قراءة في سيناريو خليل الإنتحاري** من أمام وخلف «الرجل»…؟!!
والمحاولة التخريبية في غزو الخرطوم ليست محاولة صغيرة أو محدودة فهي من ناحية القوة المشاركة فيها والاستعدادات التي صاحبتها والطريقة التي تحدث بها خليل إبراهيم في إذاعة لندن وبعض وسائل الإعلام الاخرى توحي بأن المدعو خليل إبراهيم كان واثقاً ومصدقاً وكان متوهماً أنه يستطيع ان يسيطر على الخرطوم.. وهذا يستدعي السؤال لماذا هذا التصديق؟!!
ولمحاولة الإجابة عن السؤال نقول ربما لأن السيارات المتحركة والمتسللة كانت قرابة المائتي سيارة مجهزة بالتجهيزات اللوجستية والحربية كافة.. من السلاح والذخيرة والغذاء والسائقين المهرة.. وتقول بعض المعلومات ان كل سيارة كانت تحمل ما بين عشرة الى خمسة عشرة من المقاتلين المتمردين.
إذاً، هذه القوة التي دخلت البلاد وكانت تحت إمرة خليل -ونحن نتكلم عن تحليل وليس عن معلومات موثقة- كانت في حدود ألف الى الف وخمسمائة متمرد.. ولكننا نعتقد أنه فوق هذا العدد كان هناك طابور خامس ينتظرهم في الخرطوم، والدليل المنطقي لذلك هو كان لابد أن يكون هناك أشخاص مندسين في الخرطوم استطاعوا ان يوضحوا لهم تفاصيل خارطة أمدرمان والمناطق الخالية من المدينة التي ليس فيها رصد على مداخلها وأرشدوهم الى الدخول من خلالها، الأمر الذي سمح لجزء كبير منهم دخول منطقة أمدرمان، حيث كانت الهزيمة في انتظارهم. وكذلك نحن نعتقد ان هذا الطابور الخامس وراءه قوة ومرجعية سياسية متنفذة ومتمكنة ولها أجهزتها الفنية المدربة وتمتلك المعلومات وملمة با لخارطة السياسية والعسكرية والأمنية في الخرطوم.
كما أننا نعتقد ان هناك جزءاً من قوات الأمم المتحدة كانت مطلعة على هذه المهمة عن طريق توفير المعلومات الاستخباراتية وملمة بطبيعة التحرك ومواقيته، بدليل أنه في يوم الخميس تم توزيع رسالة إلكترونية الى أعضاء البعثة تحمل معلومات أن هناك قوة متوجهة نحو الخرطوم وتطالب مسنوبي البعثة توخي الحذر وربما أشياء اخرى.
إذاً، نحن نعتقد أن هناك مكونات ثلاثة شاركت في السيناريو الانتحاري.. وهي القوة الأساسية القادمة من تشاد وهي أكبر من قوة المتمرد خليل إبراهيم وأكبر من إمكانيات الحكومة التشادية، لأننا لو قدرنا تكاليف هذه الحملة فهي لا تقل عن مائة وخمسين مليون دولار، ولأن المائتي عربة مجهزة بالسلاح والذخيرة والمواد البترولية وأجهزة اتصال متقدمة وتشوين ووسائل استخباراتية ومرتبات.. فلو أعطينا كل عربة خمسمائة ألف دولار فيصبح المجموع مائة مليون دولار.. وهذا مبلغ يسيل له لعاب خزائن ديبي!
الأمر الثاني.. فإن المعلومات الاستخباراتية التي كانت تصل عن طريق أجهزة «الثريا» لهذه القوة الغاشمة.. هي من قوة سياسية متنفذة في الداخل وربما تكون مخترقة للمنظومة السياسية في السودان يساعدها على ذلك مناخ الحريات المنفتح في الخرطوم وربما بعض العلاقات «العرفانية» القديمة. بالإضافة الى دور ربما لعبته بعض مكونات قوات الأمم المتحدة والقوات الفرنسية والأوروبية على الحدود «السودانية- التشادية».
