حوارات ولقاءات

الروائي بدرالدين عبد العزيز:الرواية وريثة الشعر و فقدت صفحة من حياتي

[ALIGN=JUSTIFY]فقدت صفحة من حياتي
شخوص رواياتي يمثلون صورة لعدم التوافق الإجتماعي
الروائي والقاص بدر الدين عبدالعزيز بلال من مواليد ام درمان، عاش بمدينة ملكال صباه الاول ودرس علم الاجتماع والهندسة الاجتماعية بجامعة طرابلس، وحاصل على دبلوم عالي في تنمية المجتمع من جامعة النيلين، له من الروايات :«خريف السافنا الموحش» و«امرأة تحترق» و«دوائر مفرغة» و«قافية على النيل الابيض» و«البحث عن شكل اخر للحياة» و«القربان» التي يعمل على كتابتها الآن ورواية «ابقار دينانق الجميلة» التي فازت بجائزة الطيب صالح للابداع الروائي 2007م، وله مجموعتان قصصيتان «الارض الحمراء» و«ذات الرداء الكريستالي» تجدر الاشارة الى أن الروايات والمجموعتين القصصيتين لم تصدر حتى الآن رغم المحاولات التي بذلها في طرابلس والسودان، جلسنا اليه وحاورناه حول عدة قضايا فكرية وفلسفية وابداعية حول الروايات السبع والمجموعتين، وعدم الاصدار واعتبر ان جزءاً من الاسباب يخصه .. «كسل» في مرحلة، أما الجزء الاخر «بعد الخروج من مرحلة الكسل» واجه تعقيدات ومعوقات كثيرة، وخلاصة الامر ان الناشرين «في السودان بالتحديد» يتخوفون من الاسماء المغمورة»..
حوار:الهادي راضي
رويات وقصص
سبع روايات ومجموعتان قصصيتان.. ما هي المسافة بينهما؟
القصة هي قصيدتي حين انسحبت من الشعر أو انسحب هو مني وجدتني اتغلغل داخل القصة، فالقصة تمثل مقطعاً جزئياً، وهي بناء هندسي مكثف وجميل ولاتدع لك مجالاً للانصراف حتى الفراغ منها، لذا هي قد تحتويك وتأسرك.. ولكنها ضاغطة كالقصيدة بتداعياتها.
وهذا ما يجعلها مختلفة عن الرواية رغم انهما تشتركان في عملية السرد. ايضاً ما تمنحه لك الرواية من مساحة لا تجدها في القصة وهذه ميزة للرواية. والرواية هي وريثة الشعر وهي أيضاً تعني أقصى صورة وصل اليها تطور الادب في هذا العصر.
وبما أن الرواية الآن مكتوبة في شكل مشاهد متراصة.. كل مشهد فيها مرتبط بالذي يسبقه ويوصل في ذات الوقت للذي يليه، فإنها مكونة من مقاطع جزئية متراصة تكون البناء الكلي للنص، وهذا ما يجعل الرواية عبارة عن مجموعة جزئية تشكل كلاً متكاملاً. وطبعا لها تكنيكها الخاص بها كما أن للقصة تكتيكها الخاص.. وكما اسلفت هما تجتمعان في السرد ولكن لكل منهما مجالها ومناخها.
تغير إجتماعي
ثمة تغييرات طرأت على حياة الفرد من قيم وسلوك، وفقاً لنظرية التغير كيف ترى الامر؟
صحيح أن طوفان السطحية يجتاح كل شئ وحتى العلاقات بين افراد المجتمع اضحت مشكلة وفق هذا النمط. وصحيح ان التغير الاجتماعي قد دارت عجلته وفعل فعله ايضا بكل شئ.
والوفاء مثلاً كقيمة اجتماعية قد اتخذت مفهوماً آخر، ليس ذلك المفهوم القديم حيث كانت كل الاشياء تؤخذ لذاتها فقط، هنا الوفاء اضحى مفروضاً وذلك وفق المصلحة التي كانت سبباً في العلاقة من الاصل. هذا يجعل الافراد مجبرين على الوفاء ما بقيت المصلحة قائمة على العلاقة الرابطة بينهم.. هذا لايعني اللا وفاء، ولكن هذا النمط من السلوك يفصل الجانب الجمالي ويقصيه في العلاقة القائمة بهذه الرؤية الموضوعية النفعية للمصلحة.
فالجمالي والموضوعي يتضادان هنا. ولكن أيضاً هل هذه ضرورة وفق رؤي هذا العصر؟.. ام ان هناك شيئاً من التحلل يعتري العلاقات القائمة بين الافراد؟. على كل فالواقع ينذر بالنزوع اتجاه الفردية والخصو صية المفرطة وهذا شئ نراه واضحاً حتى على مستوى علائق الافراد داخل الاسرة الواحدة، فالمصلحة نفسها لم تعد مصلحة مشتركة في الواقع.
