معدل وفيات الأمهات بالسودان يدعو للانتباه
قالت الدكتورة لمياء الفاضل مديرة البرنامج القومي للصحة الانجابية في حوار إن المسح السوداني لصحة الأسرة كشف ان معدل وفيات الأمهات بلغ (1107) لكل (100.000) حالة ولادة حيّة وفق المعدل العالمي، ويعتبر هذا المعدل كبيراً ويدعو للانتباه ومعالجة الاسباب ومنها ضرورة نشر التثقيف الصحي وتفعيل مدارس القابلات، وأشارت الى أن هذا المعدل يعتبر الأكبر نسبياً في ولاية كسلا التي تعتبر شمال دارفور أقل منها تأثراً لانتشار مدارس القابلات.
من جهة أخرى أكدت الدكتورة لمياء ان الوزارة قد اعتمدت ومنذ العام 2009م ضرورة التبليغ عن وفيات الأمهات لأن معرفة الأسباب تساعد على ايجاد الحلول. ودعت الدكتورة لمياء في الحوار الى ضرورة الاهتمام بتجديد اجيال جديدة من الزائرات الصحيات لدورهن المتعاظم في تثقيف الام والإشراف.. تفاصيل الحوار:
أثار تقرير المسح السوداني لصحة الأسرة الذي أجري في العام ألفين وستة واستكملت بعض عناصره المهمة والتفصيلية في العام الحالي نقاشاً واسعاً في أوساط المختصين داخل المؤسسة الطبية وعند المنظمات المشتغلة بصحة الام والطفل والصحة الانجابية التقرير أعد بواسطة وزارة الصحة الاتحادية إدارة البرنامج القومي للصحة الانجابية بجانب عدد من الجهات ذات الصفة المرجعية كاليونسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان والبنك الدولي التي قدمت دعماً مقدراً لإعداد التقرير وتوثيقه خاصة وأنه غطى خمساً وعشرين ولاية في السودان بما فيها الولايات الجنوبية ودارفور، ولأن التقرير بحاجة لاضاءة لما يحمله من قراءة لاتجاهات الصحة الانجابية وتماساتها الاقتصادية والثقافية والمجتمعية، بل والسياسية جلسنا إلى الدكتورة لمياء التجاني الفاضل مديرة البرنامج القومي للصحة الانجابية والمختصة في طب المجتمع وتدارسنا معها ما بين سطور التقرير فكانت هذه الافادات الجريئة.
* الدكتورة لمياء من الصعب الحديث عن أرقام وبيانات لغير المختص في المسح الطبي، ولكن لنسأل أولاً لماذا أخذ هذا التقرير دون غيره هذا الاهتمام من الاوساط الطبية وتم نشره وتداوله على هذا النحو الواسع؟
– أولاً.. لأنه آخر التقارير المعتمدة حول الصحة الانجابية بشكل عام ولا يوجد تقرير أحدث منه خاصة في موضوع وفيات الامهات، ويعتبر مرجعيتنا هو المسح السوداني لصحة الأسرة ورغم انه اجرى في العام الفين وستة واستكملت بعض عناصره، كما انه شمل خمساً وعشرين ولاية بعكس التقارير التي كانت تجرى في السابق وتنحصر فقط في شمال السودان ووسطه، هذه المرة شمل جنوب السودان وشرقه وغربه وولايات دارفور.
* هل مشاركة جهات ذات طبيعة إقليمية أو دولية كاليونسيف ومنظمة الصحة العالمية وبعض الشبكات الوطنية العاملة في المجال هو ما أعطى التقرير هذا الرواج؟!
– دعنا أولاً نؤكد أن وزارة الصحة الاتحادية وتحديداً البرنامج القومي للصحة الانجابية هو ما جعل موضوع الصحة الانجابية أولوية قصوى ترتب على هذه الأولوية زيادة الاهتمام من الشركاء، هذا الاهتمام من الداعمين والممولين أعطى التقرير صفة العمل الجماعي المشترك والعلمي.
* ولكن معدل الوفيات مزعج؟!
– معدل الوفيات في السودان ألف ومائة وسبعة لكل مائة ألف ولادة حيّة.. لا أعرف تحديداً ماذا تعني بكلمة مزعج، لكن هذا هو القياس المعتمد عالمياً وهو حسب المعدل العالمي يعتبر مؤشراً يدعو للانتباه.
* هل ذات المعدل يساوى بين الريف والمدن؟
– هذا هو المعدل العام بغض النظر عن تقسيم ريف – مدينة وفي المسح غير موضح انو حضر أو ريف لكن الواضح انو في الريف المعدل أعلى وولادة الأمهات تتم تحت شروط صحية أقل، مع ملاحظة أن ثمانين في المائة من حالات الولادة تتم في المنازل لذلك علينا أن نجعل الخدمات قريبة من المجتمع أعني الخدمات الطبية والرعاية الصحية متى توافرت تقلل من وفيات الأمهات وتحافظ على الأطفال حديثي الولادة بحالة صحية جيدة وهذا الدور تتكامل فيه مسؤولية الدولة والمجتمع.
