلاء المهور، أو توقف الزوجة عن الإنجاب إما لكبر سنها أو لعارض صحي، أو يكون طالب الزواج من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يجدون من يقبل بهم من داخل المملكة، أو وجود صلة قرابة بين الطرفين، كأن تكون الفتاة ابنة خالته أو خاله وما شابه ذلك.

فيما تشير تقارير إحصائية إنفاق السعوديين لنحو 100 مليون ريال في الزواج السياحي من خلال عشرة آلاف حالات زواج تمت أغلبها في سبع دول عربية وشرق آسيوية هي: مصر، المغرب، سورية، اليمن، إندونيسيا، الهند والفلبين. وكانت الفترة الزمنية لهذا النوع من الزواج لا تقل عن أسبوع ولا تزيد عن شهر.

العربية نت

تعليق واحد