سياسية

لاجئو دارفور في إسرائيل: من مشكلة إنسانية إلى خطر ديموغرافي

«دولة الجدار» بهذه العبارة علقت صحيفة «يديعوت احرنوت» على قرار حكومة بنيامين نتنياهو بناء جدار أمني، على طول الحدود الإسرائيلية المصرية، وذلك لمواجهة ما أسمته الخطر الديموغرافي ومنع دخول «المتسللين» الأفارقة إلى إسرائيل.
وفق الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية و»المنتدى لحقوق اللاجئين» في إسرائيل، يبلغ عدد اللاجئين الأفارقة (وتحديدا من السودان واريتريا وساحل العاج)، نحو 18 ألف لاجئ، منهم 5 آلاف من إقليم دارفور غرب السودان، يعيشون في ظروف غير إنسانية ويطاردهم هاجس التشريد والملاحقة من قبل السلطات الإسرائيلية التي وضعت خطة للتخلص منهم في شهر ديسمبر 2009، بادعاء الحفاظ على نقاوة ويهودية دولة إسرائيل، هذا إلى جانب وجود نحو 2200 من طالبي اللجوء محتجزين في السجون الإسرائيلية، ويتركز الأفارقة في إسرائيل في مدن تل أبيب وايلات وعراد في الجنوب.
وتشير المعطيات الإسرائيلية أن ظاهرة تدفق اللاجئين الأفارقة إلى إسرائيل، بدأت عام 2005 عندما ساعد مهربون مصريون مئات الأفارقة للتسلل إلى إسرائيل، وقامت الحكومة الإسرائيلية بتأمين وظائف لبعضهم، وهو ما شجع المزيد للمجيء والعمل في إسرائيل، فيما تشير معطيات الأمم المتحدة أن 50 بالمائة من الأفارقة الذين يتسللون لإسرائيل يأتون من إريتريا، والثلث من جنوب السودان ودارفور.
معاملة قاسية وإهانات
يتعرض المهاجرون الأفارقة في إسرائيل لعملية استغلال واضحة من قبل المشغلين الإسرائيليين، حيث يتم تشغيلهم بأجور 10-15 دولار في اليوم(حسب بعض العمال)، ويرى المحامي يوسي وولفسون الناشط في «مركز الدفاع عن الفرد» أن «إسرائيل تصر على أن معظم اللاجئين الذين يصلون إليها يأتون لدوافع اقتصادية، وان معظمهم قدم إلى إسرائيل بعد تعرضهم لسياسة عدوانية من قبل السلطات المصرية، والتي بلغت ذروتها في ديسمبر 2005، والاعتداء عليهم الذي راح ضحيتها 25 لاجئا على الأقل أثناء مشاركتهم في مظاهرة سلمية وهادئة في القاهرة.»
وتنظر إسرائيل إليهم كـ»متسللين»، وقد أقامت سجنا اعد للاجئين الأفارقة هو سجن «كتسيعوت»، الذي أقيم إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) وهذا السجن له سمعة سيئة حيث أن ظروف الاعتقال فيه تتميز بفظاعة، إلى جانب وجوده في عمق الصحراء، ومن بين المعتقلين أطفال حديثو الولادة وأولاد في أجيال مختلفة، مقيمون في خيام محاطة بالأسوار، وفي كثير من الأحيان يضطر الجيش الإسرائيلي للإلقاء بمن لا مكان لهم، في الشوارع دون إي شيء، ليتدبروا أنفسهم بأنفسهم، وتقوم بالتملص من المسؤولية عنهم، وتمتنع عن تقديم أية خدمة طبية، مأوى أولي، غذاء أو ملابس.
منطلقات عنصرية
النائب دوف حنين (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) قدم اقتراح قانون «حقوق اللاجئين» ويقود حملة ضد طرد وتهجير اللاجئين الأفارقة، يؤكد انه في القاموس الصهيوني ليس هنالك لاجئون إلا اليهود، لكن نضالنا سيزعزع هذه الاقتناع وهدفنا أن نستغله لإثارة الحساسية الإسرائيلية تجاه قضايا اللاجئين عامة، وأداة للتغلب على الإنكار القائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين».
ويوضح أن السلطات الإسرائيلية «تتصرف من منطلقات عنصرية محض، وخدمة لأهداف رأسمالية تقرر إلقاء اللاجئين إلى خارج حدودها، لكن الحملة المناهضة أدت إلى تجميد هذا القرار ثلاثة أشهر، وسنواصل النضال إلى أن يلغى قرار الطرد نهائيا».
الملاحقة القانونية والقضائية
في يوليو 2009، ناقشت محكمة إسرائيلية قضية رفعها لاجئ سوداني محتجز في أحد سجون تل أبيب ضد وزارة الداخلية الإسرائيلية، طالب فيها المحكمة بإطلاق سراحه والسماح له بالإقامة في تل أبيب، لسهولة إيجاد أماكن عمل فيها.