* تحدثت عن الأمهات ماذا عن الأطفال؟!
– التقرير أوضح ان وفيات الأطفال الرضع وهي نتيجة مرتبطة بشكل جوهري بصحة الام هذا هو السبب الذي عمق الإلتزام في وزارة الصحة الاتحادية بهذه القضية كأولوية.
* وعلى ماذا تعتمد هذه الاحصائيات يا دكتورة لمياء؟!
– تعتمد هذه الاحصائيات على التقارير الدورية من الولايات وأوضحت ان تغطية القابلات تصل الى ستين في المائة ونحن في السودان التزمنا بقابلة لكل قرية وبالتالي نحتاج لتكثيف الجهود لتفعيل دور مدارس القابلات.
* عفواً، ولكن تكلفة هذه المدارس تُترك للولايات؟!
– نعم.. ولكننا في وزارة الصحة الاتحادية نقدم الدعم الفني كتدريب المعلمات اللائي يعملن بهذه المدارس بجانب توفير الوسائل المعينة على الدراسة ونجعل المعلمات على صلة بالمستجدات الحديثة. والواقع ان بعض الولايات غير مهتمة بمدارس القابلات، فالقابلات يمثلن حجر الزاوية في عملية الصحة الانجابية لأن الاحصاءات تشير الى ثمانين من حالات الولادة في السودان تتم بالمنازل بعيداً عن متناول الخدمة الطبية ودورنا هو تقريب الشقة بين مكان الولادة وتقديم الخدمة أو المساعدة الطبية.
* هذا عن القابلات في الماضي. كنا نسمع بالزائرة الصحية هل الزائرة الصحية أو المرشدات يختلفن عن القابلات؟!
– بالضرورة.. الزائرة الصحية دورها اشرافي إداري وهي مسؤولة عن القابلات في المنطقة المحددة حسب التقسيم الإداري المتبع في وزارة الصحة.. في أم درمان توجد مدرسة للزائرات الصحيات. الزائرة الصحية هي المسؤولة عن القابلة وتدريبها يستغرق ثماني سنوات وعددهن الآن في شح وتراجع كبير خاصة وأن اعداداً كبيرة من الزائرات الصحيات بلغن السن المعاشية ولم يتم تجديد هذا الكادر بما يغطي الحاجة الماسة له خصوصاً مع تزايد السكان.
* هل يقتصر دور الزائرة الصحية فقط على الإشراف الإداري أم ثمة ادوار اخرى؟!
– الزائرة الصحية تقدم ادواراً حيوية جداً منها التثقيف الغذائي للام الحامل والمرضع وتضطلع بخدمات تنظيم الأسرة وفي تنظيم الأسرة نحن نركز على تباعد الولادات بحيث تستعيد الام صحتها ويجد الطفل الفرصة لينمو بشكل سليم ومباعدة الولادات تسهم بشكل كبير ربما بنسبة عشرين في المائة من تقليل حالات الوفيات للام.
* تباعد الولادات هل يعني فترة زمنية محددة مثلاً بالأرقام؟
– سنتان بين الولادة والحمل الذي يليه، في الوقت هذا يجب ان تعلم الأم أنها معرضة للحمل وتستخدم الوسائل المتاحة لمنعه.. فترة النفاس والحمل أيضاً بحاجة لنصائح الزائرة الصحية خاصة مسألة التغذية والنظافة والعناية بالطفل وساعات الرضاعة.
* حديثاً تأثرت بعض مناطق السودان ببعض المؤشرات السياسية والأمنية هل لامس التقرير لهذه التأثيرات؟
– كما قلت أؤكد ان هذا المسح تمّ على أساس مهني مرجعي وعلمي وكشف المنهج الذي تمّ به البحث عن نقاط يمكن ان نقول عنها جديدة، فمثلاً ولاية كسلا حققت أعلى معدل في وفيات الأمهات ربما أعلى من ولاية شمال دارفور وذلك لسبب بسيط مدارس القابلات في ولايات دارفور فعالة تعمل ولم تتوقف، مدارس القبالة في دارفور شغالة كويس أحسن من الجنوب ومن شرق السودان رغم وجود القابلات التقليديات اللائي يستخدمن حتى الآن (ولادة الحبل) وأهمية هذه الملاحظات ان يعرف الناس أوجه القصور لتتوجه لها الخدمات. اجرينا في وزارة الصحة الاتحادية بحثاً مشتركاً لبحث جودة الخدمات مع مجلس السكان العالمي (الدكتورة ناهد طوبيا) كان التركيز فيه للتعريف على الفجوات الحقيقية في الريف لتقديم الخدمات المتاحة.
