منوعات

التشابه بين الأزواج .. عنوان حب أم جرس إنذار؟

أشياء كثيرة تتشابه، وبمرور الزمن تصبح صورة طبق الأصل من بعضها بعضا، حتى يصعب التمييز بينها. ولا تسلم الحياة الزوجية من ملامح التشابه هاته بفعل العِشرة الطويلة وتراكم المودة والمحبة.

وبرغم أن الكثيرين يرون في هذا التشابه عنوانا على متانة العلاقة الزوجية، فإن البعض يرون عكس ذلك.

فالتشابه في رأيهم يعني التكرار والرتابة والاستسلام للأمر الواقع، وهو ما يصيب العلاقة الزوجية بالجمود، وافتقاد الحيوية وعنصر المفاجأة، الذي يصنعه التباين في الطباع والملامح ووجهات النظر إلى الحياة والأشياء.

أيضا يرى هذا الفريق أن منطق الاستقرار في العلاقة الزوجية، هو إفراز حركة تفاعل بين كائنين، كلاهما يكمل الآخر، ولا يلغيه، مهما بلغت وطأة الزمن والظروف.

تتفق هويدا مصطفى (40) عاما، مترجمة بإحدى الصحف القومية، مع الرأي الأول وتقول «تزوجت منذ 15 عاما، بشكل تقليدي، وكانت بيننا خلافات كثيرة وحادة حول بعض الأشياء، إلا أن طيبة قلبه كانت المفتاح لإتمام الزواج.

وعلى مدى هذه السنين، ضاقت هوة الخلافات بيننا، بل صرنا نتناولها أحيانا، من قبيل المزاح والفكاهة.

الطريف في الأمر أنني أصبحت أدرك، كيف سيتصرف زوجي في الكثير من المواقف، وكيف يفكر في حل مشكلة محددة، ووجهة نظره في أمور بعينها، والأمر نفسه بالنسبة لي.

فهو الآن يقرأ أفكاري، ويتوقع ما سوف أقوم به في الكثير من الأمور الخاصة وغيرها، حتى إن أخوتي حين يناقشون رأيا يهم العائلة يعلقون: هويدا رأيها من رأي زوجها.

وأنا سعيدة بهذا التشابه، وأتصور أنه عنوان على المحبة والتفاهم، وصفاء العشرة». محبة هويدا للتشابه بينها وبين زوجها، تحيلنا إلى المصريين القدماء، حيث كان الزواج رباطا مقدسا، بل إن من طرائف حضارتهم أن لقبي «أخي وأختي» كانا من أكثر الألقاب العاطفية التي يطلقها الزوجان على بعضهما بعضا، للدلالة على تشابهما عاطفيا ووجدانيا.

وعلى العكس من ذلك تنفر سها عبد المقصود (35) عاما، محاسبة بأحد البنوك، من التشابه بين الأزواج، وتراه ينطوي على نوع من الخنوع لطرف على حساب طرف آخر.

تقول هويدا: «بصراحة طلقت زوجي الأول بعد 3 سنوات لأنني اكتشفت أنه أصبح صورة طبق الأصل مني، يريد أن يرضيني بأي شكل، حتى أصبحت أنفر من تكرار المجاملة التي فقدت معناها ومبررها، ووصل الأمر إلى الشك في قدراته العقلية والنفسية. المدهش أنه كان يحزن بشدة حين أنهره أو ألومه على فعل ذلك، لدرجة الشعور بالرثاء».

لا تحبذ سها المثل الشعبي الشهير «يخلق من الشبه أربعين»، وما يشيع من اعتقاد بأن بعض المتزوجين لفترة طويلة تتقارب ملامحهم بمرور الوقت والزمن، حتى ينشأ بينهما تشابه واضح في الوجوه، وطريقة النظر في التعامل مع الأشياء، وتشكك أيضا فيما يرويه البعض عن أنهم عاينوا على امتداد حياتهم حالات من المتزوجين بدوا أقرب في تشابه الملامح والطباع بينهما عن الأشقاء أنفسهم.

تعلق سها «نعم التكرار يعلم الشطار، لكن في الحياة الزوجية، لا تكون أصابع اليد مثل بعضها، لذلك لا بد من تنوع التوابل.

فالمعدة ذواقة وملولة، والعين والجسد والروح أيضا. الحمد الله زوجي الثاني، لا يشبهني، وإنما يكملني في أشياء كثيرة.

ففي لحظات النقص يكون هو الإضافة، وأنا سعيدة بهذه الجدلية، لأنها تشع على حياتنا المزيد من الحيوية، وتدفعنا إلى خوض الحياة كمغامرة يومية، مثيرة للدهشة والتأمل».

