خالد حسن كسلا : في ظل «تاني تعيين مافي»
يبدو أن المفهوم من كلام رئيس الجمهورية حول الامتناع عن «التعيين» لاحقاً في الجهاز التشريعي، هو أن «تعيين الولاة» مسألة تدخل في سياق سلطات الرئيس المنتخب. والآن الشارع يسمع ويقرأ عن إلغاء «انتخاب الولاة».. وبعضه وكثير منه يفهم ان انتخاب الوالي غير انتخاب الرئيس وليس تعيين الولاة واحدة من صلاحيات «الرئيس المنتخب» لدورة جديدة.
ولذلك يجب أن يكون التوضيح للناس هو أن انتخاب الولاة يبقى انتقاصاً لصلاحيات الرئيس المنتخب وإلغاءً لدوره التنفيذي، إذا كان الوالي المنتخب قد اختلف معه في تنفيذ أو طريقة تنفيذ أو ترتيب تنفيذ مشروع او مؤسسة في وقت معيَّن.
و «الرئيس المنتخب» ليس منتخباً لإدارة قصره الذي يضم مكتبه، بل لإدارة كل البلاد. واذا كان الوالى يأتي منتخباً ولا يحق للرئيس المنتخب إقالته أو تحويله من ولايته الى أخرى إذا اقتضت الضرورة المقدَّرة، فلا داعي أن يكون الرئيس منتخباً؟!.. وقد يرى الرئيس المنتخب ان هذا الوالي أو ذاك لا يصلح ان يستمر بعد ان كسب ثقة اغلبية الناخبين، فإذا كان في هذه الحالة منتخباً ورأى الرئيس إقالته فإن من شأن هذا ان يثير مشكلات وفتناً.
لذلك من الأفضل ان يكون تعيين الوالي حقاً للرئيس المنتخب. وتغيير الوالي الذي يعينه الرئيس المنتخب افضل من تغيير الوالي المنتخب، حتى يتمكن الرئيس من محاسبته لصالح ترقية حياة المواطن.. ولصالح دفع عجلة التنمية الريفية، لأن الفشل في هذه التنمية يعني أن تستعد حكومة ولاية الخرطوم برصد الميزانيات لتشييد المزيد من المرافق الخدمية من محطات مياه وكهرباء وخطط اسكانية في الفلاوات وسفلتة طرق عديدة وجسور وانفاق.. وهي طبعا آلاف المليارات المفترض كان ان تذهب للتنمية الريفية لتطورها وتزيد من مشروعاتها بدلاً من ان ترصد لمجابهة متطلبات المهاجرين الى حواشي العاصمة.
الوالي المنتخب يمكن ان يتحمس لإنعاش التنمية الريفية، لكن حينما يخفق فإن تغييره قد يضيف الى اخفاقه مشكلة أمنية.. وتصبح وصفة المأساة هي «ميتة وخراب ديار».. «ميتة» التنمية و«خراب» الأمن والاستقرار. ولذلك تبقى فكرة الترابي مفضوحة حينما سعى لبرنامج انتخاب الوالى لكي لا يكون تعيينه اكتمالاً لسلطات الرئيس المنتخب. فالترابي كان يريد ان تكون اكثر السلطات عند رئيس البرلمان «المعين». وكان هو رئيس البرلمان «المعيَّن». وهو يتحاشى خوض الانتخابات في عهد البشير لأنه خسرها مرتين في الديمقراطية الثانية ام 1968م وفي الديمقراطية الثالثة عام 1986م. والآن حتى إذا خاضها و «أُعلن» فوزه في دائرة من الدوائر حتى ولو كانت مسقط رأسه ضمنها، لعزز اتهام المعارضة بتزوير الانتخابات.
واذا كان الترابي يريد حكومة محلية «منتخبة» أليس من باب اولى ان يكون البرلمان منتخباً؟! إن انتخاب البرلمان هو انتخاب السلطة التشريعية والرقابية، لكن انتخاب الوالى يبقى انتقاصاً من الحق الانتخابي للرئيس المنتخب، فالوالي سينفذ برنامج الرئيس المنتخب طبعاً، فكيف يأتي إلى الولاية والٍ قد لا يعجبه برنامج الرئيس المنتخب؟! فهل يأتي الرئيس بدون برنامج انتخابي ويكتفي فقط ببرنامج الوالي المنتخب؟! وقد لا يعجبه ايضاً. وكم والٍ سيكون منتخباً؟!.. وكم برنامج سيطرحونه؟! إنه التشاكس الخطر إذن في السلطة التنفيذية أهم سلطة في البلد، لأنها تحمي استقلال القضاء وتقود الجيش والشرطة والأمن، وتمكن المراجعة العامة من عملها، وترد على تساؤلات الجهاز التشريعي. لذلك لا بد أن يكون المنتخب فيها شخصاً واحداً، هو من سيكون على رأسها تفادياً للتشاكس ووضع الوصفات بذلك لمشكلات أمنية واقتصادية لاحقة.