تيه وعزلة:
هل دخلت في عزلة؟..
هناك صفحة من حياتي فقدتها.. ولا ادري كيف فقدتها وانا الآن لا افتقدها. رغم أني مازلت احمل غربتي بداخلي.. والدنيا وكانها تعاديني وتحاصرني تحجمني وتعزلني مبتعدة عني لا ألوم المجتمع على حالة انعدامي تلك التي عشتها.. فصغريتي نابعة مني اعانيها انا ـ ربما تكون هواجسي، لكن لا يد لاحد على ما حاق بي.
وربما هي عزلة للذات عن بقية مكوناتها.. هذا اذا سلمنا بأن الذات كل مركب وان الانسان هو المادة في اعقد صورة لها.
لا انكر ان هناك سنيناً ضاعت متسربة مني انا الآن لا ادري تماماً بما دار بها واين اضعتها وكيف؟
ولكني احس بفقدها وبخسرانها، اعني.. لا اعرف ماذا اعني بالتحديد.. لكن هذه المرحلة دخلتها مع دخولي المرحلة الثانوية وقد امتدت كثيراً.. اشعر بذلك الآن اكثر، بها تعرفت على الكتابة.. من قبلها لم اكن ادرك او حتى اتخيل مقدرتي على الكتابة فكان نزيفي الاول.. استنفذت ذاتي اهرقتها حينذاك وبغذارة الى حد شعرت معه بالخواء ثم توقفت فجأة ولا ادري لماذا، فقدت الكثير من مكوني الداخلي.. طموحاتي واحلامي جميعها ذهبت مع الريح، كنت خاوياً ومنهاراً وبلا مذاق واعتقد هنا كانت قمة عزلتي وازمتي لانها الآن تبدو لي كسراب غير واضح وكأنني كنت بداخل تيه صحراوي.. اراه الآن غبشاً عالقاً بعيدا باغوار نفسي. لا اعرف ايضاً كيف خرجت منه ومتى، لكن ما استفدته هو اني اشعر بأني ابدأ من جديد.. أو اولد من جديد في كل لحظة تمر بي الآن.
الفوز بجائزة مؤكد انه أمر مسعد لك.. وهذه السعادة عشتها وعاشها معك آخرون.. الى أي مدى كنت تطمح في تجسير علاقة بينك وآخرين خارج البلاد؟
جسور:
الكتابة للآخر.. انا افرق بين نوعين من الكتابة، فالكتابة بمعنى فتح نوافذ للتواصل مع الاخر.. هذا شئ ـ والكتابة بمعنى كتابة ما يريده الآخر وهذا شئ آخر، ما يهمني ويعنيني هو كتابة ما اراه من رؤي قد تتفق مع الآخر أو لا تتفق.. واعتقد ان هذا هو الاجدى والانفع لما قد تفتحه من حوارمع الآخر.. بحيث يفضي مثل هذا الحوار إلى اثراء للفكر الانساني والمعرفة الانسانية، والاهم هو التعارف الانساني بين مختلف الثقافات والجماعات الاجتماعية في مجمل المجتمع الانساني.. وبالتالي توثيق هذه العلاقات الانسانية بالحوار المفتوح بدلاً عن الصراع، وليس بتبني رؤى وافكار الآخر زلفى وارضاء له وتقرباً منه.
حقيقة هناك انماط من الكتابة الادبية أسرتني وأثرت بي وهي كثيرة لا استطيع حصرها.. ثم انني كنت وبدأت الكتابة شاعراً.
فأنا نتاج لكل مركب من اجناس ادبية وانماط اسلوبية في الكتابة شكلت النسق المعرفي والوجداني الذي اسبح بداخله منقباً فيه لكنني لا ادعي التميز والتفرد.
كيف يمكن اكتساب المهارة في القصة القصيرة؟
القصة القصيرة هي عصية الى حد اقترابها من الظاهرة الطيفية صعب الامساك بها.. وما يصعب ذلك اكثر هي تلك القوالب الادبية التي يراد بها اضفاء شكل محدد للمنتوج الادبي في القصة وغيرها.. ثم وهي عصية بما انها تتناول مقطعاً اجتماعياً محدداً من حيث الزمان والمكان، وبالتالي تداعيات الحدث على الشخوص تستدعي تكثيفاً للغة وتواتراً في الاحداث في ذات الوقت، مما يعني تحميل المفردة اكبر قدر ممكن من المضامين الدلالية. وكل هذا يعزي الى الرغبة في توصيل الخطاب المضمن بالنص باقل قدر من المفردات ذات القدرة الفائقة على تحميل المعنى وهنا يأتي دور المهارة والاحترافية.