ومن جانبهم لم يغفل العلماء هذا الأمر، ففي إطار دراسة أجراها فريق من علماء جامعة ليفربول نشرتها دورية «التباينات الشخصية والفردية» في عددها الصادر في مارس 2006، اتضح وجود تشابه في الملامح ونمط الشخصية بين المتزوجين لفترة طويلة، وأنه كلما طال أمد الزواج، ازدادت قوة التشابه، إلى حد التطابق أحيانا.

المثير أن دراسة أخرى سابقة أجراها فريق من جامعة ميتشغان في عام 1987 خلصت إلى النتيجة نفسها، حيث توصلت إلى أن العديد من الأزواج ممن لا يتسمون، عند بداية الزواج، بأي تشابه بينهما، يصبحون متشابهين بعد مرور 25 عاما على الزواج، إلى جانب أنه كلما توافرت السعادة الزوجية، زاد حجم التشابه بين الزوجين.

وساق العلماء عددا من الأسباب لتفسير هذه الظاهرة، منها أن التجارب الحياتية المشتركة ربما تترك تأثيرها على ملامح الزوجين.

بينما يعتقد البعض أن اتباع أنظمة غذائية متشابهة ربما يسهم في ظهور التشابه في المظهر، لكن الاحتمال الأكبر، حسبما يرى دكتور روبرت زياونز، الذي تولى قيادة فريق البحث في الدراسة الثانية، يتمثل في أن الأفراد يميلون عادة وعلى نحو لا إرادي لمحاكاة تعبيرات وجه الزوج الآخر، وبمرور السنوات يؤدي ذلك إلى خلق تشابه بين الشكل العام للوجه بالنسبة للزوجين.

وربما يكون للتركيب الجيني أيضا دور، فقد توصل باحث بجامعة غرب أونتاريو إلى أن الأفراد يميلون لتنمية روابط صداقة أو علاقات عاطفية مع أشخاص يتميزون بتركيب جيني مشابه لهم، خصوصا أن دراسات علمية أخرى خلصت إلى أن الأزواج الذين يتمتعون بتركيب جيني متشابه ينعمون بحياة زوجية أكثر سعادة.

لكن حنان أحمد محمد (40) عاما، وهي موظفة بشركة مالية، ترى أنه رغم وجود مثل هذه الحالات التي يتقارب فيها الشبه بين الزوجين بمرور الوقت، فإنها ليست بالكثيرة، ولا تعدو كونها مجرد استثناء، يخضع للمصادفة أحيانا.

وتشير إلى أن السبب الرئيسي وراء التشابه، من وجهة نظرها، يكمن في «اتفاق الطباع بين الزوجين، وبلوغهما درجة عالية من الحب والتفاهم».

وتعتبر حنان الوصول إلى هذا التشابه بمثابة وثيقة غير موقعة رسميا، على مدى الحب والتفاهم بينهما.

ويتفق معها أيمن الجارحي، 41 عاما، ويعمل مصرفيا، مؤكدا أنه شخصيا لاحظ هذه الظاهرة، موعزا السبب إلى «الحب والتوافق في الأفكار والميول والطباع بين الطرفين».

وأضاف: «ربما كانت مسألة المحاكاة اللا إرادية للآخر سببا محتملا»، مشيرا إلى أن «مسألة تنامي التشابه بين الزوجين تتوافق طرديا، حسبما يرى، مع الفترة الزمنية التي يقضيانها معا، فكلما طال أمد الزواج، ازداد التشابه وضوحا».

من جهته، أعرب الدكتور منير حسن جمال، رئيس قسم علم النفس بكلية التربية جامعة العريش، عن اعتقاده أن القضية بحاجة إلى دراسة أعمق، وأته صادف على الصعيد الشخصي هذه الحالات، خاصة فيما يتعلق بالتشابه بين الزوجين في السمنة أو النحافة المفرطة.

وأوضح أنه، على سبيل المثال، في حالة السمنة المفرطة، من المعروف أنها تؤثر بالسلب على المخ وتسبب حالة من الكسل والخمول الذهني، الأمر الذي يخلق تشابها بين الزوجين على مستوى التفكير.

وأشار أيضا إلى أن جميع التفسيرات سالفة الذكر – التجارب الحياتية المشتركة والتوافق العاطفي والنظام الغذائي المشترك ومحاكاة تعبيرات الوجه – ربما يكون لها دور في هذه الظاهرة.

لكنه ينبه إلى أن التشابه هنا لا يعني التكرار، بل هو حالة إنسانية تشبه المصفاة التي تقطر الشوائب، وتعد في جوهرها الأعمق بمثابة توأمة روحية لا إرادية بين الزوجين.

مصراوي