فمنطقي يستحيل ان تتحرك قوة تقدر بمائتي عربة وتكون غير مرصودة من القوات الفرنسية والأوروبية الموجودة في شرق تشاد.. التي تدعي أنه لو تحركت «نملة» في تلك المناطق تعرفها.. كما أن تلك القوات جاءت بحجة حماية تشاد وتحمي معسكرات اللاجئين من أي اعتداء خارجي.
إذاً، لو كانت هي بهذه القوة وتستطيع ان تحمي معسكرات اللاجئين فلماذا لم تحم كل الحدود السودانية من التغول التشادي.. كما أن خليل إبراهيم نفسه لو لم يكن متأكداً أن هذه العملية تحتمل من النجاح أكثر من سبعين في المائة لما عبر بها كل هذه المنطقة ودخل العمق السوداني في اتجاه الخرطوم. كما أن دليلنا على اضطلاع قوات الأمم المتحدة بمسارات هذه المؤامرة أنه فور ورود تسلل هذه السيارات الى داخل دارفور سارعت قواتنا المسلحة الباسلة الى التعامل معها في منطقة «الحرّى» بدارفور وقصفتها بالطيران ولكن من العجيب ان برز الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» في ذات الليلة ليدين قصف الطيران السوداني للمدنيين.. وهي رسالة تحمل غرضاً فأهل السودان كانوا يعلمون أن سلاح الطيران كان يتعامل مع العربات المتسللة في مناطق تخلو من المدنيين.
وعلى كل حال هناك أسئلة لابد أن تُثار في هذا الوقت.. فمن هو الوجه العسكري الذي كان مخططاً أن يبرز في حال نجاح المخطط؟!! فخليل إبراهيم رجل مدني.. ولمثل هذه العمليات لابد من وجود مؤازرة لها عسكري كالمرحوم محمد نور سعد.. فمن هو محمد نور سعد هذه المحاولة الفاشلة والذي كان مرتعباً ان يكون ظهيراً مؤازراً لهذه العملية؟!! ومن هم «مكونات الطابور الخامس» الذين كانوا ينتظرون أن يغزوا هذه العملية بالمدد والرجال.
ونحن نعتقد ان هذا الطابور الخامس يتمثل في البيوت التي آوت بعض المتسللين خصوصاً بعد معرفتنا أن القائد «جربة» دخل قبل أيام من العملية وكان مستضافاً في بعض البيوت وبالضرورة كان معه آخرون.. فمن كان وراء الاستضافة والتجهيز والتكتم والإحاطة بالتحريك؟!!
إذاً، هذه العملية المجهضة، عملية كبيرة لابد من القضاء على بقاياها تماماً خصوصاً وأن هناك معلومات تفيد بأن عدداً من السيارات استطاعت الهرب نحو الصحراء غرب أمدرمان.. ورغم اقتناعنا بأن هذه العربات لن تستطيع العودة مرة اخرى الى تشاد لطول المسافة وكميات الوقود التي تحملها محدودة وهي مرتبكة وخائفة ومأزومة.. فلذلك كلنا أمل في يسر اصطيادها.
ولكن كذلك وكنوع من القراءة والنقد الذاتيين لابد ان نعلم لماذا تأخر صد هذه القوات؟! وكيف استطاعت قوات تقود مائتي عربة ان تخترق المسافات في العمق ولا يتم التعرض لها إلا مرتين بالطيران؟.. ولماذا فشلت متابعتها ورصدها واحتواؤها خصوصاً وأنها ضربت بالنهار وكان الشعب كله مستنفراً وكل الأجهزة النظامية كانت مستنفرة وملمة بالدقائق؟ خصوصا وبعد الاجتماع الطارئ الذي دعا له الاستاذ/ علي عثمان محمد طه للمكتب القيادي وتنويره بالمؤامرة.
قد تكون هناك إجابات ترد على هذه الأسئلة بموضوعية ومنطق، ولكن الى أن تطرح هذه الإجابات أمام الرأي العام تظل كل هذه الأسئلة عالقة على «مسامير القلق».
والأمر الأخير.. فإن ضحايا هذه العمليات من المدنيين يجب ان يتم دعمهم ومساعدتهم وجبر كسرهم والذي استشهدوا يجب ان يتم دعم أسرهم ومعاملتهم كمعاملة أسر الشهداء.
تحت الضوء الرأي العام [/ALIGN]