هل تختار لغتك ام هي التي تختارك؟
صراحة لايد لي في لغتي. عندما اكتب لا اتخيرها عن قصد مني.. لا اضع تصورا مسبقا للغة التي ساتخذها في الكتابة فالفكرة وحدها هي التي تفرض اللغة التي تناسبها وايضا التكنيك الذي يناسبها رغم انني في حضوري الواعي افضل نظرية السهل الممتنع لتوصيل افكاري ورؤيتي.. حقيقة لا أدري فللنص واقعه المطروح من خلاله، كما له لغته التي تناسب المنطق الطبقي او الشريحة الاجتماعية التي ينتمي اليها الابطال بالنصوص.. حقاً لا ادري.
وماذا عن الطرح الجدلي الذي يسم معظم كتاباتك شخوصك الغرائبية؟.
– هناك غرائبية في رسم شخوصي، فشخوصي هم عادة ضحايا مشكلات هي نتاج لقضايا عامة تجتاح المجتمع.. وما يؤسفني هو ان المجتمع لا يحس باشكالياتهم وبالظروف التي تحدق وتحيط بهم.. وهم في معاناتهم يمثلون صورة لعدم التوافق الاجتماعي الذي يتمرحل متطوراً الى عدم توافق الذات نفسها، مثال في قصة «صقيع على اغتراب الذات» يتطور الصراع منفجراً بالنص من مرحلة عدم توافق البطلة والمجتمع.. ممثلاً في سعيها المكلف الى استيفاء شروط ذات المجتمع كما تراها هي عبر تاريخه الطويل. تدخل بعدها مرحلة صراعها وذاتها.. اي عدم توافقها وذاتها كنتيجة لاحساسها بالدونية الاجتماعية إلى حد كراهية نفسها.. في جدل مع مكونات وجدانها والطرح الفكري لثقافة لم يكتمل نضجها بعد.. مستصحبة الوجود معها في جدل مادي تاريخي.. ربما الغرائبية تأتي من اتجاهي صوب التحليل السايكلوجي لذوات شخوصي وبالتالي انسحابهم نحو الجدل الدائر ما بين الذات ونفسها او الذات والمجتمع ثم على مستوى الوجود.. وهذا ما يؤدي الى انصباب الفكرة باكملها باتجاه الجدل.
وماذا عن حالة الكتابة ومدلولاتها؟
– أولاً انا اعتمد على تداعي الفكرة في شتى مراحلها ولا استدعيها مطلقاً وعلى حد قول هيغل في الفن الرمزي.. فالفكرة هنا ما تزال تبحث عن تعبيرها الفني الحقيقي.. وهي في حالة تجردها وغير متعينة فهي لا تحمل في ذاتها بعد عناصر تظاهرها الخارجي.. لذا تجد نفسها بمواجهة الطبيعة وبمواجهة افعال بشرية هي بالنسبة اليها خارجية.
واعتقد ان الفكرة لاتكتفي بتجريد الافكار العامة وايهامها كما ينظر البعض للفن والابداع الرمزي. فهي بحد ذاتها ذاتية حرة ولا متناهية، والفن يبدأ عادة بالشكل الرمزي «الرمزية اللاواعية».. فالرمزية أيضاً تنبني على التمايز والصراع بين المدلول وشكله، بالرغم من عدم التطابق الكامل بين قوة المدولولات العامة وبين العناصر الحسية المنظور اليها سواء من منظور خصوصيتها أو من منظور تظاهرها العنصري..
فالفائقة العمومية حين يستخدم كنقطة انطلاق يغزو علناً وجهاراً الفائقة الحسية. وبقيام هذه العلاقة على روابط تومئ وتضئ الظلال التي تغلف المعنى الواصل بين العنصرين المختلفين، هنا يكمن سر الاندهاش وسحره حين تصل الى تلك المرامي الغامقة والصامته والمستعصية العميقة الغور.
هل المسابقات تحفز للكتابة؟
حقاً لا تهمني الجوائز العينية.. يكفيني فخراً ما وصلت اليه وحققته من خلال فوزي بالمركز الثاني بمسابقة الطيب صالح للابداع الروائي.. وهذا هو ما صبوت اليه. بالرغم من ان طموحي كان كبيراً وما يزال في ان اصل الى المركز الاول في الدورات القادم، والآن اعمل في كتابة نص روائي جديد شارف على الانتهاء.
ستة اعضاء من نادي القصة يفوزون بجوائز مختلفة وانت سابعهم؟
– هو دليل عافية وصحة لنادي القصة السوداني حقيقة كلهم يستحقون الفوز والجوائز والتقدير.. فهم بما يجابهون من ظروف حولهم.. يتحدون كل ذلك ليكتبوا ويبدعوا ليصنعوا الجمال او كما يقول الاخوة في مصر «من الفسيخ يعمل شربات» واخيراً التحية لكل رفاقي بنادي القصة. [/ALIGN] صحيفة الوطن