فوز الغضب على الخوف
اليونانيون الذين عاشوا خمس سنوات من التقشف المفروض عليهم من قبل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي قالوا لا لتلك السياسة من خلال التصويت لحزب اليسار الراديكالي (سيريزا) المناهض لسياسات للتقشف بقيادة زعيمه الشاب أليكسيس تسيبراس، الذي وعد اليونانيون خلال حملته الانتخابية برفع الحد الأدنى للأجور وإلغاء بعض الضرائب المفروضة على الطبقات الأشد فقراً، والطلب من الدائنين الأوروبيين إعادة التفاوض حول ديون اليونان وخفضها، وهو ما يثير القلق أوروبياً بأن إعادة التفاوض حول سياسة التقشف قد ينتهي إلى خورج اليونان من منطقة اليورو والعودة إلى عهد (الدراخمة) اليونانية.
واستقبلت أوروبا نبأ فوز اليسار في اليونان بخوف وتباين في ردات الفعل، فرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مغرداً على موقع تويتر قال إن “الانتخابات اليونانية سوف تزيد القلق الاقتصادي في أوروبا”، بينما رحبت الحكومات ذات الأحزاب اليسارية، ففي إيطاليا اعتبر وزير الدولة للشؤون الأوروبية ساندرو غوزي فوز الحزب اليساري، فرصة جديدة أمام أوروبا لمواصلة التغيير لصالح النمو والاستثمارات ومكافحة البطالة.
ووصف المحللون في بنك برنبرغ الألماني ما جري في اليونان بأنه (فوز الغضب على الخوف، والوهم على العقل)، ووصفوا رئيس الحزب اليساري تسيبراس بأنه (متمرد شعبوي).
وتعود قصة التقشف المفروض على اليونان الذي دفع مواطنيها للتصويت بأغلبية لصالح الحزب الذي رفع شعار تخليصهم من هذا الأسر الأوروبي، إلى العام 2010 عندما كانت البلاد على حافة الإفلاس وبلغ الدين الحكومي 175% من الناتج الوطني، ووضع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي خطة إنقاذ من خلال تقديم قروض كمساعدات واتباع خطة تقشف قاسية، وتلقت اليونان على مدار السنوات الخمس الماضية ست دفعات من القرض، وتمت جدولة أكثر من 50% من سندات الدين العام، ونفذت الحكومة اليونانية أربع دفعات من خطة التقشف، أضرت كثيراً بمستويات معيشة الطبقات الوسطي والفقيرة.
وجاءت تأثيرات حزمة المساعدات المالية الأوروبية والدولية بنتائج عكسية، ليس فقط في مضمار الإضرار بالطبقات المتوسطة والفقيرة، وارتفاع منسوب التوترات الاجتماعية في اليونان، بل أيضاً بثبوت المساوئ الكبيرة لتنفيذ شروط الاتحاد الأوروبي و”صندوق النقد الدولي، واتضاح أن الدائنين تعاملوا بانتهازية مع الأزمة المالية والاقتصادية اليونانية”.
إذن ضاق اليونانيون ذرعا بخطط التقشف التي اكتشفوا أنها باهظة الكلفة، وكان بالإمكان الاستعانة بقروض بفوائد أقل من دول خارج منظمومة الاتحاد مثل روسيا والصين، بدلا عن سياسة التقشف الأوروبية التي أفضت إلى وتراجع معدلات الاستثمار، وهجرة رؤوس الأموال والكفاءات، ونقص السيولة النقدية.
[/JUSTIFY]