عبد الجليل سليمان

كعبلة انتخابية

[JUSTIFY]في الوقت الذي يعتبر فيه بعض السياسيين ممن يفتقدون إلى الكاريزما اللازمة للتأثير على الجماهير أن توسلهم باللغة الدارجة والاقتباس من معينها الثر بالأمثال والمفردات المشحونة بالمعاني العميقة، يقربهم زلفى إلى القواعد الشعبية ويجعلهم محبوبين لديها، يحدث العكس.

الراصد لخطاب هذه العينة من السياسيين يصاب بالدوار والغثيان قبل أن يصل إلى مرحلة الإحباط ومن ثم المقاطعة التامة لأي فعاليات ينظمها هؤلاء وأي أخبار تتعلق بهم.

ما يجعل تلك الخطب تبدو فطيرة وجامدة ومفتقرة إلى الحيوية هو محاولة مجترحيها محاكاة سياسيين مفوهين ذوي ألسنة طليقة وخيال مدهش، مثل الإمام الصادق المهدي – الذي حقن ولعقود خلت ولا زال – المفردات المستخدمة في الخطب السياسية، بالكثير من الحكم والأمثال الشعبية وحتى الكلمات (الشارعية) مثل (سحاسيح)، لكنه ولأسباب متصلة بقدرته الفذّة وموهبته الفطرية المصقولة بالتجربة ظل يسجل في المرمى بدقة متناهية، فلا تطيش المفردات الشعبية من لسانه إلى خارج (الثلاث خشبات)، كما يفعل آخرون بينهم رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم عبد الرحمن الخضر.

وأمس نشرت له بعض يوميات الخرطوم ما أطلقت عليه (سخرية) الرجل من محاولة أحزاب المعارضة مقاطعة الانتخابات، ووصف اتجاه المعارضة هذا، بأنها تريد أن (تكعبل) الانتخابات وهي لا تملك جمهوراً، ووصف حزبه بأنه الحزب الوحيد الذي يقدم للبلد، مُضيفاً: (الحكاية صفجرت ولازم نستمر في السير في الطريق الصحيح).

أي طريق هذا؟ ولكن دعونا من الإجابة عن هذا السؤال، ولنمضِ قدماً في استعراض موضوع الزاوية، فالرجل استخدم مفردتي (كعبلة وصفرجت) ظاناً أنهما ستُضفِيان وتُضِيفان إلى خطابه بُعداً شعبياً وجماهيرياً، لكن هيهات، فمثل هذه المفردات – ما لم تستخدم بشكل دقيق وفي المكان الصحيح – دائماً ما تنجم عنها نتائج عكسية، تجعل الخطاب ذاته مصدراً للسخرية، وبالتالي ينقلب السحر على الساحر، وهذا ما حدث أيضاً بالنسبة لوزير الزراعة السابق (المتعافي)، عندما استخدم كلمة (كيشة) في حوار تلفزيوني.

هؤلاء (الساسة) الذين يفتقرون إلى الكاريزما، يمأزقون أنفسهم عندما يعودون إلى مفردات النصف الأول من القرن العشرين، ويضعونها على أطراف ألسنتهم ويطلقونها في الخطب الجماهيرية (أكرم الله مسامعكم) دون أن ينتبهوا لمخاطرها، يحتاجون إلى دورات تدريبية مكثفة في إلقاء الخطب الجماهيرية، وكيفية انتقاء المفردات وفي أي سياق يمكن أن تعطي نتائج أفضل، لكنهم بالطبع وطالما يحسنون الظن في أنفسهم إلى هذه الدرجة، لن يستبينوا النصح أبداً وسيسدرون في خطبهم التي تجعلهم موضع سخرية بين العالمين.
[/JUSTIFY]