وكان حسن بخيت الذي وصل إسرائيل من دارفور قد اعتقل من قبل شرطة الهجرة الإسرائيلية، ولا يزال يقبع في احد سجون تل أبيب، حيث انه بموجب قرار للداخلية الإسرائيلية يمنع إقامة اللاجئين الأفارقة في المنطقة الواقعة بين مدينتي الخضيرة(شمال تل أبيب) وجديرا(جنوب تل أبيب).
وخلال مداولات المحاكمة أوضح محامي الدفاع عن بخيت أنه فقد أربعة من إخوته في أحداث دارفور، في حين يتواجد والده وأمه في مخيم للاجئين في تشاد، وانه بعد أن طرد من قريته هرب إلى ليبيا حيث تعرض لملاحقات من قبل السلطات الليبية، ولم يتمكن من العودة لأهله، فهرب إلى تل أبيب، وهنا تعرض لملاحقات من قبل شرطة الهجرة وانتهى به الأمر في السجن.
ويقول المحامي ايتمار مين إن قرار منع اللاجئين الأفارقة من التواجد في منطقة تل أبيب يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية خاصة تلك المتعلقة باللاجئين والتي سبق لإسرائيل أن وقّعت عليها.
و تبحث المحكمة العليا الإسرائيلية التماساً تقدمت به «دائرة حقوق اللاجئين في جامعة تل أبيب»، يطعن بقانونية القرارات الإسرائيلية ويعتبرها انتهاكاً للقوانين الدولية، موضحاً أن «قرار منع اللاجئين من التواجد في منطقة تل أبيب والحيلولة دون تمكينهم من إيجاد عمل يسترزقون منه، والتضييق عليهم والعمل على تهريبهم من إسرائيل، هي أمور غير قانونية».
اللاجئون يثيرون جدلا في إسرائيل
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قضية اللاجئين أو «المتسللين» الأفارقة وفق التسمية الإسرائيلية، تثير جدلا في الشارع الإسرائيلي، حيث وضعت حكومة اولمرت السابقة خطة للتخلص من هؤلاء «المتسللين»، وقد كشف وزير الداخلية الإسرائيلي الأسبق رون بار أون أن الحكومة الإسرائيلية تعتزم حل قضية المتسللين بالسماح لهم بالإقامة المؤقتة في إسرائيل قبل نقلهم لإحدى البلدان الأفريقية.
وفيما دافع وزير القضاء الإسرائيلي السابق دانئيل فريدمان عن استيعاب اللاجئين السودانيين في إسرائيل ودول أوروبية لدوافع إنسانية ودينية، اتهم النائب السابق ران كوهن رئيس الوزراء إيهود أولمرت بالفشل في معالجة قضية لاجئي دارفور.
مخاوف من دخول مليون إفريقي
يشكل ملف اللاجئين الأفارقة أكثر الملفات الإنسانية حساسية في إسرائيل، ففي أكتوبر 2009، ذكرت مصادر أمنية إسرائيلية أن هناك مئات الآلاف من الأفارقة في مصر يخطّطون للتسلل إلى إسرائيل والإقامة فيها، وتوقعت هذه المصادر أن عددهم قد يصل نحو مليون، وخصوصا أن عددهم يرتفع من عام إلى آخر، وأصبحوا يشكلون 7 بالمائة من عدد سكان مدينة ايلات على البحر الأحمر، وهذا يعني إن ازدياد عددهم سيخل بالتوازن الديموغرافي، وتمسّ بأمن إسرائيل وبالسياحة في إيلات.
فيما زعم مسؤولو بلدية ايلات خلال نقاش للجنة الداخلية البرلمانية التابعة للكنيست، أن نسبة الجريمة ارتفعت وأن السكان يخشون الخروج في ساعات الليل من بيوتهم، رغم أن مدينتهم تعتبر مدينة سياحية تعج بالناس في الليل والنهار، هذا إلى جانب مخاوفهم من إقدام هؤلاء اللاجئين على بناء مساجد وكنائس لهم في ايلات وعراد (جنوب بئر السبع)، حيث انه تم إقامة 7 مساجد وكنائس يقيم فيها المهاجرون شعائرهم الدينية.
وقد حذرت اللجنة من أن اللاجئين الأفارقة باتوا يشكلون مشكلة إستراتيجية وأمنية على امن إسرائيل، وأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تتبع سياسة واضحة بخصوص المهاجرين، ويتوجب على حكومة نتنياهو تنفيذ قرار حكومة أيهود أولمرت، بإقامة سياج إلكتروني على الحدود مع مصر، من شأنه الحد من عدد المتسللين، لإبعاد الخطر عن إسرائيل ووجودها كدولة يهودية.

صحيفة الصحافة