* الخدمات وحدها قد لا تكون سبباً ربما ثمة دوافع ثقافية مجتمعية أخرى.. لنتحدث عن حالة شرق السودان مثلاً صاحبة المعدل الأعلى في وفيات الأمهات؟
– في ولاية كسلا ظهرت معدلات عالية نسبياً لوفيات الأمهات.. شخصياً لا أعتبر كسلا من الولايات الفقيرة ولكن تغطية القابلات فيها ضعيفة جداً وهمشكوريب أقل تغطية من غيرها من المناطق.. افتتحت مدرسة للقابلات في همشكوريب لأن المجتمع هناك يرفض إرسال الفتيات للمدينة بحكم الثقافة والمعتقدات والتقاليد.
* الدكتورة لمياء بحكم مسؤوليتكم في وزارة الصحة الاتحادية وتحديداً في إدارة الصحة الانجابية هناك تكتم شديد ربما للتبليغ عن حالات الوفاة عند الأمهات، فالمثل السوداني يقول: (الام قبرها مفتوح أربعين يوم)؟!.
– مثل هذه الأمثال تمثل عقبة في نشر الوعي بأهمية التبليغ عن حالات وفيات الأمهات وأقول لك في يونيو ألفين وتسعة أصدرت وزيرة الصحة الاتحادية قراراً بالزامية التبليغ الفوري عن وفيات الأمهات والاطفال وتم ذلك بدعم من وكيل الوزارة وانشاء مكتب لتقصي الوفيات واسبابها.. وكشفت حالات التبليغ في ولاية النيل الأبيض مثلاً ان من الأسباب النزف، فتم تنظيم حملات للتبرع بالدم في المستشفيات وهذا نتيجة لتوافر المعلومة الصحيحة التي قادت لانتاج الحلول وقد تم تجاوز المشكلة تماماً لأنه عرف السبب.
* وهل هذا القرار يلزم المستشفيات الخاصة أم يقتصر فقط على المستشفيات الحكومية؟!
– المستشفيات الخاصة معظمها في الخرطوم وولاية الخرطوم عندها نظام قوي وفعال للإشراف وبالتالي حتى المستشفيات الخاصة ملزمة بالتبليغ. الشاهد اننا في وزارة الصحة نزلنا المعلومة للولايات وتنزلت من ثم للمحليات وجاءتنا بلاغات كثيرة.
* بعيداً عن تلك الأسباب المذكورة هل يمكن أن يكون الأهمال سبباً آخر يضاف لأسباب وفيات الأمهات؟!.
– الرعاية الصحية الأولية للحامل ولطفلها وهو داخل الرحم عامل مهم وتكرار الحمل وسلامة الام في الولادة الأولى لا يعني ان المخاطر زالت في الولادة الثانية، فلكل حمل مخاطره التي تختلف عن السابق فعلى الام أولاً ان تدرك هذه الحقيقة وتراجع الجهات الطبية المتخصصة أولاً بأول. وفي المجتمع السوداني ثقافة يجب ان تتغير وهي أن الام آخر من يتناول الوجبات وهكذا.
* هل تواجه المرأة العاملة مخاطر ومهددات في مسألة الحمل والولادة؟
– الأطباء يقولون إن الحمل مسألة طبيعية جزء من التركيبة الفسيولوجية للمرأة فيجب ألا تتوقف حياتها لأنها حامل بل عليها أن تمارس حياتها بشكل طبيعي، بل عليها ان تراعي بعض المواجهات وتبتعد عن العمل الجسدي الشاق الذي تترتب عليه مضاعفات.
* وفق رؤيتك للتقرير ما هي أبرز أسباب وفيات الأمهات في السودان؟!
– أول الأسباب (النزف) والثاني (الالتهابات) ثم اليرقان أي التهاب الكبد الفيروسي ومن جانبنا اسهمنا في توسيع التطعيم الفيروسي، بجانب الاسباب المرتبطة بامراض العصر الحديث كمضاعفات السكري وتنتقل هذه المشاكل للطفل حديث الولادة لأنه يتأثر بصحة الام.
* الزواج المبكر أو التأخر في سن الزواج؟
* الزواج المبكر يسبب مشاكل صحية من نواع آخر وهو منتشر في الريف، ففي حالة الزواج المبكر تتعرض الام لمخاطر الناسور البولي وهو مرض يصيب الام بالاذى النفسي والمعنوي، فالعديد من المصابات بالناسور البولي يهجرهن أزواجهن ويتعرضن للعزلة المجتمعية.. والولادة في سن متقدمة تعرض الجنين للتشوهات، لذلك فالوسطية في تحديد سن الزواج هي ما ينصح به الأطباء
* تغير نظم الغذاء هل يؤثر؟!
– المواد الحافظة عموماً تمثل خطراً على صحة الأم وطفلها وحتى في الريف، فالأطعمة الطبيعية الطازجة هي أفضل ما يمكن ان تتناوله الام خاصة الخضر والفاكهة.
الخرطوم: مصعب الصاوي-كاميرا: إسحق إدريس
صحيفة الراي العام