الإعلاميين بالخارج ..!
“مستلزمات العدالة أول مستلزمات الحضارة” سيجموند فرويد!
الأداء المهني للإعلامي السوداني بالخارج بصحة جيدة، ولكن، هنالك مشكلة تكمن في تقييم صاحب العمل، وهي إشكالية لا تنفصل – في تقديري – عن منغصات العمل التي يتسبب بها الإعلامي نفسه ..
فـ الإشكالات المهنية للمغترب السوداني مقارنة بتوفيق وسداد زملائه من الشعوب الأخرى يرجع إلى عيب أصيل من عيوب الشخصية السودانية (حيث لا يجيد مغتربونا المغترب فنون التسويق لمهنيتهم، وبالتالي لا يعكسون الصورة الإيجابية الكافية للتقييم العالي الذي يستحقون) ..!
ربما كان المغترب السوداني لا يجيد فن إقناع الآخرين بإمكاناته لأنه يحتاج أن يقتنع هو بها أولاً .. أما السبب فيعود – كما أراه – إلى إشكالية ثقة بالذات(الجانب الصوفي في فكرنا الجمعي جبل وعينا بأزمة خلط مريعة بين التواضع والتقصير في إعطاء النفس حقها من التقدير) ..!
لدينا نقص وقصور في المهارات الكلامية مقارنة بأهل الشعوب الأخرى، ومعظمنا يعامل أصحاب البلد وأصحاب العمل بمفاهيمه وعقليته هو، وليس بعقليتهم وأعرافهم ، لذلك تجدنا دوماً أكثر من يعمل وأقل من يحصد المكافأة ..!
الحقيقة العارية عن المجاملة هي أن تفاعل الإعلاميين العاملين بالخارج مع أحداث الداخل يعاني من شح التواصل .. وأن إغراق بعضنا في الانتماء إلى الهوية الثقافية العربية قد جاء على حساب انتمائهم لهوية السودان الثقافية ..!
تلك الهوية شديدة الخصوصية والتي تقول بأن عروبة السودان هي عروبة ثقافية في المقام الأول، وأن خصوصيته الإثنية والجغرافية وتنوع انتمائه الديني يجعل الكثير من قضايا الدول العربية لا تتصدر قائمة “أولوياته الجمعية” – إن جاز التعبير – ويجعل الكثير من شأننا الداخلي الخاص مقدما عليها ..!
الكثير من السودانيين العاملين بالخارج يناصرون قضية (فلسطين) وأحداث (لبنان) أكثر من قضايا بلادهم ويشعرون بالانتماء إلى جنوب لبنان أكثر من شعورهم بالانتماء إلى جنوب السودان، وهذا عرف ثقافي وخلل اجتماعي نستمر في توارثه على علاته الكثيرة والكبيرة ..!
هذا ما كان من أمرنا .. أما عنها – أي الدولة – فهي من جهتها لا تجتهد في استقطاب الكفاءات الإعلامية العاملة بالخارج، ولا تعطيها حقها الواجب من التقييم والمكانة والفرص التي تسهل عودتها واستقرارها، ولا تحاول الاستفادة من خبراتها المتراكمة لسبب واضح هو أن الكفاءة السياسية – في هذا البلد – كانت وما تزال مقدمة على الكفاءة المهنية ..!
فـ الانتماء السياسي كان وما يزال هو السبب الرئيس في تقلد المناصب التي تتقاسمها الحكومة ورموز الضغط في المعارضة، وبين هؤلاء وأولئك تضيع المهنية والكفاءة وبالتالي (يقيف) حال المهنية السودانية، وينحصر في الأفقي الكمي على حساب الرأسي والكيفي ..!
إن كانت الحكومة جادة في سعيها لدخول الحرب الإعلامية بأسلحتها المواكبة، وإن كانت جادة في سعيها لتغيير صورة السودان القاتمة في أذهان شعوب دول العالم التي تحكم صناعة الرأي فيها صناعة (الميديا)، فليكن أول مسعاها هو أن تعمل على إلغاء قانون الكفاءة السياسية في العمل الإعلامي، وأن تتبنى – في المقابل – مشروع إجازة قانون الكفاءة المهنية ..!
(أرشبف الكاتبة)