الطاهر ساتي
دنيا الناس … غرائب ..!!
** بعد خمس سنوات من الهجرة ، مرض عم صالح هناك ولم يعد قادرا على العمل ، فأقنعته الأسرة اليهودية بالعودة إلي وطنه، ولكن وحده بلا إبنه محمد ، حيث إلتزمت له ذات الأسرة بتحمل كل أعباء تربية إبنه وتعليمه هناك .. فوافق عم صالح للمرة الثانية ، وعاد وحيدا ، تاركا طفله مع تلك الأسرة اليهودية ..وإستقر به المقام حيث زوجته التي تكبدت رهق رعايته حتى إسترد عافيته ، وظل معها حينا من الزمن حتى إنتقل إلي الرفيق الأعلى ، رحمة الله عليه ..ولكن منذ عودته وحتى وفاته لم يتم أي نوع من أنواع التواصل مع إبنه الذي تركه مع الأسرة اليهودية بفرنسا ..وكذلك لم تبذل تلك الأسرة أي جهد لمد حبل التواصل بين الطفل ووالديه .. وهكذا ظل حال التواصل مقطوعا بين الطفل وأمه وأبيه وأهله .. !!
** وعلى ذاك الحال تجاوز الإبن داخل تلك الأسرة اليهودية مرحلة الطفولة ثم الصبا والمراهقة ، حتى تجاوز الخمسين عمرا ..حيث لم يعد بذاكرته أى شئ عن أمه وأبيه و بلده وأصله وحسبه وإسمه ، وحتى عقيدته التي كانت إسلامية بالفطرة وعند الطفولة حلت محلها اليهودية ..نعم نجحت الأسرة اليهودية في نزع كل تلك الأشياء من ذاكرة الطفل وقلبه ، حيث شب وشاب يهوديا .. وتزوج بممرضة فرنسية تعمل بأحد مشافي باريس و أنجب منها إبنه دانيال وإبنة لا أذكر إسمها حاليا.. والممرضة الفرنسية هذه هى التي تعرفت بأحد قساوسة الخرطوم بحري قبل أربع سنوات عندما ذهب الي باريس مستشفيا ، ودار بينهما الحديث عن السودان ، وهنا تذكرت الفرنسية بأن زوجها كان قد حدثها ذات يوم بأن أصوله من دولة إفريقية إسمها السودان ، ولكنه لايعرف أي شئ عن تلك الأصول ..ونجح القس في تطوير هذه المحادثة إلي عملية بحث عن أية معلومة تخص هذا السوداني المنسي .. !!
** ونجح .. قبل عامين وبواسطة موظفة بوزارة الزراعة نجح القس فى مد حبل التواصل بين الإبن وأمه التي لا تزال على قيد الحياة .. وفيما بعد نجح في إحضار الإبن من فرنسا .. حيث جاء يحمل الخمسين ونيف عمرا .. وكم كان محزنا عندما لم يستطع أن يتعرف على أمه التي إستقبلته عند صالة الوصول بصحبة أهلها و إبنها الثاني والذي هو شقيق هذا القادم الغريب الوجه واليد واللسان والثقافة والدين .. لحظة التلاقي كانت مؤلمة ، حيث الأم ذات السبعين ونيف إنتظرت تلك اللحظة بحنان الأم وإشتياقها لإبن فارقها طفلا وها هو يعود رجلا .. ولكن لحظة التلاقي عند الإبن لم تكن مشبعة بتلك الأحاسيس ، بل كانت مجرد لحظة إستكشاف ومعرفة هذه المرأة التي أنجبته، بدليل إبداء رغبته في أن يستضيفه القس بمنزله لحين عودته إلي فرنسا سالما .. ولكن بالطريقة السودانية أقنعوه بأن منزل الأب والأم هو المكان الأفضل للابن .. وقد كان بعد توسط وموافقة القس ..المهم ، التقيا ومكث معها عشرين يوما ، وكانت لغة العيون هي لغة التفاهم بينهما طوال العشرين يوما ، ما لم يزرهما مترجم ..قبل رمضان بشهرين ، غادر إلي فرنسا حيث أسرته الصغيرة وتلك الأخرى التي نزعت منه عقيدته وهويته ولغته وثقافته ..هكذا القصة الواقعية لعم صالح وزوجته وإبنهما .. سردت بعض تفاصيلها ، تاركا كل المغزى لفطنة القارئ وفطرته السليمة .. !!
