عصافير النيل القديم
عصافير النيل القديم المهاجرة تعاني الأمرين كلما عاودها الحنين وحزمت حقائبها عائدة للنيل والنخيل.. ومعاناتها لا تقتصر على الإجراءات العقيمة.. ولا النقلة الحضارية التي يعيشونها بين ما كانوا فيه وما عادوا إليه من تردٍّ في كل مناحي الحياة والخدمات.. وتراجع في مفاهيم الإنسانية!!
إن أزمة المغترب الحقيقية التي يعيشها إبان العودة المؤقتة أو النهائية.. طوعية كانت أو قسرية تتمثل في الصدمة العاطفية التي يتعرض لها حين يكتشف أن الصورة الذهنية الناصعة التي حملها وسافر بها للناس وشكل الحياة والعلاقات وحرص طويلاً على المحافظة عليها محدثاً بها كل من يعبر حياته في الاغتراب ممنياً النفس بالعودة للأحضان الحانية والقلوب الصافية والناس الطيبة النقية الصادقة والنزيهه.. هذه الصورة لم يعد لها وجود إلا في خياله المثالي وحنينه المعاود!!
وكم من صديق أو قريب أنهى إجازة السنوية ولاذ بالفرار والعودة من حيث أتى لأنه لم يجد ماكان يتوقعة مما تركه.. لم يجد الناس تحتفي بعودة.. لم يجد التواصل الحميم (واللمة الحلوة).. ولم يجد الأمانة.. والإيثار.. والكرم!
لم يجد سوى صور متتابعة من النصب والاحتيال والبرود والمصالح التي تغلب على العلاقات.. لم يجد المودة التي تركها.. والكبار بوقارهم والصغار ببراءتهم.. والحشمة والأدب والحياء!!
وجد المجتمع السوداني قد تحول لمسخ مشوه لا هو في تمام تحضره.. ولا منتهى بساطته.. فقد تحول إلى مزيج مقزز من كل هذا وذاك.. يسيطر عليه الجهل والمرض والفقر.. ويتحكمون في مؤشراته الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية والإنسانية..
وجدوا سوداناً لا يعرفونه.. ولا يمت للملاذ الذي ظلوا يدخرونه للزمن وجوره بصلة.. ولا عاد هو الواحة والمتكأ والمكان المثالي للحب والحياة.. لم يعد النموذج الأمثل للنقاء والحياة الفطرية الكريمة.. تحول لبلاد طاردة.. يدور أهلها في فلك العوز والضنك والقهر والعجز.. ولا يلوح بريق الأمل في سمائها.. ولا تتسع أجواؤها لعودة العصافير.. فالنيل القديم ماعاد عذباً ولا يجري بالحياة!!
تلويح:
عصافيرنا الجميلة تغرد في بساتين الغير.. وحتى عصافير الداخل يراودها حلم الهجرة.. وزغب الحواصل يحزمون حقائبهم وغاية أمنياتهم تأشيرة خروج ربما بلا عودة!!
[/JUSTIFY]
بشرك الله بالخير