التصفيق بحرارة ..!
وقد خرج الأديب الروسي الراحل الكسندر سولجنستين من تلك الحادثة بحكمة ديكتاتورية ثمينة: “لا تكن أبداً أول من يتوقف عن التصفيق” ..!
وفي حكايات محمد حسنين هيكل عن أنور السادات مزاعم عن مقدراته الكبيرة على استدعاء تصفيق الجماهير لتحقيق أغراضه السياسية (عندما كان يلقي كلمته أمام مجلس الشعب وأعلن استعداده لزيارة إسرائيل، توقف السادات مدة ثانيتين حتى يصفق له الجمهور!)، ثم قام بتوظيف ذلك التصفيق سياسياً..!
وما تزال لعنة التمرد على التصفيق تطارد رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وقد كان ذلك رداً على خطابه الذي ألقاه في محفل نسائي، مطلع هذه الألفية، يومها استخدمت النساء الحاضرات مبدأ الامتناع عن التصفيق للتعبير عن استخفافهنَّ بكلمته ..!
ليس السياسيون وحدهم، حتى “الغنايات” يلجأن إلى إرهاب الحاضرات لانتزاع التصفيق، فترفع الواحدة عقيرتها بالتهديد، وتتوعد المتخاذلات عن التصفيق بالدعاء عليهن بدوام العنوسة، وهو إكراه أدبي قائم على قاعدة العلاقة الطردية بين حدة التصفيق واستحسان الجمهور.. أكثر من عشرة بالمائة من زمن رائعة أم كلثوم “أنت عمري” كانت تصفيقاً ..!
وكثيراً ما يكون التصفيق تغطية إعلامية مجانية لمثالب الحكومات.. لاحظ معي – مثلاً – كيف أن عدم استهداف الحكومة من أولويات الإعلام عندنا، وعلى وجه الخصوص الإعلام المرئي “أكبر محرض على التصفيق للحكومة”، فإما أن تصفق .. أو تغني ..!
والسؤال هنا كيف نصل ومتى نبلغ كجماهير – برأي من يحكمنا – مرحلة امتلاك الخيار الحر الذي لا يعني أكثر من تحكم مزاجنا كمشاهدين بطبيعة البرامج التي تناقش أوجاعنا الشعبية أو تحاور رموزنا السياسية .. عوضاً عن أن استخدام خيارات الريموت كنترول كلما ظهر أحد السادة الوزراء أو الساسة المسئولين طمعاً في المزيد من التصفيق ..!
وكيف نرتقي مراتب الوعي الديموقراطي ـ من أساسه ـ ونحن مغيبون تحت مظلة إدارات إعلامية لا تفرق بين الناقد الإصلاحي لأداء الحكومات، والمعارض السياسي الذي تستهدف وجودها أصلاً ..؟!
وعي الحكومة بقيمة الرأي الآخر أمر مرهون بمساحات ظهوره عبر وسائل الإعلام في عهدها، والنجاح السياسي لا يعني أكثر من أن البقاء للأذكى، والأقدر – بالتالي – على استثمار النقد الإصلاحي ..!
أرشيف الكاتبة[/JUSTIFY]