عثمان ميرغني
أمنية الترابي!!
العبارة مترعة بالعاطفة أكثر من السياسة.. ولكنها تحمل إقراراً صريحاً أن الحال الماثل الآن (لا يطمئن).. وأن أمنية الترابي أن يعيش حتى يطمئن على السودان.. وهنا يصبح السؤال المنطقي.. وهل يرى الترابي أية مؤشرات أن البلاد تتجه في مسار (الاطمئنان!!).. أم أن العبارة تحمل أماني (بالعُمر الطويل) في انتظار أن يرى ما يطمئنه على السودان.
ونقيض (الاطمئنان!) الذي يخشاها الترابي عبر عنه واضحاً في ثنايا خطبته الضافية أمام عضوية حزب الأمة الفيدرالي الذين تجاوبوا وانفعلوا معه وصفقوا له.. الترابي قال إنه يخشى من مصير الشعوب العربية في مصر وليبيا وسوريا. الدول التي عبرها الربيع العربي.. وتلك التي توقف فيها قطار الربيع العربي وتعطل فأفرخ الوضع تنظيمات عسكرية متعددة الجنسيات من كل فج وصوب تتعارك على أرضها.
لكن الأمر ليس بالأمنيات ولا بالدعوات العاطفية.. ما الذي يمنع البلاد أن تركب قطار (السلامة) إلى بر الأمان.. لماذا تبدو سفينة بلادنا متأرجحة في بحر لجي محفوف بظلمات ثلاث.
الإجابة الصريحة السافرة على هذا السؤال تمنحنا خارطة الطريق نحو بر (الاطمئنان) على السودان.. ولكن بكل أسف أن الإجابة ليست سهلة.. لا لتعقد المشكلة وتشعبها.. بل لفشل الجميع في تشخيصها.
ولو تواضع الدكتور الترابي وتجرد في النظر للمشكلة فإنه وزمرة الساسة الذين يملكون القرار السياسي.. هم الأكثر بعداً عن التشخيص السليم للمشكلة.
هذا البلد الأمين لا تنقصه الثروة ولا الخبرة ولا القدرة على صناعة أفضل نموذج لأمة ناهضة قوية فخورة بنفسها.. لكن المعضلة الكبرى أن الحكمة محتكرة.. لمن يملك البطاقة و(الارتماء) ولم أقل (الانتماء)..
حتى وقت قريب ما كان للترابي أن يجهر برأيه هذا في قاعة الصداقة.. لكنه (الآن) مدعو ببطاقة شرف.. ويملك حق الحديث ويتناقل الإعلام حديثه.. في ذات الوقت الذي فقد فيه آخرون هذه الميزة.. ميزة الحق في الحديث العلني الذي حمله أثير الإعلام المفتوح..
ماهو المقياس الذي يمنح ويمنع.. يمنح حق الظهور العلني.. ويمنع..!! فلينظر الترابي حوله جيداً.. فلينظر إلى الحق الذي يمنح حزب منقسم من حزب منقسم حزب الأمة الحق والقدرة على إقامة مؤتمره العام في قاعة الصداقة.. بينما لا يستطيع الحزب الأصل المنشق عنه أن يقيم مؤتمره ولو في (السقاي)..
(موازين القسط) تظل هذا السبب ليس وراء حالة الاحتراب السياسي الماثل أمامنا الآن فحسب.. بل حتى في انفصال جنوب السودان الذي رده الترابي لغياب فهم (الفيدرالية) في أنفسنا.. ذات (الفيدرالية) التي عادت بعد التعديلات الدستورية الأخيرة من حيز الانتخاب إلى التعيين.
نحتاج إلى بوصلة لنعرف كيف نسلك طريق (الاطمئنان!!).
[/JUSTIFY]