إليكم – الصحافة الجمعة 18/09/2009 العدد 5831
tahersati@hotmail.com
الأستاذ الطاهر ساتي
كل عام وأنت بخير
التحية لك وأنت تسلط قلمك ليضئ نورا ويزيح ستار أسدلته ظروف وسنوات غربة غريبة ومختلفة عن ما ألفه أهلنا في حلهم وترحالهم في أرجاء المعمورة.
إطلعت على مقالكم بعنوان دنيا الناس غرائب والمنشور في موقع النيلين هذا بتاريخ 22/9/2009 حيث أردت من خلال تعليقي هذا تصحيح بعض المعلومات التي وردت في مقالكم المذكور أعلاه بحكم مرافقتي للأخ محمد صالح إبراهيم الحلفاوي في رحلته الأولى بعد سنوات طويلة غيبته من أهله وأبعدته عن وطنه، حيث رافقته في رحلته هذه بين باريس والخرطوم وذلك ما بين عامي 2000 و2003 لأنني لا أذكر التاريخ بالضبط إلا أنه بكل تأكيد لم تكن رحلته الأولى الى السودان قبل عامين كما ورد في مقالكم.
تعرفت على الأخ محمد صالح عن طريق الأخ عماد ماجد الموظف في سفارة السودان في باريس والذي جاء الى مطار شارل ديغول في ذلك اليوم لتسهيل إجراءات سفر الأخ محمد صالح. روى لي الأخ عماد قصة الأخ محمد حيث ذكر لي بأن الأخ خيري عكود (سوداني مقيم في باريس) هو أول من تعرف على محمد صالح عن طريق احد الأشخاص من غرب أفريقيا وليس ذلك القسيس، حيث قام خيري عكود بتزويد محمد بهواتف وعنوان السفارة السودانية التي قامت بدورها بالبحث وإيجاد معلومات عن أسرة الأخ محمد صالح التي تعيش في حلفا الجديدة وليس الخرطوم بحري.
تجاذبت مع محمد صالح بعض الأحاديث في داخل الطائرة دون الدخول في تفاصيل حياته وقد طمأنته عن السودان رغم الفارق الكبير الذي سيجده بين السودان وفرنسا وذلك لكي لا يصطدم بواقع مختلف لم يألفه في باريس حيث ذكر لي أنه يعلم ذلك وتبادلنا أرقام الهواتف للتواصل بعد عودتنا الى باريس.
عند وصولنا الى مطار الخرطوم وجدت أثنين من أقارب محمد صالح سمح لهما بصورة استثنائية الدخول في صالة الوصول لإستقبال إبنهم حيث ذكر لي أحدهم بأنهم أعمامه.
بعد عودتنا الى باريس تهاتفنا وتقابلنا مرتين حيث دعوته في إحداها الى تناول وجبة غداء بلدي لا أذكر ان كانت قراصة ام كسرة قامت بتجهيزها والدتي أطال الله عمرها وقد سرّ بذلك أيما سرور فسألته عن كيف وجد أهله فقال أنه وجد والدته بصحة جيدة الا أنه كان يتحدث معها عن طريق مترجم (محمد يتحدث الإنجليزية بجانب الفرنسية) وذكر لي أنه تربى فيي كنف أسرة فرنسية ولم يكن يرغب في الخوض في الحديث عن ذلك وقد ذكرت له بأنه من الحسنات احتفاظه بإسم محمد طيلة هذه المدة فثى على ذلك، وروى لي كيف عادت ذاكرته ليتعرف على الأطفال الذين كان يلعب معهم في عطلته الوحيدة والقصيرة للسودان مع والده وقبل أن ينقطع عن السودان وعمره حوالي ال 14 عام وحكى لي عن كرم الأهل في السودان والولائم التي كانت تقام يوميا بمناسبة مقدمه بعد أن كان متخوفا عن غياب المعلومة لإيجاد غرفة في فندق وكم من المال يحتاج لتغطية نفقات تلك الرحلة من مصاريف حيث ذكر لي أنه قابل خيري عكود وشرح له بأنه لا يحتاج غير تذكرة السفر لزيارة أهله وعرفت في ذلك اللقاء أن له أبن وإبنة الا أنه منفصل عن زوجته (تحليلي الشخصي أنها لم تكن تعلم زيارة محمد الأولى للسودان).
قبل حوالي عامين هاتفته للسؤال عنه فذكر لي أنه يزور السودان في أغلب عطلاته السنوية منذ ذلك الحين، بعد قرائتي مقال الأستاذ ساتي حاولت الإتصال به عدة مرات الا انني لم أفلح في ذلك.